التحرّش الجنسي واغتصاب الأطفال… واقع مرير لا تختزله العناوين المثيرة
يوليو 15, 2022
A-
A+
“إغتصاب طفل وخنقه وحرق جثته”. “إغتصاب طفلة عمرها 4 سنوات ورمي جثتها في المجاري”. “جار يغتصب إبن جاره”. “زوج الأم يغتصب بنت زوجته. “معلّم يغتصب تلميذه”. “مدرّس يتحرّش بتلميذته”… وإلى ما هنالك من عناوين مثيرة لا تُعدّ ولا تحصى، كأنّ من يكتبونها يتلذذون بصياغتها دون الغوص في قساوة الواقع الذي بالكاد تلامسه كلمات تلك العناوين غير المعبّرة عن حقيقته القاتلة للأجساد والنفوس.
وأيضاً، كأنّ القرّاء والمتابعين لهكذا قضايا يكادون يصنّفونها في خانة الأحداث الإستثنائية والفضائح المضخّمة. إلى أن تقع واقعة أو أكثر تجبر الناس على مواجهة الحقيقة، بل والتعامل معها بأبشع الأساليب التي قد تتعدّى الفعل الأصلي شناعةً وجرماً. فالذاكرة لا تزال تحفظ جريمة، بل جرائم كترمايا في العام 2010. وها هي جرائم مغتصب الأطفال المتسلسل في القاع تضاف، منذ أيام قليلة، إلى قائمة جرائم التحرّش بالأطفال واغتصابهم، مذيّلةً بالإدانات الصاخبة إن كان من خلال وقفات احتجاجية أو عبر حملات إلكترونية.
“عمّو كان يناديلي يقلّي تعال جبتلك إشيا طيّبة. كان يفوّتني عَبَيْتو. بَيْتو كان كلّو أضواء ملوّنة، أحمر وأخضر وأزرق. كان يطفي الضو ويشغِّل بس الأضواء الملوّنة. وكان عندو بانيو كبير يقلّي تعال نتسبّح سوا عَشَان أعطيك الأشيا الطيّبة يلّي جِبْتِلّك ياهن. كان يطلب منّي أعمل أشيا كنت أخاف منها، بس كنت أوافق لَيَعْطيني الحلويات. أوقات كان يْوَجِّعْني…” هذا ما قاله طفل بعمر الـ 5 سنوات.
وتكثر هذه الأخبار التي تتداولها وسائل الإعلام من حين إلى آخر، مشيرةً إلى “وحش بشري” يشوّه الطفولة لدوافع جنسيّة، ومشدِّدةً على ضرورة التصدّي لهكذا ممارسات بنفس درجة مكافحة الإرهاب.
لقد بات من المسلَّم به أنّ إغتصاب الأطفال والتحرّش الجنسي بهم يخلّفان أمراضاً نفسية خطيرة لدى الضحية وأفراد عائلتها ويؤثران سلباً على المجتمع ككل. وتزيد الموروثات الثقافية الأمر تفاقماً لا سيّما إذا ما اعتبر أهل الضحية اغتصاب ابنهم أو ابنتهم عاراً يلطّخ سمعة العائلة، علماً أنّ جريمة الاعتداء هذه لا ذنب للضحية فيها، فيحاولون التستّر عليها “خوفاً من الفضيحة”. وكم من عائلة غيّرت اسمها أو محلّ سكنها أو قتلت المجني عليه أو عليها بحجّة “غسل العار” و/أو قتلت الجاني بداعي الثأر و”تحصيل الشرف”.
في موازاة هذا الواقع، تؤكّد الدراسات والإحصائيات أنّه لا يتمّ التبليغ عن العديد من حوادث التحرّش بالأطفال لأسباب “عائلية”، فيتمّ التكتم عليها بسبب الشعور بالخزي والعار وتلافياً “للفضيحة”. إلّا أنّ إعلاناً لجمعيّة “حماية” يشير إلى أنّ طفلاً من أصل سبعة أطفال يتعرّض لتحرّش جنسي. وقد استقت الجمعيّة إحصائيتها من دراسة أعدّتها منظمة “كفى” بالتعاون مع وزارة الشؤون الاجتماعية لسنوات خلت. من جهتها، لفتت المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي ـ شعبة العلاقات العامة إلى ازدياد شكاوى جرائم الابتزاز والتحرّش الجنسي خلال مرحلة تنفيذ قرار التعبئة العامة منذ سنتين، بنسبة 184%، مقارنة مع فترة ما قبل هذه المرحلة، بحيث بلغت 122 شكوى خلال الفترة الممتدّة من 21 شباط لغاية 21 نيسان 2020، في حين سُجّلت 43 شكوى في العام 2019 خلال الفترة الممتدّة من 20 كانون الأوّل 2019 لغاية 20 شباط 2020.
