موازنة العام 2024 ضرائب ومخالفات دستورية بالجملة
يناير 29, 2024
A-
A+
مشروع موازنة العام 2024 جاء نتيجة دمج قامت به وزارة المالية لمواد وأرقام مشروعي الموازنة لعامي 2023 و2024، من دون أن يُعرض في صيغته الأخيرة على مجلس الوزراء. وهو استمرار في سياسة الترقيع والمعالجة غير المتناسقة لتداعيات انهيار العملة الوطنية التي حملت معها تعميقًا للعدالة الضريبية، في ظل تجاهل تام لأي رؤية اقتصادية أو مالية واضحة ولأوضاع الوظيفة العامة والمتقاعدين رغم ارتفاع قيمة الضرائب والرسوم المفترض جبايتها، وفي استمرار للمخالفات الدستورية الفاضحة الواردة فيه.
لم تقدم الوزارة مؤشرات وافتراضات الاقتصاد الكلي المستخدمة في مشروع الميزانية، مثل نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي، ومعدل التضخم، والناتج المحلي الإجمالي الاسمي. وفي ظل هذا السيناريو، تبدو فرص الموافقة على مشروع الميزانية في شكله الحالي محدودة إلا إذا تم إجراء تعديل رئيسي على هذا المشروع. باختصار، تحول مشروع موازنة 2024 من مشروع عاجز بقيمة 17 ألف مليار ليرة إلى مشروع يضم إيرادات بقيمة 320 ألف مليار ليرة ونفقات 295 ألف مليار ليرة بفعل تعديلات لجهة الإيرادات والنفقات.
قبل التعديلات كانت النفقات بقيمة 300,519 مليار ليرة لبنانية (3.3 مليار دولار) وإيرادات بقيمة 258,785 مليار ليرة لبنانية (2.87 مليار دولار)، مما يؤدي إلى عجز في الميزانية بقيمة 41,734 مليار ليرة لبنانية (46.3 مليون دولار)، والذي سيكون ما يعادل 13.9 في المائة من الإنفاق العام، مقارنة بنسبة 24 في المائة من الإنفاق في مشروع الميزانية لعام 2023.
قد حسبت وزارة المالية قيمة الليرة لبنانية مقابل الدولار الأميركي بـ 90,000.
الضرائب والرسوم المعدلة في موازنة 2024
ومن بين الضرائب والرسوم المعدلة في موازنة 2024 فرض رسم خروج على المسافرين بطريق الجو أو البحر ورسم دخول على غير اللبنانيين على الشكل التالي:
- 35 دولاراً عن كل مسافر من الدرجة السياحية.
- 50 دولاراً على كل مسافر من درجة رجال الأعمال.
- 65 دولاراً على كل مسافر من الدرجة الأولى.
- 100 دولار على كل مسافر على متن طائرات أو يخوت خاصة.
- فرض رسم على المنتجات المستوردة من التبغ والتنباك والسيجارة الإلكترونية على الشكل التالي:
- 11500 ليرة عن كل علبة سجائر تحتوي 20 سيجارة عادية أو إلكترونية.
- 115 ألف ليرة على الكيلوغرام الواحد من التبغ المعسل وتبغ النرجيلة.
- 20 في المئة من سعر مبيع السيجار بالمفرق.
- فرض رسوم على المنتجات الكحولية المنتجة محلياً، ورسوم على كافة المعاملات الشخصية لدى المخاتير. كما تمت مضاعفة الرسوم البلدية بين 10 و20 مرة حسب ارتفاع الوحدة السكنية.
- تعديل الأحكام الخاصة المتعلقة بإيرادات رؤوس الأموال المنقولة الأجنبية الخاضعة لقانون ضريبة الدخل.
