ورقة الانتخابات الضائعة: هل فشلت العقوبات الأميركية على الصين؟

مارس 5, 2024

A-

A+

تترقب بكين حسم الانتخابات الرئاسية الأميركية التي تجرى في نوفمبر المقبل، وسط تباين التقديرات بشأن هوية المرشح “الأقل خطورة” على مصالح ثاني أكبر اقتصاد في العالم.

بحسب تقرير لمجلة فورين بوليسي، فإن القادة الصينيين يفضلون الرئيس الأميركي الحالي جو بايدن على الرئيس السابق دونالد ترامب، الذي من المرجح أن يكون مرشح الحزب الجمهوري.

أضافت المجلة أن، “مغامرة بكين الطويلة سوف تتأثر بشكل أوضح من خلال سياسات المرشح والانقسامات التي قد يطلق العنان لها”.

وأدت الحرب التجارية التي شنها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب مع الصين أثناء توليه الرئاسة إلى توتّر العلاقات الاقتصادية بين القوتين العظميين العالميتين. وتخاطر إمكانية فوزه بولاية ثانية بقطع هذه العلاقات بالكامل، وفقاً لما ذكره تقرير نشرته وكالة «بلومبرغ» للأنباء.

وأشار التقرير إلى أن الرئيس السابق دونالد ترامب قال إنه قد “يفرض تعرفة جمركية على جميع الواردات الصينية تزيد على 60 بالمائة إذا جرى انتخابه، الأمر الذي سيقضي على خط تجاري بقيمة 575 مليار دولار”.

وهذا ليس التصعيد الوحيد الذي يفكر فيه ترامب إذا فاز بالانتخابات المقبلة. بكين تعلم أنه لا يوجد أمل في تحسين علاقاتها مع واشنطن، سواء في عهد ترامب أو بايدن أو أي رئيس أميركي آخر ويرى بعض المحللين، أن الصين ورقة ساخنة في الانتخابات السياسية، وأن الصينيين لديهم البرامج والإمكانات التي تمكنهم من التعامل مع أية إدارة تتولى الحكم في الولايات المتحدة سواءً كانت إدارة بايدن أم ترامب.

لكن على الجانب الآخر، فإن عودة ترامب إلى البيت الأبيض ربما تكون لصالح الصين، على الأقل في المجال الاقتصادي. وحدد التقرير خمسة أسباب لذلك:

  • ترامب سيزيد من الانقسامات بين الولايات المتحدة وأوروبا.
  • يمكن لترامب أن يتراجع عن العقوبات المفروضة على روسيا.
  • من شأن فوز ترامب أن يعطي دفعة قوية للجهود التي تبذلها الصين من أجل إيجاد آليات مالية بديلة.
  • يمكن لترامب أن يزيد من هيمنة الصين على مصادر المواد الحيوية من الدول الناشئة.
  • تستفيد الصين من ضوابط التصدير الأميركية على التكنولوجيا النظيفة.

من تجارية إلى تكنولوجية

تحوّلت الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والصين من تجارية إلى تكنولوجيّة. ففي السابع من أكتوبر 2022، فرضت الولايات المتحدة رسومًا على 250 مليار دولار من واردات الصين، وردت الأخيرة بفرض رسوم على صادرات الولايات المتحدة. الأ ان التطورات الاخيرة لها دلالة مثيرة، فقد حظرت بكين استخدام هواتف أيفون في المؤسسات العامّة والإدارات الرسميّة، وهو ما بدا كرد على قرار منع استعمال هواتف هواوي في المؤسسات الفيدراليّة الأميركيّة.

وكانت الصين قد حظرت قبلها تصدير بعض المواد الخام التي يتم استعمالها لتصنيع الشرائح الإلكترونيّة، كرد على العقوبات الأميركيّة على أنشطة تصنيع هذه الشرائح في الصين. وبلغ حجم التبادل التجاري بين القطبين العام الماضي ما يقرب من 690 مليار دولار منها 536 مليار دولار صادرات صينية مقابل 153 ملياراً صادرات أميركية، وحققت الصين فائضاً تجارياً (عجزاً على الجانب الأميركي) بلغ 283 ملياراً.

