عندما نبضت الثورة أنوثةً الجزائر حرّة حرّة

يوليو 12, 2024

A-

A+

نحن ثرنا فحياة أو ممات وعقدنا العزم أن تحيا الجزائر فاشهدوا.. فاشهدوا.. فاشهدوا…

لا يمرّ النشيد الوطني الجزائري على مسامعك مرور الكرام، فهو يحمل قصة ثورة وصراع دام ١٣٢ عامًا يستحقان التأريخ. لم تكن فرنسا تنظر للجزائر على أنّها مستعمرة فرنسية، بل كانت مقاطعة فرنسية حسب دستور فرنسا عام ١٨٤٨ يفصلها جغرافيًا عن فرنسا البحر الأبيض المتوسّط كما يقسم نهر السين باريس. شهدت هذا الفترة استغلالًا اقتصاديًا وقمعًا ثقافيًا وسياسيًا للشعب الجزائري حيث عاش الفرنسيون حياة الأسياد بينما الجزائريون على الهامش. كان من الممكن أن يحمل الجزائري الجنسية الفرنسية بشرط التخلّي عن هويته الإسلامية. وبما أنّ الجزائر تتمتّع بغنى الموارد الطبيعية، وكأيّ مستعمِرٍ، استغلّت فرنسا الأراضي الخصبة، النفط، الغاز والمعادن بشكلٍ رئيسي لصالح فرنسا. إضافةً إلى القمع الثقافي والسياسي وفرض قوانين فرنسية وحكم فرنسي بحت، وإغلاق مدارس ومساجد في محاولة لتبديل الهوية الثقافية، الدينية واللغوية للجزائريين.

كانت الجامعات الجزائرية لا تقلّ أهمية عن أهمّ الجامعات في فرنسا. سعى الجزائريون الميسورون إلى العلم وكانوا فيما بعد قادة الثورة، نخبة من المثقفين رجالًا ونساءً، من لحظة تأسيس جبهة التحرير الوطني(FLN). مع صرخة كلّ جزائري محكوم قاده الفرنسيون إلى المقصلة لقطع رأسه: “تحيا الجزاير” بدأت في الأوّل من نوفمبر ١٩٥٤ الثورة الجزائرية من أهمّ الثورات وحركات التحرير الوطني في القرن العشرين بقيادة جبهة التحرير الوطني ودامت ثماني سنوات، حصيلتها معارك دامية رمزها الصمود والتضحية في سبيل الحرية، ثورة المليون والنصف مليون شهيد، حتى استقلال الجزائر في ٥ يوليو ١٩٦٢.

الثورةُ أنثى، فحين لا يردع الموتُ النساء ستعود بالتأكيد الأرض إلى أصحابها. كأيّ حركة ثورية لا بدّ من تسليط الضوء على بطولات نسائية كان لها دور كبير في تحرير الوطن واستعادته. كان للأنثى الجزائرية دورٌ كبير في عمليات كثيرة خطيرة ضد الفرنسيين وصدر في حقّهن حكم الإعدام بعد إلقاء القبض عليهن أو غيابيًا ضد اللواتي كنَّ هاربات.

كان معظم جزائريو العاصمة يعيشون في القصبة أي المدينة القديمة، فقد كانت لهم أحياء منفصلة عن الأحياء الأوروبية. وقد اقترحت المشاركِات في جبهة التحرير أن يكنّ  جزءًا من العمليات الفدائية. لم تكن أمام الثوّار خطة جاهزة إلّا بعد تفجير قام به الفرنسيون في القصبة في شهر أغسطس ١٩٥٦. 