التسويات – المتعلقة بضريبة الدخل وبالضريبة على القيمة المضافة
وبدلاً من إحالة جميع المكلفين الذين لم يصرحوا ويسدّدوا الضرائب المتوجبة عليهم ضمن المهلة المحددة إلى النيابة العامة المالية، بجرم التهرب الضريبي، والحجز على أملاكهم، كما كان وارداً في الصيغة الأساسية من الموازنة.. جاءت تعديلات الموازنة لتتساهل مع المتهرّبين ضريبياً وغير المصرحين عن أموالهم. وورد فيها الآتي “يعطى الأشخاص الطبيعيون والمعنويون المقيمون في لبنان الذي يخضعون لأحكام المادة 82 من قانون ضريبة الدخل مهلة مدتها 6 اشهر من تاريخ نشر هذا القانون، للتصريح وتسديد الضريبة عن إيرادات رؤوس الأموال المنقولة على اختلاف أنواعها، التي حصلوا عليها من الخارج، ولم تسقط بعامل مرور الزمن، ولم يصرحوا عنها، ويسددوا الضريبة المتوجبة عليها ضمن المهل القانونية من دون أن تفرض عليهم أي غرامة تحقق أو تحصيل”.
ومن بين التسويات أيضاً إجراء تسوية على التكاليف غير المسددة، المتعلقة بضريبة الدخل وبالضريبة على القيمة المضافة المقدمة أمام لجان الاعتراضات. وخلافاً لأي نص وبصورة استثنائية، يمكن للمكلفين إجراء تسوية على التكاليف غير المسددة المتعلقة بالضريبة على الدخل وبالضريبة على القيمة المضافة المعترض عليها أمام لجان الاعتراضات. وتحدد قيمة التسوية بـ50 في المئة من قيمة الضرائب المعترض عليها، وتنزل قيمة غرامات التحقق والتحصيل المتوجبة.
ما هي المخالفات الدستورية
إحالة مشروع لم يوافق عليه مجلس الوزراء
المخالفة الأبرز والتي تحصل للمرّة الأولى تكمن في كون مشروع القانون الذي أُحيل من الحكومة إلى المجلس النيابي ليس هو نفسه المشروع الذي وافق عليها مجلس الوزراء في 12/9/2023. إذ قامت وزارة المال بتعديلات جوهرية على المشروع هدفت في غالبها إلى دمج بنود مشروع موازنة 2023 فيها، انسجاما مع توصية لجنة المال والموازنة النيابية.
وعود فارغة مجدداً لجهة قطع الحساب
المخالفة الثانية والأهمّ تكمن في عدم إرسال مشروع قانون يتعلّق بقطع الحساب عن عام 2022. عوضا عن ذلك، أضافت لجنة المال والموازنة مادّة في نهاية المشروع المعدّل تُفيد بأنّه على سبيل الاستثناء سيتم إقرار نشر هذا القانون من دون قطع حساب، وأنه على الحكومة إنجاز قطوعات الحسابات عن 2022 وعن السنوات الماضية خلال مهلة أقصاها سنة.
ولعل أبرز ما اتسمت به موازنة 2024 أن الدولة تفتقد لأرقام مدققة ونهائية عن إيرادات ونفقات موازنات 2021 و2022 و2023. كما أن وزارة المال لا تملك الأرقام، لأنها توقفت عن إدخالها على النظام المالي للوزارة منذ عام 2019. أما موازنة 2024، فلا تتمتع بمبدأ الشمول والشيوع. فلا القروض أدخلت فيها ولا نفقات الهيئات والمؤسسات والمجالس التي تعمل لصالح الدولة.
تضمين الموازنة تسوية ضريبية سبق وأن أبطلها المجلس الدستوري
فكما في موازنة 2022 وموازنات سابقة، سمح المشروع المعدّل للمكلّفين ضريبياً إجراء تسوية على التكاليف المتعلقة بضريبة الدخل والضريبة على القيمة المضافة المُعترض عليها أمام الإدارة الضريبية أو لجان الاعتراضات. وتقوم التسوية على تسديد 50% فقط من قيمة الضريبة المعترض عليها.
وإجازة هذه التسوية تتعارض تماما مع قرار المجلس الدستوري رقم 2/2018 بشأن قانون موازنة 2018، والذي أبطل بنداً مشابهاً سمح بإجراء تسويات ضريبية عملاً بمبدأ المساواة ومبادئ العدالة الاجتماعية ومبدأ العدالة الضريبية وأيضا على خلفية أنه يؤدي إلى التشجيع على التهرب الضريبي ويبدّد المال العام.