وكان قد ألمح ترامب إلى فرض حظر جديد على الاستثمار الأميركي الصيني، في كلا الاتجاهين، ووعد بإبقاء الصين خارج «الصناعات الأساسية» الأميركية، والتأكد من أن الأموال الأميركية لا تساعد في دعم وصعود الصين.

يأتي ذلك بعد أن فرضت إدارة بايدن حظراً على الاستثمارات الأميركية في بعض الشركات الصينية التي قالت واشنطن إنها تمثل خطراً على الأمن القومي الأميركي.

وجاء في بيان نشره البيت الأبيض بهذا الصدد، أن بايدن يعتقد أن الصين «تستخدم رأس المال الأميركي لمصلحتها من أجل توفير الموارد والوسائل، لتطوير وتحديث قواتها المسلحة والاستخبارات وغير ذلك من الأجهزة الأمنية، وهو الأمر الذي يسمح للصين بتهديد أميركا».

الولايات المتحدة : النفوذ المهدد 

يرى الخبراء ان العقوبات لا تنجح في بعض الأحيان، وأنها قد تقوض المصالح الأميركية، و ان كانت تخشى من توسّع الصين في الاستحواذ على التقنيات المتقدمة. و يقول هؤلاء لا يمكن لبكين أن تنتزع زعامة العالم من واشنطن، حتى لو تفوقت عليها في حجم إجمالي الناتج المحلي، ما لم تحسم معركة الرقائق الإلكترونية. وعام 2021، استوردت الصين أشباه موصلات بقيمة 430 مليار دولار، وهو مبلغ أكبر مما أنفقته على استيراد النفط. محاصرة الصين تقنياً وفك الارتباط معها، سواء أميركا أو أوروبياً، يبدو أمراً معقداً، وستكون فاتورته باهظة على الجميع.

الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين بدأت حربًا تجارية  منذ العام 2018 عندما فرض الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب رسوما جمركية على الصين. وتبعت هذه الرسوم قيودًا لمنتجات الولايات المتحدة التكنولوجية الدقيقة وعلى الاستثمارات الأجنبية التي تتعلق بمخاوف أمنية كرد على تخطيط الصين السيطرة على مجالات رئيسية في التكنولوجيا الناشئة – بدءًا من الذكاء الاصطناعي وصولاً إلى التكنولوجيا الحيوية والمركبات الكهربائية. كما تشكو الصين من استمرار بايدن في تبني نهج ترامب فيما يتعلق بالتعريفات الجمركية على الصادرات الصينية. وتبنت إدارة بايدن تشريعات -مثل قانون (CHIPS and Science) وقانون خفض التضخم- تقدم إعانات مربحة للشركات التي تبنى في الولايات المتحدة، وتحتوي على أحكام لحرمان الشركات الصينية من تلك المزايا وحتى منع الشركات التي تأخذ الإعانات من الاستثمار في الصين.  كما أدرجت واشنطن شركات صينية على لائحة سوداء، من بينها شركة “يانغتسي ميموري تكنولوجيز” المنافسة لشركة “ميكرون”.

وبرّرت واشنطن قرارها حينذاك بمخاوف تتعلق بالأمن القومي، وقالت إنها تريد منع القوات المسلحة وأجهزة الاستخبارات الصينية من الحصول على “تقنيات حساسة ذات استعمالات عسكرية”. وسبق أن فرضت الولايات المتحدة قيوداً على مبيعات منتجات الشركات المحلية المعنيّة في الخارج.

وتقدر الحكومة الأميركية أن الحجم الإجمالي للملكية الفكرية التي سرقتها الصين خلال السنوات الأربع بين 2013 و2017 تصل إلى 1.2 تريليون دولار.