ولّد التفجير خسائر عديدة وكان لا بدّ من التحرّك للردّ عليه. هنا لا بدّ من التنويه أنّ الثورة الجزائرية كانت ثورة شعبية وليست مبنية على ركائز عسكرية أو متعلقة بجيش منظم ومجهّز تابع للجزائر. فقد كانت الأسلحة بدائية وغير متوفّرة وبعد انطلاق الجبهة كان الشعب الجزائري على ثقة بالمنظّمين، واستعانوا بأسلحة وتدريبات بمساعدة الدول المجاورة. كان لا بدّ من الاستعانة بالعنصر الأنثوي فقد كانت البطلات نذكر منهن، جميلة بوحيرد، سامية لخضيري وزهرة ظريف الأيادي التي زرعت التفجيرات في مناطق الفرنسيين، المقاهي والتجمّعات الاحتفالية.

“الجزائر أمُّنا” الجملة التي كانت تقولها البطلة جميلة بوحيرد بعد أن تفيق من غيبوبتها بسبب التعذيب والصعق الكهربائي. هكذا قهرت معذّبيها في السجون من لحظة دخولها إلى المستشفى بسبب إصابتها حتى نقلها إلى سجن “سركاجي” ومن ثم إلى فرنسا. حين فشل المستعمرون في اجبارها الاعتراف على أصدقائها صدر بحقها حكم الإعدام عام ١٩٥٧ قالت: ” أعرف أنكم سوف تحكمون علي بالإعدام، لكن لا تنسوا أنّكم بقتلي تغتالون تقاليد الحرية في بلدكم، ولكنكم لن تمنعوا الجزائر، من أن تصبح حرّة مستقلة”. أُلغيت أحكام الإعدام بحقّ العديد من منظمي الثورة خاصةً النساء فيما، في محاولة لتحسين صورة الاستعمار أمام الجزائريين في عهد ديغول. أسماءٌ كثيرة هي جرس ٌطنّان في ذكرى النضال الأنثوي، مثل الشهيدة حسيبة بن بو علي، جميلة بوباشا، لالا فاطمة انسومر البطلة القبائلية.

للجزائريين اليوم، هؤلاء هنّ فخر الثورة واستعادة الأرض، رمزٌ للكفاح وحب الوطن لا بدّ من حفظه وتمريره للأجيال القادمة لذلك كتبت المناضلة زهرة ظريف مذكراتها في كتاب « mémoires d’une combattante » كي يبقى مرجعًا لتلبية نداء الوطن وصورة واضحة عن الجرأة والتخطيط بأبسط الوسائل من أجل الأرض العزيزة.

التحاق المرأة بصفوف الثوّار ليس قرارًا بسيطًا، بل يعكس شجاعةَ شعبٍ واستعدادًا للتضحية من أجل قضيةٍ أسمى، استعادة الجزائر، الأمّ. تساهم المرأة في نواحٍ متعددة من الثورة، بدءًا من المشاركة المباشرة في الاحتجاجات إلى تقديم الدعم اللوجستي والطبي، بالإضافة إلى دورها في نقل الأخبار وتنظيم الحملات التوعوية حتى العمليات الفدائية، أمّا الاستقلال فقد كان أجمل بصوت أنثوي حيث انتُدبت ليلى مكّي من باريس لقراءة البيان في ٥ يوليو.

عندما تحظى المرأة بالتشجيع حين تتخذّ قرار المشاركة، تثبتُ للعالم الإيمان العميق بضرورة التغيير والعدالة،  وأنّهُ لا مجال للتراجع، تضحية تلهم الآخرين وتزيد من وحدة الصفوف وتضامنها. تمامًا كبناء العائلة فإنّ النضال يتطلب وقوف المرأة جنبًا إلى جنب مع الرجل، اثباتًا لقوة الجماعة وتكامل أدوارها في تحقيق الأهداف المشتركة. إنّ تضحيات المرأة في الثورة ما هي إلّا تجسيد للقدرة على التحمل والعطاء اللامحدود، مما يجعل صوت الثورة أكثر تأثيرًا ويعزز من شرعيتها ومطالبها. هذه الروح الأنثوية تشكل جزءًا أساسيًا من نسيج الحركة الثورية وتؤكد على أن النضال من أجل الكرامة هو مسؤولية مشتركة يتحملها الشعب بأكمله طلبًا للحرية وأيادٍ أقوى وأشدّ في وجه الاستعمار.