فرسان الموازنة
تضمّن مشروع الموازنة عشرات المواد التي تخرج عمّا يجب أن يتضمّنه القانون، وهي المواد التي تُسمّى بفرسان الموازنة لكونها دخيلة عليها بحكم أنها لا تتصل بالإيرادات والنفقات المتوقعة والنصوص المؤثرة بها. يُشار إلى أنّ المجلس الدستوريّ أكّد في عددٍ من قراراته على عدم دستورية فرسان الموازنة استنادا إلى المادة 83 من الدستور التي تحصر بنود الموازنة بما يتعلّق بالنفقات والإيرادات المتوقعة والنصوص التي تؤثّر فيها من دون أن يتعدّاها إلى مواد تتضمن إجراءات تنظيمية وإدارية لا تتصل بهذه المشتملات (مثال على ذلك: القرار 2/2018).
ومن أبرز الأمثلة الفاقعة على هذه المخالفة هي المادة 93 التي تحدّثت عن كيفية احتساب تعويضات نهاية الخدمة من قبل الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي أو المادة 59 التي أتاحت تأجير أملاك الدولة الخصوصية لمدّة قد تصل إلى 18 عاما، وغيرها من عشرات المواد المخالفة لهذا المبدأ.
كما نذكر بشكل خاص ما أضافته لجنة المال والموازنة في المادة 92 من المشروع المعدّل حيث حدّدت طريقة استيفاء رسوم الجامعة اللبنانية وزيادتها، بحيث تُحدّد رسوم التسجيل وسائر الرسوم والبدلات من قبل مجلس الجامعة على أن تخضع لمصادقة وزيري التربية والمالية، وفتح التعديل إمكانية تحديدها وفي حال غياب المجلس بقرار من رئيس الجامعة يحظى بمصادقة الوزيريْن. الأهمّ من ذلك، اعتبرت المادّة أنّ جميع قرارات تعيين الرسوم السابقة لهذا التعديل تُعتبر قانونية، وذلك بهدف واحد وهو تشريع المخالفة البينة والواضحة التي تمثلت في زيادة رسوم التسجيل في الجامعة بأكثر من 10 أضعاف. وما يزيد من قابلية الأمر للانتقاد هو أن هذا التعديل إنما يرشح عن تدخل في عمل مجلس شورى الدولة، وتحديدا في المراجعة التي كان تقدّم بها 3 طلاب أمام مجلس شورى الدولة لإبطال هذه الزيادة. ومن هذه الوجهة، تنتهك هذه المادة أيضا مبدأ فصل السلطات واستقلالية السلطة القضائية، بالإضافة إلى كونها فارسا من فرسان الموازنة.
مخالفة مبدأ سنوية الموازنة
تضمّن المشروع وتعديلاته عشرات الموادّ التي يمتدّ مفعولها لأكثر من سنة، بما يخالف مبدأ سنوية الموازنة المنصوص عنه في المادة 83 من الدستور، علما أن بعض هذه المواد أخذ طابع قواعد عامة دائمة. وقد كان لافتا في هذا الصدد ورورد العديد من المواد التي تمنح مهلا أو تمدد مفاعيل قانونية لغاية نهاية العام 2026، من دون أن يُفهم سبب اعتماد هذا التاريخ للعديد من المواد. ومن بعض أمثلة هذه المواد العديدة المادة 91 التي تُمدّد فرض رسم 3% على المستوردات حتّى نهاية 2026، والأمر نفسه المتعلّق بإعادة تقييم الأصول والمخزون في المادتيْن 56 و57، والمادة 88 المتعلّقة بتخفيض أرباح التفرّغ عن العقارات إلى 1%، فيما أعفت المادة 72 جميع السيارات والمركبات التي تعمل بشكل كلّي على الكهرباء والتي يتم استيرادها خلال 5 سنوات من الرسم الجمركي ورسم الاستهلاك الداخلي.
