سيناريو أسوأ من 2006: الاقتصاد اللبناني لا يحمل الحرب

أكتوبر 23, 2023

A-

A+

لا يمكن للإقتصاد اللبناني أن يتحمل أوزار حرب أو مواجهة مفتوحة مع اسرائيل على غرار حرب الـ33 يوم في تموز 2006. فالتدهور المتواصل في الأوضاع الاجتماعية – الاقتصادية بلغ مستويات لا مجال لاستمرارها. والاقتصاد انكمش بالفعل بنسبة 30% تقريباً منذ عام 2017 وازداد انكماشاً في الفترة 2021-2022. وفقدت الليرة اللبنانية حوالي 90% من قيمتها، بينما ارتفعت أسعار المواد الغذائية بنسبة تكاد تصل إلى عشرة أضعاف منذ أيار 2019. ورسم البنك الدولي صورة قاتمة عن مؤشرات القطاع المالي اللبناني. وقال إن احتياطيات العملات الأجنبية في البنك المركزي تتناقص بثبات. ويبلغ حالياً احتياطي الصرف الأجنبي القابل للاستخدام في  8573 مليون دولار أميركي، وقد تراجع بمقدار 22.4 مليار دولار أميركي منذ بداية الأزمة في تشرين الأول 2019. وبالمقابل، أصبح معدل البطالة شديد الارتفاع وأكثر من نصف الأسر يعيشون تحت خط الفقر.

يحتاج لبنان اليوم، إلى مساعدات مالية وفنية كبيرة لتجاوز هذه الأزمة الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية العميقة. والأهم من ذلك كله، فهو يحتاج إلى الشروع في إصلاحات شاملة لإعادة المالية العامة إلى مسارها الصحيح، وإعادة هيكلة الدين العام، وإعادة تأهيل النظام المصرفي، وتوسيع شبكة الأمان الاجتماعي، وإصلاح المؤسسات المملوكة للدولة، وتحسين الحوكمة.

منذ اندلاع المواجهة بين دولة الاحتلال الإسرائيلي وحركة حماس، في قطاع غزة عقب عملية “طوفان الأقصى”، تتجه الأنظار نحو حزب الله في جنوب لبنان. ويمثل موقف الحزب اللبناني من الانخراط في المواجهة من عدمه عاملاً حاسماً في مسار المعركة، حيث أثارت سلسلة من الاشتباكات على طول الحدود في جنوب لبنان وشمال فلسطين التساؤلات عن اندلاع جبهة ثانية، إذ لم تتوقف الاشتباكات والقصف المتبادل بين الجانبين منذ 7 تشرين الأول الحالي .

المواجهة المفتوحة في غزة قد تنذر بالتمدد الى جبهات اخرى و منها الوصول الى عمق الأراضي اللبنانية، إذ شهد جنوب لبنان تصعيداً عسكرياً، وبدأ الجيش الإسرائيلي بحشد قواته وآلياته على الجبهة الشمالية.

وفي حين تتصاعد احتمالات الحرب الشاملة، يرى الخبراء أن الأقتصاد اللبناني قد يدفع ثمناً باهظاً في سيناريو مماثل لحرب تموز 2006 حيث وصلت حصيلة الخسائر البشرية للحرب، إلى ما يقرب من 1200 قتيل و4400 جريح. كما نزح أكثر من مليون نسمة عن بيوتهم. وفي أوائل عام 2007، كان ما يزال هناك 100,000 نسمة بلا مأوى بسبب تدمير المنازل، في حين أن أكثر من 100,000 نسمة كانوا قد هاجروا إلى الخارج بشكل طارئ. وقد قدرت الحكومة قيمة الخسائر الاقتصادية المباشرة الناجمة عن الدمار الذي حصل بـ 2,8 مليار دولار، منها 1,7 مليار ناتجة عن تدمير المباني السكنية. والقطاعان الآخران اللذان سجلا أكبر الخسائر المباشرة هما الصناعة والتجارة، بالإضافة إلى الزراعة والري.

من وجهة النظر المالية، فإن كلفة تدمير البنية التحتية خلال الحرب الإسرائيلية عام 2006 يعادل حوالي خُمس استثمارات إعادة الإعمار بعد الحرب الأهلية. ويقارن عدد المنازل المتضررة (100,000) مع الـ 220,000 منزل كانت مدمرة في عام 1991. وتقدر تكلفة الأضرار التي أصابت المباني السكنية بحوالي نصف المبالغ التي أنفقت على سياسة عودة النازحين، حوالي 3 مليار دولار بين عامي 1993 و2002.

أشار تقرير لوزارة المالية صدر بعد شهرين من حرب تموز العام 2006 إلى “أنه خلال السنوات التي سبقت وقوع الحرب، خصوصاً خلال العام المنصرم، نجحت الحكومة اللبنانية في تعزيز الاستقرار المالي والنقدي، وتجلى ذلك في التحسن الملموس الذي طرأ على الفائض الأولي الإجمالي خلال النصف الأول من عام 2006، وقبل اندلاع الحرب وبدء الاجتياح الإسرائيلي، والذي بلغ نحو 994 مليار ليرة لبنانية (660 مليون دولار، آنذاك) أي بزيادة تجاوزت أربعة أضعاف الفائض الأولي الإجمالي المحقق خلال النصف الأول من عام 2005.

