نُجمَع تحت النّار

نوفمبر 22, 2024

A-

A+

وسط المأساة وتحت نيران العدو الإسرائيلي يظهر ما يميّز الشعب اللبناني، قدرته على الصمود ثم على التلاحم، يوسّع العدو نطاق ضرباته فلم يعد يقتصر على مناطق وأحياء معيّنة، بل أصبحت العديد من المناطق في لبنان هدفًا مباشرًا للقصف، وعندما تضرب الحرب قلب لبنان يصبح اللبنانيون قلبًا واحدًا يحملون نفس الألم، ويشعرون بالوجع ذاته.

في هذه اللحظات العصيبة لا نجد مجالًا للتمييز بين من يصرخ “يا عدرا” ومن ينادي “يا زهراء”، نداءان يخرجان من قلوب تحمل نفس الأوجاع، قد يقول كثيرون أن هذا الكلام هو مجرد تعابير لا تمتّ للواقع بصلة، لكن هذا فعلًا ما يحدث في لبنان الآن وقد سمعناه في العديد من مقاطع الفيديو التي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي ونرى فعلًا حزن أبناء الوطن الواحد على  بعضهم البعض

الحرب اليوم أصبحت تساوي بين الجميع في الآلام والجراح، وتضعهم في موضع واحد، هو مواجهة العدو الذي لا يعرف حدودًا ولا يميّز بين شخصٍ وآخر، وفي هذه اللحظات الحرجة التي يمرّ بها الوطن، تبقى الحقيقة الوحيدة التي لا يمكن تجاهلها هي أنّ العدو واحد. تلك الحقيقة لا مفر منها، والتي يصحو اللبنانيون على وقعها يومًا بعد يوم، المعركة الآن ليست معركة طائفة ضد طائفة أو مذهب ضد آخر، بل هي معركة لبنان ضد الفوضى والدمار والتدخلات الخارجية التي تسعى لتفتيت هذا الوطن

في الشوارع والمستشفيات، التي تصبح ملاذًا للجرحى بعد سقوط الصواريخ على المناطق “الآمنة”، نجد اللبنانيون يتحدّون جميع الصعاب، يعملون يدًا بيد لإنقاذ الأرواح، لا أحد يسأل عن الدين أو الطائفة، بل فقط عن الحاجة الإنسانية الماسة للمساعدة، وترى النّاس يتجمعون حول هدف واحد، هو إنقاذ ما يمكن إنقاذه، بعيدًا عن أيّ تفرقة

في كل منطقة نجد نموذجًا حيًا للتضامن الوطني، من الجنوب إلى الشمال ومن البقاع إلى الجبل فُتحت الأبواب لاستقبال النازحين بكل رحابة صدر، في هذه اللحظات العصيبة يتوحّد اللبنانيون في وجه المحنة، يتناسى الجميع الفروقات الطائفية ويصبحون عائلة تحت سقف الوطن، وفي مراكز الإيواء شبّان وشابّات من جميع الأطياف يعملون لخدمة إخوانهم النازحين، يمدّ الجميع يد العون للآخر دون تمييز، هنا نرى صورة لبنان الحقيقية، لبنان الذي لا يفرّق بين أبنائه، ويجمعهم في وقت الحاجة في مواجهة العدو الواحد

إنّ الحرب رغم قسوتها، قد تكون درسًا يعيد تعريف الوحدة الوطنية بعيدًا عن الشعارات، فالتعايش الحقيقي لا يعني فقط قبول الآخر والعيش معه في وطنٍ واحد، بل هو إدراك فكرة أنّ مصيرنا مشترك وأنّ أيّ محاولةٍ للانعزال أو الانقسام لن تؤدّي إلّا لإطالة أمد المعاناة، فالوحدة هي السبيل لتحقيق السلام والضمانة في الانتقال إلى مرحلة جديدة، الحقيقة الواحدة هي أنه مع كل صاروخٍ يطلقه العدو يزداد اللبنانيون إصرارًا على الصمود والتماسك. الدماء واحدة، الألم واحد، الفقد واحد، والعدو واحد…