العدالة الضريبية المفقودة – وإعفاء الشركات الكبرى
كما في كل الموازنات، أدخل المشروع عددا من البنود التي من شأنها إدخال ضريبة تراجعية وإعفاء الشركات الكبرى من الضرائب أو التخفيف منها، على نحو يقلل من الضريبة المباشرة على هؤلاء ويزيد من نسبة الضرائب غير المباشرة في مجموع عائدات الدولة، ومن أهم الوسائل المعتمدة لهذه الغاية، الآتية:
- الضرائب المباشرة: لا عدالة في ظل غياب الالتزام بسعر صرف موحّد
- كما تمت مضاعفة ضريبة الدخل على الرواتب والأجور بنحو 60 ضعفاً، وتم اعتمادها على أساس سعر الصرف الفعلي للدولار أي 89500 ليرة. بالمقابل، قامت الموازنة بمضاعفة تعويضات نهاية الخدمة قبل تاريخ 31 كانون الأول 2023 بنحو 10 مرات. ليتم احتسابها على أساس قيمة الدولار 15000 ليرة. وهذا التعديل لا يشمل الرواتب المدولرة فقط، بل الرواتب بالليرة أيضاً، التي ستتم مضاعفتها 10 مرات فقط. وهو ما لا يتناسب وحجم مضاعفة الضريبة.
أدخلت لجنة المال والموازنة تعديلات هامّة على آلية فرض الضرائب الواردة في مشروع الحكومة لجهة الشطور والتنزيلات، مضاعفة إياها بـ60 مرة بالنسبة إلى ما كانت عليه في 2019 أي ما يوازي نسبة انهيار سعر الصرف وفق سعر السوق. وقد تعمم هذا التوجه بما يتصل برسم الانتقال والضريبة على الأملاك المبنية وضريبة على الأرباح التجارية والصناعية والمهنية، فضلا عن الضريبة على الرواتب والأجور. إلا أن اعتماد هذه المضاعفة على أساس سعر السوق لم يترافق مع اعتماد صريح لنفس سعر الصرف في احتساب المبالغ المقبوضة بالعملة الأجنبية، إنما ترك مشروع الموازنة مجالا لإعمال أسعار صرف مختلفة بما يتصل بهذه الرسوم والضرائب.
تعميم الضريبة على القيمة المضافة على الشركات الصغيرة والمتوسطة
قرّرت لجنة المال والموازنة إضافة المادة 15 على المشروع بحيث يُرفع رقم الأعمال الذي يُلزم من يحقّقه أن يخضع للضريبة على القيمة المضافة من مائة مليون ليرة إلى ثلاثة مليارات ليرة سنويا (حوالي 33.7 ألف دولار وفق سعر صرف السوق)، وذلك في تصحيح متأخّر لانهيار العملة الوطنية. وعليه، نتبيّن أنّ المضاعفة المعتمدة هنا هي 30 مرّة أي نصف المضاعفة المعتمدة في احتساب الشطور وفق ما بيناه أعلاه. ومن شأن ذلك أن يوسّع من دائرة الخاضعين للضريبة على القيمة المضافة بالنسبة إلى ما كانت عليه في 2019 قبل الأزمة، بحيث تشمل عددا كبيرا من الشركات الصغيرة ومجمل الشركات المتوسطة ويخضعها تاليا لإجراءات واشتراطات مكلفة بالنسبة إلى حجمها.
تعميم ممارسة إعادة التقييم لتمكين كبار التجّار والمضاربين التهرب من الضريبة المتوجبة
تضمنت مشاريع موازنات لسنوات سابقة مواد تسمح للمؤسسات والشركات بإجراء إعادة تقييم أصولها الثابتة مقابل تسديد ضريبة مخفضة عن الفارق الإيجابي في سعر هذه العقارات، وهي أقل بكثيرة من ضريبة الربح المفروضة على الشركات وهي 17%. وقد لاقت هذه المواد اعتراضات متكرّرة في السنوات الماضية. وقد جاء مشروع قانون 2024 ليحوّل هذه الممارسة إلى ممارسة دورية منتظمة، فضلا عن توسيع مداها ليشمل ليس فقط الأصول الثابتة ولكن أيضا العقارات والمخزون STOCK. فضلا عن ذلك، تضمّن المشروع آليات من شأنها تسهيل التهرب الضريبي حتى من الضريبة المنخفضة الناتجة عن إعادة التقييم هذه وفق ما نفصله أدناه. وعليه، أدّى المشروع بفعل هذه الأحكام إلى تخفيض العبء الضريبي بدرجة كبيرة عن جميع الشركات وبخاصة الكبيرة منها.