الولايات المتحدة تشعر بأن نفوذها مهدد  و هي تسيطر واليابان وهولندا على نحو 90٪ تقريبًا من جميع المعدات التي تُستخدم في مصانع شرائح الحواسيب حول العالم. والآن تفرض الدول الثلاث ضوابط تصدير صارمة على معدات تصنيع الشرائح الإلكترونية المتقدمة، لذا الصين ليست فقط غير قادرة على شراء شرائح من الولايات المتحدة، ولكنها أيضًا لا يمكنها شراء المعدات اللازمة لإنتاج بدائل صينية. الا أن وقع الحرب التجارية على الولايات المتحدة اكبر منه على الصين على سبيل المثال، تشير البيانات الحديثة إلى أن صادرات الولايات المتحدة إلى الصين تدعم حوالي 1.8 مليون وظيفة في قطاعات مثل الخدمات والزراعة والسلع الرأسمالية. ولطالما كانت أشباه الموصلات واحدة من كبرى فئات الصادرات الأميركية إلى الصين وأكثرها قيمة، وبينما تستثمر الحكومة الصينية بكثافة في قدرتها المحلية، فإنها لا تزال متأخرة عن الولايات المتحدة لسنوات عديدة.

الأميركيون أكثر انزعاجاً من القيود الأميركية

ويبدو أن عمالقة الرقائق الإلكترونية الأميركيين، هم أكثر انزعاجاً من القيود الأميركية الجديدة، إذ ذكرت وكالة بلومبيرغ أن عمالقة الرقائق الدقيقة في الولايات المتحدة كانوا يضغطون للحد من القيود المفروضة على عملياتهم في الصين منذ أشهر.

وتعتبر العديد من شركات صناعة الرقائق الأميركية الصين أكبر سوق لها. وتشير إحصاءات، أوردتها وكالة شينخوا الصينية، إلى أن الصين تستحوذ على حوالي 25% من مبيعات “إنتل”، و20% من “نفيديا”، و60% من مبيعات “كوالكوم”. وفي الولايات المتحدة، تواجه الشركات التي لها علاقات مع الصين، مثل تطبيق التواصل الاجتماعي”تيك توك” وتطبيق التسوق “تيمو” (Temu) ومتاجر الملابس بالتجزئة “شين” (Shein)، تدقيقاً متزايداً بشأن ممارساتها العمالية، واستخدامها لبيانات العملاء الأميركيين والطرق التي تستورد بها المنتجات إلى الولايات المتحدة.

الا ان الرئيس الأميركي يعمل على تعزيز التحالفات المعادية للصين وفرض عقوبات إضافية. بايدن يصف الصراع بين الولايات المتحدة والصين بأنه “صراع بين الديمقراطيات في القرن الواحد والنظم الاستبدادية”. وبحلول عام 2021، كانت الولايات المتحدة قد فرضت عقوبات على أكثر من 9000 فرد وشركة وقطاع من اقتصادات الدول المستهدفة. وفي عام 2021، وهو العام الأول لبايدن في منصبه، أضافت إدارته 765 اسماً جديداً إلى العقوبات، على مستوى العالم. وتشكل البلدان الخاضعة لشكل من أشكال العقوبات الأميركية، مجتمعة، ما يزيد قليلاً عن خمس الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وتمثل الصين 80%؜ من تلك المجموعة.

الرد الصيني يخرق الحظر

لكن محاصرة الصين تقنياً وفك الارتباط معها، سواء أميركا أو أوروبياً، يبدو أمراً معقداً، وستكون فاتورته باهظة على الجميع. و بعد أيام قليلة من توقيع الرئيس الأميركي جو بايدن، أمراً تنفيذياً يهدف إلى منع الاستثمارات الأميركية الجديدة من العمل في قطاع التقنيات الحساسة في الصين، لوحت بكين بأوراق تشير إلى صعوبة “فك الارتباط”، وهو ما أشارت إليه تقارير غربية ومسؤولون في شركات عالمية عاملة في قطاعات التكنولوجيا، لا سيما الرقائق الإلكترونية. ففي نهاية يوليو/ تموز الماضي ردت الصين على القيود التي تقودها الولايات المتحدة على مبيعات أشباه الموصلات من خلال تقييد صادرات الغاليوم والجرمانيوم، وهما معدنان يستخدمان في صناعة الرقائق ومعدات الاتصالات. كما منعت بكين مشغلي البنية التحتية الرئيسية في الصين من شراء الرقائق من منافستها الأميركية ميكرون.