ما هو الاعتداء الجنسي على طفل؟
يعرّف الاعتداء الجنسي على الأطفال بأنه استخدام الطفل لإشباع الرغبات الجنسية لبالغ أو مراهق. ويشمل تعريض الطفل لأي نشاط أو سلوك جنسي، وغالباً ما يتضمّن ملامسته أو حمله على ملامسة المتحرّش جنسياً.
إنّ التحرّش الجنسي بالأطفال يتخذ أشكالاً عدّة بدءاً بنعته بمفردات جنسية وصولاً إلى إجباره على ممارسة الجنس والبغاء والاستغلال الجنسي عبر تصويره بطرق مغرية أو إجباره على التعرّي عبر الإنترنت أو على مشاهدة الأفلام الجنسية والصور الخلاعية وارتياد المواقع الإباحية. وفي معرض التحرّش أيضاً، إهمال الخصوصية الجنسية وجعله يشاهد والديه أو غيرهما وهما يمارسان الجنس.
ما هي علامات تعرّض الطفل للتحرّش الجنسي؟
في الغالب، يتعمّد الطفل إخفاء أيّ تحرّش يتعرّض له خوفاً من ردّة فعل الأهل تجاهه. ربما يخبرهم جزءاً ممّا حدث مخبئّاً ما قد يعتقد أنه معيب أو محرج. أو قد يدّعي بأنّ شخصاً آخر قد حصل له هذا الفعل لاختبار ردّة فعلهم.
عدّة علامات تدلّ على أنّ الطفل قد تعرّض للتحرّش ومنها تردّده في الذهاب إلى المدرسة، والصداع المتكرّر وآلام البطن والنوم المضطرب ونوبات البكاء وردود الأفعال العاطفية الشديدة وعدم الرغبة في التفاعل مع الأسرة إذ يصبح الطفل صامتاً أو قليل الكلام، وحتى يصاب باضطراب في النطق وبعدم القدرة على التعبير.
أيضاً، السلوكيات والتصرّفات المضطربة مع الأشقاء هي علامة على الأضطهاد الذي يتعرّض له الطفل. عدا عن أنّ وجود ملابس ممزقة بدون سبب واضح أو فقدان أغراض الطفل، وتلازم هذه المؤشرات مع علامات جسدية كالخدوش والكدمات والرضوض والاحمرار والنشاط الجنسي المفرط ، كلّها دلائل على تعرّض الطفل للاعتداء البدني.
وفي المؤشرات النفسية، إصابة الطفل بصعوبة في التركيز واضطرابات في الذاكرة، والتحوّل الجذري في النشاط المدرسي، سواء أكان رسوباً أو نجاحاً فائقاً، وإهمال الذات واحتقارها، والانطواء وتعنيف الذات والآخر.
كيف التعامل مع الطفل – الضحية؟
كيف السبيل إلى تنبيه الأطفال إلى خطر التحرّش وحثّهم للتحدث عن هكذا أمور؟ ما هي الرسالة التى يجب إيصالها للطفل، وبأيّة لغة مخاطبته تجنباً لتخويفه أو لدفعه إلى التكتّم؟ كيف يتصرّف الوالدان؟
يشدّد الأخصّائيون النفسيون على أنّ عدم التعامل بطريقة صحيحة مع الأمر قد تنتج عنه سلبيات كثيرة لدى الضحية، وفي بعض الأحيان، قد يكون ردّ فعل أحد الوالدين على التحرّش الذي تعرّض له الطفل مسيئاً له أكثر من التحرّش بحدّ ذاته. لذا يجب التزام الهدوء وعدم الانفعال وإن كان الهدوء في هذه اللحظات صعب للغاية، لكن يجب تجنّب ردود الفعل المبالغ فيها كالصراخ والانفعال، لأنّ ذلك يشعر الطفل بأنه هو المذنب بينما المجرم لا يناله شيء من ذلك الغضب. كما يجب الإصغاء الجيّد للطفل: في هذه المرحلة، يكون الطفل في حالة خوف وتوتر، إلّا أنه يجب الحصول منه على معلومات تفصيلية ومعرفة حقيقة ما حصل (عدد المرّات التي تعرّض لها للاعتداء وكيفية حصول الاعتداء ومكان حدوثه وزمانه وأسباب سكوت الطفل …). إنّ تعبير الطفل عن معاناته يساعده على تفريغ المشاعر السلبيّة والتخلّص منها، وبالتالي يخفف من وطأة المشكلة عليه.