إعادة تقييم المخزون
للمرة الأولى، أفسح مشروع الموازنة العامة كما عدلته لجنة المال والموازنة في مادته 57 للمؤسسات إعادة تقييم لكامل مخزونهم من دون أن يُفرض عليهم أي ضريبة، بعدما كان مشروع الحكومة يفرض عليهم ضريبة بنسبة 7% عن الفروقات الإيجابية الناجمة عن إعادة التقييم. ولم تقتصر هذه المنحة على سنة الموازنة إنما هي تنسحب وفق المشروع على 3 سنوات حتّى نهاية 2026 (مما يشكل مخالفة صريحة لمبدأ سنوية الموازنة كما سبق بيانه).
إعادة تقييم الأصول الثابتة
الأمر نفسه ينطبق على إعادة تقييم الأصول الثابتة الوارد في المادة 56 من المشروع المعدّل بحيث سُمح بإجراء إعادة تقييم سنويا حتّى نهاية العام 2026، على أن يُسمح بإجراء إعادة تقييم مرّة كلّ 5 سنوات من بعدها، كلّ ذلك في مخالفة لمبدأ سنوية الموازنة. وفي حال تخمين عناصر الأصول الثابتة بأعلى من سعرها الأصلي، تُعتبر ربح تحسين وتُفرض عليها ضريبة بنسبة 15% (أي أقل بنقطتين من ضريبة الربح على الشركات)، إلّا إذا أبقيت في حساب خاص أو إذا استُعملت لإطفاء خسائر. وهنا أيضا، وإذ أجاز مشروع القانون للدائرة المالية المختصة الاعتراض على إعادة التقييم التي يتقدّم بها المكلّف أمام لجان الاعتراضات الضريبية، فإنه اعتبر أن محضر التخمين يكون نافذا في حال لم يصدر قرار عن هذه اللجان خلال 6 أشهر من تقديم الاعتراض أمامها. وما يزيد من عبثية هذه المادة هو أن الموازنات السابقة كلها تقريبا فتحت الباب وخلافا لقرار المجلس الدستوري أمام تسوية النزاعات الضريبية أمام هذه اللجان بحجة عدم تشكّلها أو تأخرها في بتّ الاعتراضات.
ضريبة بخسة على أرباح التفرّغ على العقارات
أدخلت لجنة المال والموازنة مادة لم تدرجها الحكومة في مشروعها، تتعلّق بتخفيض استثنائي للضريبة على الأرباح الناتجة عن التفرّغ عن العقارات من 15% إلى 1% وذلك حتّى نهاية العام 2026 (المادة 88). وفي حين أخذت المفكرة علما أنّ هذه المادّة قد سقطت “بالباراشوت” على لجنة المال والموازنة، فهي لا تجد ما يُبرّرها سوى الرغبة في تخفيف الأعباء الضريبية بما يفيد أصحاب الرساميل.
ضريبة على الأرباح المحققة من مقيمين خارج لبنان
بعدما تراجعت الحكومة عن إعفاء هذه العائدات عن الفترة السابقة (المادة 26 من مشروع قانون موازنة 2023)، فإن اللجنة أدخلت تعديلا على المادة المقترحة تمثل في حذف كامل العقوبات التي وردت في مشروع الحكومة المفروضة على اللبنانيين في الخارج الذين يمتنعون عن التصريح عن إيرادات رؤوس الأموال المنقولة ومنها وضع إشارات على الممتلكات وإحالة الملف إلى النيابة العامة بجرم تهرب ضريبي، مما يُخفف من قوة الرادعة. هذا.
