قيل لهم “اذا مش عاجبكم هاجروا”… فهاجَروا
يناير 14, 2022
A-
A+
“أولادكم ليسوا لكم… أولادكم أولاد الحياة”. وأي حياة يواجهها أولادنا اليوم، وأي وطن يفرّط بأبناءه ويفتح لهم أبواب الهجرة على مصراعيها.إذ باتت آمال شباب لبنان معلقة على أجنحة طائرة تحلّق بعيدًا، هربًا من قساوة العيش والأزمات المتناثرة الواحدة تلوة الأخرى، والتخبطات والمأساة التي يعيشونها.
وما أصعب العيش لو لا فسحة الأمل. الأمل الذي فُقد في بلدٍ بات عنوانًا للانهيار ورائدًا في مجال الأزمات. فغدت دموع أمٍّ تبكي بحسرةٍ على رحيل ابنها، بمثابة حلم لأمٍّ أخرى ترى مستقبل ولدها يتحطم أمام عينيها. فما الذي يبحث عنه الشباب اللبناني في هذا الملجأ؟ وهل يكون دائمًا على قدر تطلعاتهم؟
قديمًا كانت القبائل ترتحل من أرض الى أخرى، فرارًا من القحط والظروف القاسية، وطلبًا للماء والمأكل، أو بسبب الحروب الناشئة بين القبائل. ولسخرية القدر، إن الشباب اللبناني اليوم يرتحل بحثًا عن المطالب نفسها. فبعد الأزمات الاقتصادية، والسياسية، والأمنية، والاجتماعية، والصحية… لم يعد يرتقي لبنان الى مستوى الدولة، ويكاد يصنف كدولة انهيار. ووقع الانهيار على فئة الشباب، صداه يزعزع البلاد. إذ بدل أن ينشغل شبابنا ببناء مشاريع واستثمارات، وتثبيت حجر الأساس لبناء أسس فكرية رائدة وابداعية، نراه يلملم أحجار عاصمة متفجرة، منكوبة، ويجمع حطامها ليرميها مع حطام أحلامه المتكسّرة.وبدل أن يعيش شبابنا قصة شغف وحب غامرة، نراه يعيش وجع فقدان شهيد أو رحيل حبيب.
فراح كل من يجد الى الهجرة سبيلًا، يختار دولًا يلجأ اليها تقدّم الدعم، والرعاية، والاهتمام، والتقدير، وراحة البال له ولأبنائه، وتلبي طموحاته. آملًا العثور على رعاية الأم التي افتقدها في بلده الأم.
إذ يلخص الإمام الشافعي أسباب الهجرة وأهدافها بقوله:
تغرب عن الأوطان في طلب العلى… وسافر ففي الأسفار خمس فوائد تفريج هم واكتساب معيـــشة وعلـــم وآداب وصحـــــبة ماجد”.
إلا أنه كثيرًا ما لا يجد المهاجرون تلك الحياة الوردية في المهجر، ويتخبطون في ضياع بين حنين للوطن والوحدة في المهجر.
ورغم أن هجرة الشباب تؤمن مردود مالي بارز الا أنها خسارة بالنسبة للبلد الأم، إذ تفرّغ البلد من موارده البشرية والفكرية، وتعيق الدورة الاقتصادية، كما تؤدي الى خلل ديمغرافي، وعرقلة في التطوير والتنمية.
مع ذلك، تبقى الحلول عديدة وبديهية، منها الاقتصادية وتتمثل بتأمين خطط اقتصادية بنّاءة، واستقرار اقتصادي، وفرص عمل… ومنها سياسية تتمثّل بتشكيل حكومات فعّالة، والعمل على سياسات بنّاءة وفعّالة واستقرار سياسي… ومنها اجتماعية تتمثّل بتأمين الأمن، والحرية الفكرية… ومنها الدولية وتتمثّل بالحد من الحروب والتدخلات السياسية، وتقديم الدعم…
إلا أن السؤال المطروح في لبنان هو مدى اكتراث طبقة سياسية فاسدة، تطلب جهارًا من مواطنيها “إذا مش عاجبهم يهاجروا”، بأن تسعى لإيجاد حلول لإنقاذ البلد والحد من الهجرة.
وقد يحاول بعض الشباب انتظار هذه الحلول والمناضلة في سبيل تحقيقها ايمانًا منه بقوة التغيير وتفاديًا لمرارة الغربة، ولكنه لا يجد صدى لصوته ولا بارقة لأمله. ولا يبقى أمامه سوى ركوب موجة الهجرة في بحرٍ ميّت باحثًا عن الحياة.
إنما يبقى لبنان، وبكل حالاته، إدمانًا لا نشفى منه وشغفًا دفينًا، حلمًا مستحيل المنال، يستحيل العيش فيه، ويستحيل بدونه.
الأكثر قراءة
- رقصة اولى حولها القدر الى الرقصة الاخيرة: نزيف الأقليّات مستمرّ فانيسا حبيب
- في خدمة الحريّة: مستمرون في مواجهة الهمجيين والبلطجيين والميليشيا محمد الغزاوي
- عن التروما التي تعشقنا وتحاول قتلنا كارل حدّاد
- مجموعة “بريكس” تتوسع: هل ينتهي عصر الدولار؟ رَهادة الصميدي