في المرحلة التالية، من المهم إشعار الطفل بالراحة والعمل على إزالة توتره وخوفه وذلك بالسماح له بالتعبير الحرّ، وإظهار الحب له، وعدم سؤاله لمَ لم يخبرنا بمعاناته في وقت مبكر لأنّ هذا سيشعره بالذنب، بالإضافة إلى ضرورة تأكيد مدى تفهّمنا لما تعرّض له وبأنه كان ضحية، وطمأنته إلى أننا نفهم خوفه ونعذره لعدم قدرته على إبلاغنا بالأمر.
ومن الخطوات المهمة اللاحقة، المباشرة بالعلاج الجسدي والنفسي إذ يجب إخضاع الطفل لفحص طبي وتقديم العلاج اللازم له في حال إصابته بجروح أو رضوض، وعرضه على أخصّائي نفسي لعلاج ما يسمّى “تفاعل ما بعد الصدمة” سعياً للتغلب على مشاعر الخوف والقلق التي تنتابه، ولإعادة تأهيله نفسياً.
كيف يمكن حماية الطفل من التحرّش الجنسي؟
إنّ توعية الأطفال هي الجواب، وصحيح أنها لا تشكّل ضمانة لحمايتهم بشكل مطلق، لكنها ستمنح الطفل القدرة على إيقاف الأمر في حال استطاع ذلك، أو أن يقوم بالإبلاغ عمّا حدث دون خوف من الفضيحة أو من عقاب الأهل. وتشمل توعية الأطفال ما يلي: تعليم الأطفال أسماء أعضائهم الخاصة منذ الصغر، فهذا يساعدهم في التعبير عن أنفسهم بشكل جيّد، وتعليمهم الالتزام ببعض القواعد المتعلقة بأعضائهم الخاصة، فلا يجب لمس هذه الأعضاء أمام الناس، كما لا يجب لمس أعضاء الآخرين. والأهم هو ألّا يسمح لأيّ شخص، عدا الأم والأب، بلمس المناطق الحساسة من جسده، وإن حدث هذا، عليه أن يخبر والديه بالأمر.
على الأهل أيضاً تعليم الطفل أنه إذا أراد أحدهم فعل شيء لا يريده الطفل أو أخافه أو جعله يشعر بعدم الراحة أو أجبره على شيء ما، فيجب أن يقول الطفل “لا” بقوّة. وإن حاول هذا الشخص إجباره على ذلك، فعلى الطفل الرفض والهرب. كما عليه الّا يستجيب لدعوة شخص غريب يقترب منه، ولا للإغراءات المادية والمعنوية التي قد يقدّمها له أحدهم. ولا نغفل عن إحاطة الطفل بالحب والحنان والإشباع العاطفي، حتى لا يبحث عنهم عند شخص آخر وينخدع بذلك.
وتماشياً مع ما تمّ ذكره، يحتاج ضحايا الاغتصاب والاعتداءات الجنسية في الطفولة إلى تلقّي العلاج المناسب، والذي يبدأ بتقييم المعالج ووضعه خطة علاجية مناسبة. أهمّ سمات هذه الخطة، زيادة إحساس الضحايا بالسيطرة على حياتهم والتحكّم بها، وتقوية شعورهم بالأمان، وتخفيف شعورهم بالذنب، وتعليمهم تقنيات بناء العلاقات ووضع الحدود في التعاملات.
كيف التعامل مع المتحرّش؟
يجب على الأهل عدم القيام بتصرّف عنيف تجاه المتحرّش، فقد يكون شخصاً مقرّباً جدّاً من الطفل. بل عليهم إتخاذ إجراءات محدّدة، لا سيّما القانوني منها. وفي هذا الإطار، تقول الأخصّائية النفسية رحيل بهيج إنّ الخطوات التي تُتخذ بعد وقوع الفعل تختلف إذا كان المتحرّش من داخل البيت أو العائلة أو من خارجهما. فإذا كان أحد الأقرباء، نكون أمام جرم سفاح القربى، وتكون أولى الخطوات التي يجب إتخاذها إبعاد المعتدي عن البيت. وبالتالي، إذا تحرّش أب بابنه، عليه مغادرة المنزل ويجب إخضاعه والضحية لإخصّائيين في علم النفس، شرط ألا يكون الأخصّائي هو نفسه للضحية وللمتحرّش. ويجب الأّ تتمّ المواجهة بينهما إلّا عندما تكون الضحية حاضرة لذلك، وهو أمر يحدّده الأخصّائي.