رغم ذلك كله، في عام 2006 كان الوضع أفضل بكثير وكانت النتائج كارثية، وأخذ الأقتصاد سنوات عدّة للخروج من أزمته، علما أنه حينها كان هناك من يساعد لبنان، والوضع الاقتصادي كان أفضل وكانت الليرة محافظة على قيمتها ولم يدخل لبنان في مرحلة الانهيار المالي ولا الشلل المؤسساتي، بعكس اليوم حيث معظم المؤسسات شبه مشلولة والبعض القليل منها يعمل مثل الأجهزة الأمنية التي سيزيد عليها الضغط بشكل كبير.

الفراغ الحكومي و الرئاسي

ما قبل طوفان الأقصى ليس كما بعده، ويكمل لبنان نهاية هذا الشهر السنة الأولى من الفراغ في رأس الدولة. ومن البديهي تأكيده أن نتائج طوفان الأقصى سيرسم ملامح النظام السياسي في لبنان وأن ملف الاستحقاق الرئاسي في لبنان تم وضعه في الثلاجة .

ومع احتمالية إطالة أمد الحرب، ستتراجع الأولويات الإقتصادية مثل وضع خطة متوسطة الأجل لسد العجز المالي للبنان، الإسراع بزيادة الإيرادات عن طريق رفع ضريبة القيمة المضافة، وإصلاح فاتورة أجور القطاع العام، ومعاشات التقاعد التي تبتلع كتلة غير متناسبة من الإيرادات.

ناهيك عن تقوية النظام المالي عن طريق الإلغاء التدريجي للدعم الذي يقدمه البنك المركزي للحكومة وتعزيز ميزانيته. سيشمل ذلك أيضا إلزام البنوك بزيادة احتياطياتها الرأسمالية وتدعيم التأمين على الودائع.

القطاعات التي قد تتضرر

على الصعيد الطبي ينوء القطاع تحت اثقال مالية كبرى و من هنا يحاول المسؤولون استدراك أي مفاجأة في هذا الإطار عبر الدعوات لاجتماعات وزارية وأمنية واستشفائية، لكن الواقع على الأرض يؤكد صعوبة الوضع على مختلف الصعد. وبعدما كان قد دعا رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي الوزراء إلى اجتماع “لعرض المستجدات الراهنة في ظلّ تطوّر الأوضاع على الصعد كافةً” وفق ما جاء في الدعوة.

ويبدو أن امدادات النفط والطحين بدأت تتأثر من عملية “طوفان الأقصى” و لقد كشف رئيس تجمع الشركات المستوردة للنفط، مارون شماس، عن خشية خارجية من استمرار إرسال بواخر النفط إلى لبنان، نقلها إليه أصحاب البواخر. وأعلن أن بعضهم أعطى إنذاراً برفض التوجه إلى الشواطئ اللبنانية. أما البعض الاخر، ففرض بوليصة تأمين على مخاطر الحرب، وكذلك رفع كلفة الشحن، ما سيؤدي حتماً إلى ارتفاع في الأسعار بحدود الأربعين دولاراً بالطن الواحد، وهو رقم كبير. وهناك خوف من أن يقوم التجار باستغلال الوضع الراهن، لرفع أسعار السلع الأساسية مثل المأكولات، ما سينعكس على نسب التضخم المرتفعة أصلاً في لبنان، والتي وصلت إلى 250 بالمئة في آب 2023 مقارنة بآب 2022، كما أن الأحداث الحالية دفعت الكثيرين لتغيير خطط الشراء، بالنسبة لما يسمى بسلع الكماليات.

اما القطاع السياحي والمؤسسات السياحية قد يخسران في الخريف ما جنته في الصيف في ظل تحذير اممي لرعاياها من مغادرة لبنان. ولقد دعت السفارة الأميركية في لبنان رعاياها، إلى “التخطيط للمغادرة في أسرع وقت ممكن في وقت لا تزال فيه الرحلات الجوية التجارية متاحة”. و حذرت السفارة السعودية في لبنان، “المواطنين من التواجد والاقتراب من المناطق التي تشهد نزاعات مسلحة، داعيةً إياهم إلى سرعة مغادرة الأراضي اللبنانية”. و كذلك دعت اوكرانيا و المانيا و استراليا و كندا و بريطانيا و البحرين رعاياها من المغادرة ايضا.

ويبدو أن المجموعات الأوروبية التي كانت تنوي زيارة لبنان خلال شهري تشرين أول الجاري وتشرين ثاني المقبل، قد ألغت حجوزاتها بطبيعة الحال في ظل تحذيرات دولها من السفر إلى لبنان.

وأخيراً فإن تطور الأحداث بشكل سلبي مع إسرائيل، وتكرار سيناريو “حرب تموز 2006″، سيعقِّد المشهد بشكل كبير، حيث أن لبنان قد لا يكون قادراً على تمويل عملية إعادة الإعمار في حال تعرض لحرب. فالدول الممولة للبنان وديونه قد تغيّرت بشكل كبير عقب أزمة 2019 و يرى الخبراء على ألا أحد يتمنى أن يتكرر مشهد الحرب في لبنان. ولكن في حال حدث هذا الأمر فإن سعر صرف العملة اللبنانية، والذي يعد موضوعاً حيوياً وأساسياً، سيكون من أكبر المتأثرين سلباً بالأحداث، حيث أن الخطوات التي قام بها مصرف لبنان، منذ مارس 2023 وحتى الساعة والتي أدت إلى خلق حالة من الاستقرار للعملة، قد لا تكون كافية في أجواء الحرب، التي ستشهد حاجة أكبر لتأمين العملات الصعبة، في وقت أعلن فيه مصرف لبنان عن توقفه عن تمويل الدولة، فكلفة الحرب باهظة وتتطلب إمكانات مالية غير متوافرة حالياً، للدولة اللبنانية التي تعاني اصلاً من شح في التمويل.