الرد الصيني جاء عبر حظر فعال لجميع عمليات اندماج الشركات التي تشمل الرقاقات الأمريكية التي تعمل في أسواق الصين و اهمها شركة انتلIntel .  و قامت الصين بحظر نشاط شركات  أمن المعلومات السيبرانية و اخرها حظر شراء مواد شركة  Micron، وهي الشركة الرائدة في إنتاج رقاقات الذاكرة في الولايات المتحدة. و هذا يفسر رغبة الصين في مواجهة الاحتكار التكنولوجي لواشنطن التي تمتلك الكثير من الشركات العملاقة على غرار غوغل وآبل وفيسبوك وأمازون .

والرد الصيني جاء ايضا عبر اربعة محاور:

أولاً، تعمل الصين على تجنب ضوابط تصدير الرقائق عن طريق تهريب رقائق الذكاء الاصطناعي المتقدمة وتقنيات أخرى بحيث يمكنها مواصلة جهودها في مجال تطوير التكنولوجيا الذكية.

ثانيًا، تعمل الصين على اقناع حلفاء الولايات المتحدة هولندا واليابان بعدم اعتماد ضوابط تصدير جديدة. وتتجه نحو دول أخرى في أوروبا وكذلك كوريا الجنوبية للغاية عينها. فالجمع بين الخبرة التقنية الألمانية والكورية مع الموارد المالية الصينية والقدرة الهندسية سيكون تهديدًا خطيرًا للولايات المتحدة

ثالثًا، قامت الصين بزيادة جهود التجسس الصناعي واستقطاب المواهب لتفعيل قدراتها.

رابعًا والأهم بالنسبة للصين، فإنها تستثمر مئات المليارات من الدولارات لبناء سلسلة توريد صينية بالكامل تقضي على التبعية من موردي التكنولوجيا الأجانب.

وفي تقرير لـ”وول ستريت جورنال” مؤخراً، ذكرت الصحيفة الأميركية أن العديد من الشركاء التجاريين، البدلاء عن الصين، الذين توسع واشنطن تجارتها معهم متشابكون بعمق مع الصين، مشيرة إلى أن محاولة إدارة بايدن، قطع العلاقات الاقتصادية مع الصين، أثبتت صعوبة في التنفيذ. وبحسب الصحيفة فإن فصل دور الصين في سلاسل التوريد العالمية، حتى في المناطق المحدودة، بعيد كل البعد عن الوضوح. وقالت إن حصة واردات السلع الأميركية من الصين تراجعت في السنوات الأخيرة، بينما توسعت مع دول آسيوية أخرى، مضيفة أن العديد من هؤلاء الشركاء التجاريين البديلين مثل فيتنام أو كوريا الجنوبية هم أنفسهم متشابكون بعمق مع الصين.

الجدير ذكره انه كثيراً ما كانت العملة الصينية، مصدر قلق للمسؤولين الأميركيين، الذين اتهموا بكين في بعض الأحيان بإضعاف عملتها بشكل مصطنع لجعل منتجاتها أرخص للبيع في الخارج. وانخفضت العملة بأكثر من 7% مقابل الدولار في الأشهر الـ12 الماضية وانخفضت بنسبة 13% تقريبا مقابل اليورو، وهذا الانخفاض يجعل صادرات الصين أكثر قدرة على المنافسة في الولايات المتحدة وأوروبا. وهذا ما يعطي للصين ميزة تنافسية و تجارية عابرة لأي قرار حظر أو مقاطعة.