أمّا اذا كان المتحرّش من خارج البيت أو العائلة، فاللجوء إلى القضاء هو الحلّ الأمثل، ومن الضرورة التبليغ لأنّ التحرّش جرم، والتستّر عن الجرم هو جريمة بحدّ ذاتها. لدى تلقّيه الشكاوى، يعمد “الاتحاد لحماية الأحداث في لبنان” إلى تقييمها وتحويلها للقضاء، فيما يتمّ تحويل الطفل إلى الجمعيّات التي تقدّم له الدعم النفسي والاجتماعي مثل جمعيّة “حماية” التي تعمل على حماية الأطفال من العنف والاستغلال الجنسي على جميع الأراضي اللبنانية وجمعية “أبعاد” التي توفّر لهم الدعم النفسي ومراكز إيواء. ويحافظ قضاء الأحداث على سريّة الملف ويعمد إلى وضع خطة عمل مع الإخصّائيين لمعالجة الضحية والمعتدي، على اعتبار أنّ هذا الأخير هو إنسان مريض.
تجدر الإشارة إلى أنه في 21 كانون الأول 2020، أقرّ لبنان “قانون تجريم التحرّش الجنسي وتأهيل ضحاياه” في خطوة تسجّل تقدّماً من خلال تجريم التحرّش الجنسي وإقرار الحماية للمبلّغين عنه. مع ذلك، يعتبر المطّلعون على القانون أنه لا يرقى إلى مستوى اتفاقية القضاء على العنف والتحرّش التي تنصّ على معالجة الحكومات للعنف والتحرّش. وقد أعلنت منظمة “هيومن رايتس ووتش” أنّ القانون الجديد لتجريم التحرّش الجنسيّ في لبنان لا يستوفي المعايير الدولية. فالقانون يكتفي بتناول التحرّش الجنسي كجريمة، ويتجاهل التدابير الوقائية وإصلاحات قانون العمل والرصد وسبل الإنصاف المدني.
يجمع الأخصّائيون على التأكيد بأنه، وإن تعدّدت الجهات العاملة على حماية الطفل وتوعيته ودعمه نفسياً في حال تعرّضه لأي نوع من الإساءة الجنسية، تبقى الثغرات القانونية عائقاً أساسياً أمام محاولات الردع ومساعي الملاحقة بحقّ المعتدين على الأطفال. وإن فعلت الإساءة فعلها، فالأكيد أنّ المزايدات عبر وسائل الإعلام لا تساهم في “العلاج”. فخلاص الضحية ومحاسبة الجاني وتأهيله رهن بتفعيل القانون والتزام توجيهات المعالجين النفسيين وارتقاء المجتمع إلى ما بعد الموروثات القاتلة والمعتقدات البائدة.
في حال التعرّض للتحرّش الجنسي أو الاغتصاب، بلّغوا:
الخط الآمن لقوى الأمن الداخلي 01293293
الخط الآمن الخاص بمنظمة “أبعاد” 81788178
الخط الآمن الخاص بالهيئة الطبية الدولية 03110378
الخط الآمن الخاص بمنظمة “كفى” 01392220
الخط الساخن لوزارة الشؤون الاجتماعية 1714
الخط الساخن لـ”الاتحاد لحماية الأحداث في لبنان” 79115350
إضافة إلى موقع “متعقب التحرّش” وهو منصّة على الإنترنت تتيح الإبلاغ عن المكان الفعلي لأي عملية تحرّش جنسي.
الأكثر قراءة
- أنطون سعادة وحزبه بعد 75 عاماً فريق منصة نقِد
- مطار “الحزب” الجديد على أراضي الرهبنة: قضم أراضي الأوقاف المارونية فريق منصة نقِد
- “مات شعبي على الصليب”: 108 سنوات على مجزرة kafno و sayfo فريق منصة نقِد
- قصة “السلطان جبران” الذي أصبح مليارديراً خلدون جابر