الفارسيّة هي لغة الحزب الوحيدة

أكتوبر 28, 2024

A-

A+

الحرب الدائرة اليوم كشفت للمُشَكّكين بوضوحٍ أنّ حزب الله لم يكن يومًا ولن يكون، في جوهره، حزبًا لبنانيًّا، إنما هو امتداد مباشر لمشروع إيراني بحت. لقد تجاوز الحزب كلّ المعايير الوطنية التي تفرض حماية مصالح الدولة اللبنانية ومواطنيها، وحتى مصالِحِهِ كحزب. ففي كل قرارٍ مصيري، يظهر بجلاء أنّ لبنان لا يشكّل جزءًا من أولوياته، وأنّه مجرّد ساحة لإيران تُوظّفها في صراعاتها الإقليمية والدولية.


لبنان خارج حسابات الحزب


منذ تأسيسه في أوائل الثمانينات، تبنّى حزب الله استراتيجية تخدم مصالح إيران أولًا وخوّنَ وحارَبَ كلّ شيعي لم يُبايِع الجمهوريّة الإسلاميّة. ثمّ إغتال وقضى على كل لبنانيّ قال يومًا أنّه على الحزب تسليم سلاحه. وصولًا إلى الحرب الحالية التي أظهرت أنّ الحزب لا يُقيم وزنًا للبنان ولا لأمنه القومي. فبينما كانت البلاد تواجه أزمات مالية واجتماعية خانقة، زجّ حزب الله لبنان في مواجهة مع إسرائيل، وأخذ قرارًا إنتحاريًّا خدمةً لطهران.


قرار بدء العمليات الحدودية بين لبنان وإسرائيل لم ينبع من حسابات وطنية للدفاع عن الأراضي اللبنانية، بل كان رسالة إيرانية في سياق صراعاتها مع الغرب وإسرائيل. لبنان، كما بات واضحًا، لم يكن سوى أداة أخرى في يد إيران لتعزيز موقعها التفاوضي في مفاوضاتها النووية مع المجتمع الدولي.


عمليات الحزب بأوامر إيرانية مباشرة


من الأدلّة على هذه التبعيّة المُطلقة والخَطِرة والعمياء ظهرت عندما شنّ حزب الله، باستخدام مسيّرة روسية متطورة، هجومًا على قاعدة عسكرية إسرائيلية قبل أسبوع. هذا النوع من الهجمات الدقيقة لم يكن من أولويات الحزب حتى بعد اغتيال عددٍ من قادته البارزين وضرب منشآته ومراكزه على كامل الأراضي اللبنانية. لكنّ إيران، التي أرادت توجيه رسالة إلى إسرائيل قُبَيْل إستعداد الأخيرة للرد، أمرت بتنفيذ هذه العملية في توقيت محسوب يخدم مصالحها الإقليمية، وليس دفاعًا عن لبنان أو استجابة لأي اعتداء على أراضيه.


المعركة كذريعة لمفاوضات إيران مع الغرب


على عكس الخطاب العلني الذي يدّعي فيه الحزب مساندة غزة والمقاومة الفلسطينية، تُظهر الوقائع أن هذه المعركة ليست سوى ورقة ضغط تستخدمها إيران لتحسين شروطها في المفاوضات النووية مع الولايات المتحدة والمجتمع الدولي. الجبهة الجنوبية للبنان باتت ساحة تُدار وفقًا لمصالح إيران الخارجية، لا دفاعًا عن لبنان أو حتى عن الفلسطينيين.


إذا كان الهدف من تدخل الحزب بعد يوم واحد من انطلاق “طوفان الأقصى” هو شنّ “حرب استباقية” كما زُعم، فقد أظهرت النتائج فشلًا ذريعًا. إذ لم تغيّر هذه التحركات أي شيء في ميزان القوى ولم تحقق أي نتائج ملموسة، بل أدخلت لبنان في أتون خطر جديد.

القيادة الإيرانية تستلم زمام الأمور بشكل مباشر


ما يثير الانتباه أنّ السفير الإيراني أُصيب في تفجير أجهزة البايجر، والعديد من قيادات حزب الله قُتلوا وكان معهم مسؤولون إيرانيّون، ما يُثبت أنّ إيران تدير العمليات على الأرض حتى قبل اغتيال حسن نصرالله. والأهم من ذلك، أنّ القرار الأوّل والأخير اليوم أصبح بيد القيادة الإيرانية المباشرة مع تواجد مسؤولون وضبّاط إيرانيّون في لبنان لإدارة مرحلة الفراغ على صعيد القيادة. وحزب الله، كما عرفناه سابقًا، انتهى.


لم يحمي لبنان بل ورّطه في الصراع


الحزب الذي رفع شعار المقاومة لم يُحمي لبنان، بل ورّطه في صراعات لا مصلحة للبنان فيها. المناطق التي لم تتضرر بعد، والمؤسسات التي لا تزال تعمل، إنما بقيت كذلك بفضل جهودٍ ديبلوماسية محلية ودولية. فالقوى السياسية والدينية اللبنانية، وأحيانًا الدولة اللبنانية نفسها، تحرّكت لتجنّب الأسوأ، في تنسيق مع توصيات أميركية وعربية كانت تهدف إلى الحدّ من التصعيد وحماية لبنان. هذه الجهود، لا عمليات الحزب، هي التي حالت دون انهيار شامل، وجميع هذه الجهود مشكورة.
فرصة للتخلّص من إسرائيل وإيران معًا


ما نعيشه اليوم قد يكون فرصة للتخلص من الهيمنة الإيرانية كما نتطلع يومًا إلى إنهاء الصراع مع إسرائيل. نحن، كشعب لبناني، نستحقّ دولة سيّدة، حيادية، لا تعتدي على أحد ولا تخترع أسبابًا للإعتداء عليها ولا تُستخدم كساحة صراع لأجندات خارجية. لقد آن الأوان لأن نستعيد قرارنا الوطني ونتحرر من تلك الوصاية الخانقة التي كبّلتنا لعقود.


حزب الله في شكله الحالي انتهى، وما نشهده اليوم هو مرحلة جديدة تدار فيها المعركة بأيدٍ إيرانية مباشرة. لكن في ظل هذه الفوضى، تكمن فرصة تاريخية: لبنان بلا إيران، بلا إسرائيل، وبلا ولاءات خارجية. لنطوي هذه الصفحة المظلمة إلى الأبد، ونبدأ مسيرة بناء وطن حرّ سيّد مستقلّ، فلبنان يستحقّ شخصيّات أزاحتهم آلة القتل الإيرانيّة عن المشهد اللّبنانيّ أمثال رفيق الحريري وجبران تويني وبيار الجميّل وسمير قصير ولقمان سليم وغيرهم، بدلاً عن زعماء بنوا حصونًا أعمق من حبّهم للشّهادة.