الاضطرابات النفسية ومجتمعاتنا العربية: كلمتان متضاربتان

يناير 4, 2022

A-

A+

لا بد من التكلم عن الأفكار النمطية والأحكام المسبقة التي يمتلكها هذا البلد وأهله، في مواجهة واقع الناس وحياتهم ومشاكلهم، وصدور الأحكام المسبقة والهدّامة تجاههم وجلدهم ومحاسبتهم لأنهم “مختلفون”.

“منذ طفولتي كنت أتلقى كلاماَ قاسياَ من كل الناس القريبة والبعيدة بسبب عدم انتاجيّتي في المدرسة، في الجامعة، في نادي الرياضة و في حياتي بشكل عام. لم يكن لدي الجرأة الكافية ولو لمرة واحدة لكي أواجه هؤلاء و لكي أخبرهم عما يجري في داخلي وكيف يؤثّر وضعي النفسي على حياتي اليومية.

من بين الإهانات التي كنت أسمعها ليلاً ونهاراً هي كلمة “كسول”،هذه الكلمة التي تجعلني حتى اليوم أعيش إضطرابات داخلية حادة كل مرة تدخل أذني.

على كل حال، اليوم قررت المواجهة. لأنه لم يعد بامكاني العيش بهذا الوضع المتأزم أكثر من ذلك. و لكن لا، لا أريد الانتقام من الناس التي جرحتني لأنني اعلم ان هؤلاء هم ضحايا وقد مروا بنفس اللحظات الصعبة التي مررت بها. كل ما أود القيام به هو إخبارهم عما أشعر به، هذه المشاعر التي تتمكن عيونهم الحاقدة من رؤيتها.

أعيش منذ صغري بحالة من القلق الدائم الناتج عن اضطرابنفسي أعاني منه وهو “الوسواس القهري”.

في البداية، كنت أظن أن هذه الأفكار الوسواسية لن تأخذ أكثر من حيزها الضيق و أنها جزء من شخصيتي و ان كل شيء على ما يرام. و لكن مع مرور الوقت بدأت ألاحظ ان هذه الأفكار بدأت تسيطر ليس فقط على عقلي و أفكاري بل ايضاً على جسدي. أصبحت محاصراً بكل ما للكلمة من معنى. لم يعد بامكاني وضع قدمَيْ خارج المنزل، أصبحت ضعيفاً بسبب الحرب التي أخوضها في مخيلتي، كالجندي الذي يصارع العدو على خطوط التماس.

بدأت تدور في ذهني العديد من الأفكار الانتحارية وصرت أشعر بأنني غير مستحق للحياة و أنني السبب الأساسي لما اعيشه. فكرت بالفعل في التخلص من حياتي أو أن أخلص العالم من وجودي، بمعنى آخر بسبب الطاقة السلبية التي انشرها أينما اذهب. بدأت ايضاً تظهر اضطرابات نفسية أخرى مثل الاكتئاب و القلق الإجتماعي. أصبحت اعيش بإنعزال تام عن باقي العالم وبدأت حياتي تصبح شبيهة بكابوس ليس له نهاية.

بات الفرح شعوراً غريباً عني، لم يعد لدى اي حافظ للاستمرار في هذه الحياة، نظرتي للمستقبل أصبحت سوداوية. لم يعد حتى يتمكن عقلي من استيعاب ما يجري.

كل هذا الجحيم واجهته ولا ازال اواجهه منفرداً، في هذا المجتمع الظالم الذي لا يشبهني. هذا المجتمع الذي يلقى اللوم دائماً على الضحية، هذا المجتمع الذي يحكم على الأشخاص من دون المعرفة أو فهم بما يمرّون به. إذا أردنا فعلاً إرثاء التغيير الذي نتطلع إليه، وهو ما يحتاجه لبنان بالتأكيد، فعلينا أولاً جعل المجتمع اللبناني مساحة آمنة للجميع، ومتقبلة للآخر ولأفكاره ولمعتقداته ولشخصيته ولحريته ولملبسه…”

إذا كنتم أنتم أيضاً تعانون من أي اضطراب نفسي أو أفكار سوداوية، لا تترددوا بالتحدث وإخبار من حولكم والاتصال بخط الحياة 1564 دون أي كلفة إضافية.