الثورة أنقذتني… عائلتي كادت ان تقتلني

يونيو 21, 2020

A-

A+

يعاني مجتمع الميم عين في لبنان، كما المجتمعات والفئات المهمشة، مضايقات على ممارسة حقوقه الشخصية والذاتية التي نصّت على قدسيتها شرعة حقوق الانسان والمواثيق الدولية. وفي ظل تنامي القيود على الحريات و ارتفاع حدة التهديدات الأمنية لا يزال يُمارس على مجتمع الميم-عين في لبنان كما في الدول العربية، شتى أنواع الاضطهاد والعنف والقمع والترهيب.

وعلى الرغم من اعتبار لبنان بالمقارنة مع باقي دول الشرق الأوسط، من أكثر البلدان انفتاحاً وديمقراطية، تبقى هذه المزايا ممنوعة عن مجتمع الميم-عين، الذي يعيش حصارًا وتخبطًا وتضاربًا بين قوتين؛ الدولة التي تجرّم المثلية الجنسية بحسب قانون العقوبات (على الرغم من الدراسات القانونية التي أثبتت عدم أحقية المادة 534 في مقاضاة المثليين)، والمجتمع الأبوي الذكوري الذي يمارس الضغط الجسدي والنفسي بلا هوادة.

وفي تصريح لإحدى منظمات مجتمع الميم عين في لبنان عن مدى انتهاك حقوق الانسان، تصف المنظمة قائلة بأنّ “15 عامًا من العمل السياسي، لم تخلو يومًا من الدوريات والمداهمات، وحجز الحريات، والمحاكمات والعقوبات، ناهيك عن الانتهاكات المستمرة لحقوق الأفراد الأساسية خلال هذه التوقيفات كالحق بالدفاع، والحق في الخصوصية، والحماية من التعذيب، وصولاً إلى فرض الكشوفات الطبية غير القانونية.”

أحد الاشخاص من مجتمع الميم عين، والذي يفضل عدم كشف هويته، يروي قصته لموقع نقد بوليتكس عن العنف الذي مارسته عائلته عليه عندما علموا بحقيقته. “عندما عرف أهلي بميولي الجنسية، ضربوني بشكل مبرح، وفي كل مرة، يتذكرون الموضوع يضربونني بشدة”.

ويقول ابن الـ18 عامًا، الهارب من عنف عائلته: “في عمر الـ10 سنوات اكتشفت ميولي الجنسية، وبدأت تتغير اهتماماتي عن بقية أصحابي، وحاولت أن أخبئ ذلك قدر الامكان، لكن في نهاية المطاف كنت مدركًا بأنني سأصل إلى المرحلة التي لا أريد فيها أن اكذب على نفسي أولًا والمجتمع من حولي”. لم يستطع البوح بحقيقته أمام أعمامه وجدته، (وأهله مطلقين منذ ان كان عمره عاماً، ويعيش في بيت عائلة أباه)، لأنهم عائلة متشددة ولا تقل بالمثلية الجنسية.

غير أن المواجهة لم تكن بتلك السهولة، وخاصة بعد أن تم التدخل الأهل عن طريق القوة والعنف. يقول: “أمسك عمي هاتفي وقرأ رسائل قد تبادلتها مع حبيبي، كسّر لي التلفون وأشبعني ضرباً حتى أغمي علي”.

بعد هذه الحادثة، استيقظ ليرى نفسه مسجوناً في غرفته التي لم يستطع مغادرتها فكان عليه أن يفكر في حل، “الضرب الشديد والمتكرر من قبل عائلتي أجبرني على التفكير في الهرب من المنزل”.

وبما أن البلاد كانت تشهد تحركًا شعبيًا كبيرًا، ارتأت العائلة أن تسمح له بالخروج للتظاهر. وتحولت هذه اللحظة السياسيّة التغييريّة الى مرحلة أساسية وانتقالية في حياته. “عقب اندلاع احتجاجات 17 تشرين الأول 2019، سمحت لي عائلتي مغادرة المنزل والنزول إلى الشارع لأتظاهر، وخلال الثورة، تعرفت على شخص، وهو اليوم شريك حياتي الذي يدعمني ويساندني ويشاركني كل اللحظات”.

نجا ابن مجتمع الميم عين من الموت على يد عائلته. وشكل الدعم الذي تؤمنه المنظمات الحقوقية والداعمة لحقوق المثليين مصدرًا أساسيًا في العيش، الى جانب الدعم النفسي والمادي الذي يقدمه له شريكه. ولكن المسير لا يزال طويلًا لشاب يحاول أن يجد الاستقرار المادي في البحث عن وظيفة لائقة، فيما لا يزال يواجه عنفًا مبطنًا يشمل التمييز والعنف على أساس الهوية الجندرية والميول الجنسية.

فلطالما عاد خائبًا بسبب عدم قبوله في الوظيفة رغم امتلاكه الكفاءة الملائمة لنوع العمل، والجواب ثابت “ميولك الجنسية.” اليوم، وبعد عدة محاولات في التعايش المؤلم والقلق من ملاحقة العائلة وتهجم المجتمع، قرر السفر الى هولندا. ها هو ينتظر تأشيرة للسفر إلى تلك البلاد للعيش بحرية وأمان في دولة تحافظ على كرامة الانسان وتمنحه القبول وتحترم خصوصية الفرد وتحميها، وتتعامل معه على أساس مبدأ المساواة بغض النظر عن ميوله الجنسية التي تدخل في اطار الحقوق الأولية للفرد.

ويختم الشاب بغصة، “في النهاية نحن لا نؤذي أحداً وكل ما نريده أن نعيش في سلام، واذا قمت بممارسة حقوقي الطبيعية المختلفة عن الآخر فهذا لا يعني أنني أؤذيه”.

تم هذا المشروع بالتعاون مع المؤسسة العربية للحريات والمساواة وبدعم من السفارة الهولندية.