إلغاء الضريبة على المستفيدين من منصّة صيرفة
ألغت لجنة المال والموازنة المادّة 125 من مشروع الحكومة التي كانت تخضع لضريبة بنسبة 17% جميع المستفيدين من عمليات على منصّة صيرفة، وهي ضريبة كان يُفترض أن تطال المصارف والمضاربين الكبار الذين حققوا أرباحا سهلة من جرّاء صيرفة.
تعويضات نهاية الخدمة: 6 مرّات أقلّ من قيمتها الواجبة محاباة للهيئات الاقتصادية
أخيرا، ومن باب إعفاء الشركات الكبرى من مسؤولياتها، أضافت لجنة المال إلى مشروع القانون فارسا آخر من فرسان الموازنة تمثّل في تحديد أسس احتساب تعويض نهاية الخدمة لأجراء القطاع الخاص. وعليه نصت المادة 93 منه على احتساب هذه التعويضات بقيمة 15,000 ليرة لبنانية لكل دولار لاحتساب تعويض نهاية الخدمة عن الفترة ما قبل 1/1/2024، على أن تُحتسب التعويضات عن الفترة التي تليها وفقا لأحكام قانون الضمان الاجتماعي. بذلك، يكون مشروع القانون قد خفض تعويض نهاية الخدمة (وهو بدل شهر يعادل البدل الأخير عن كل سنة عمل) ست مرات، طالما أن سعر الصرف الفعلي هو 90000 أي 6 مرات سعر الصرف المعتمد في هذه المادة. ويرجّح أن يتفاقم الانتقاص من هذا التعويض في حال استمرار انهيار الليرة اللبنانية.
الاستهتار بمصالح الدولة العامة
تضمن مشروع القانون ما يفيد استهتارا واضحا بالأملاك العامة كما بالوظيفة العامة.
الأملاك العامة المهددة
بالإضافة إلى ما تقدم، وسّع مشروع القانون إمكانية تأجير الأملاك الخاصة للدولة والبلديات لفترات طويلة. هذا ما نصت عليه المادة (59) منه والتي سمحت بتأجير أملاك الدولة الخصوصية لفترات قد تصل إلى 18 عاما (حاليا لا يمكن أن تتجاوز مدة تأجير هذه الأملاك أربع سنوات) عن طريق مزايدة عمومية، علما أن لجنة المال حذفت منها أي إشارة إلى اعتماد حدّ أدنى لبدل الإيجار. يذكر أن مادة مشابهة كانت وردت في مشروع موازنة 2022 وقد ردتها آنذاك الهيئة العامة لمجلس النواب. يخشى أن تفتح هذه المادة الطريق أمام استباحة الأملاك الخصوصية للدولة، في ظلّ ظروف ما تزال فيها الرقابة في حدها الأدنى.
استمرار الهشاشة في أوضاع الموظفين العامين
على عكس ما جرتْ عليه العادة في مشاريع موازنات السنوات الماضية، خلا مشروع موازنة 2024 من أيّ مادّة تتعلّق مباشرة بأوضاع الموظفين العموميّين، سواء فيما يتعلّق برواتبهم أو أوضاعهم الوظيفية والتقاعد وغيرها. ويعكس هذا الأمر تماديا في إهمال أوضاع الموظفين العامين، الأمر الذي سينعكس على أداء المرافق العامة وتاليا حقوق المواطنين كافة. بالمقابل، يُسجّل إيجابا إلغاء لجنة المال والموازنة للمادّة المتعلّقة ببدل الخدمات السريعة لدى الإدارات العامّة والتي انتقدناها تفصيليا حينها.
الأكثر قراءة
- رقصة اولى حولها القدر الى الرقصة الاخيرة: نزيف الأقليّات مستمرّ فانيسا حبيب
- في خدمة الحريّة: مستمرون في مواجهة الهمجيين والبلطجيين والميليشيا محمد الغزاوي
- عن التروما التي تعشقنا وتحاول قتلنا كارل حدّاد
- مجموعة “بريكس” تتوسع: هل ينتهي عصر الدولار؟ رَهادة الصميدي