إعادة إحياء القطاع المصرفي… وسيناريو الودائع
يوليو 11, 2024
A-
A+
يعدّ القطاع المصرفي من أهمّ القطاعات التي تؤدّي دورًا أساسيًّا في الاقتصاد الوطني؛ وهو يخضع بمجمله لقانون التجارة (1942)، ولقانون النقد والتسليف(1963).
وتمارس المصارف والمؤسسّات الماليّة مهامها تحت إشراف المَصْرِف المركزي (مصرف لبنان).
ومنذ سنوات، استطاع القطاع المصرفي اللبناني أن يحقّق استقرارًا ماليًّا، وتقدّمًا كبيرًا؛ وذلك بفضل الأداء التنظيمي والرقابي لكلّ من مَصْرِف لبنان، ولجنة الرقابة على المصارف، بالإضافة إلى التعاون الوثيق مع جمعيّة مصارف لبنان.
وهذا ما جعل القطاع المصرفي من أهمّ ركائز الاقتصاد اللّبناني.
ولكن منذ خريف العام 2019، ولبنان يعاني أزمة اقتصاديّة ونقديّة؛ أدّت إلى تدهور سعر صرف الليرة اللبنانيّة مقابل الدولار الأميركي، حيث فقدت الليرة اللبنانية حَوَالَيْ 98% من قيمتها. بالإضافة إلى تعذّر المصارف عن ردّ أموال المودعين. وقد ساهم كلّ ذلك في تدهور القطاع المصرفي والمالي في لبنان؛ هذا القطاع الذي كان يشهد ازدهارًا كبيرًا قبل هذه الأزمة.
واليوم، وبعد مرور خمس سنوات على الأزمة النقديّة والماليّة، بدأت خطّة التعافي الاقتصاديّة ترسم ملامحها؛ حيث تحاول المصارف العودة إلى الحياة بعد الشلل الذي أصابها منذ سنوات.
وانطلاقًا من ذلك، نطرح الإشكاليّة الآتية:
إلى أيّ مدى ستنجح المصارف في خطّتها؟ وهل ستتمكّن من استعادة ثقة المودعين العالقة أموالهم في المصارف؟
بعد مرور خمس سنوات على الأزمة النقديّة والماليّة، دعا حاكم مَصْرِف لبنان بالإنابة “وسيم منصوري” إلى أنّه: “حان الوقت كي يعيد القطاع المصرفي عمليّة التسليف”.
وبطبيعة الحال، فإنَّ عودة المصارف إلى التسليف ستكون صعبة في ظلّ ارتفاع سعر صرف اللّيرة اللبنانيّة مقابل الدولار الأميركي؛ وعلى وجه الخصوص بالنّسبة إلى الموظّفين الذين يتقاضون أجورهم باللّيرة اللّبنانيّة، وذلك لأنهم سيسدّدون قيمة الدين باللّيرة اللبنانيّة، ويُمنع على المصارف أن ترفض التسديد باللّيرة اللبنانيّة؛ حيث نصّت المادّة السابعة من قانون النقد والتسليف اللبناني (المعدّلة بالقانون رقم 361 تاريخ 1/8/1994) على أنّه:
“للأوراق النقديّة التي تساوي قيمتها الخمسماية ليرة وما فوق قوّة إبرائيّة غير محدودة في أراضي الجمهوريّة اللبنانيّة”.
وفي ما يتعلّق بالعقوبات الجزائيّة تنصّ المادّة 192 من القانون نفسه على تطبيق العقوبات على من يمتنع عن قبول العملة اللبنانيّة، وتحيل إلى المادة 319 من قانون العقوبات لتطبيق العقوبات المنصوص عليها في هذه الحالة.
وانطلاقًا من ذلك، نقول إنّ مبدأ سداد الدين باللّيرة اللبنانيّة هو مبدأ مكرّس في النّصوص القانونيّة، ولا يجوز للمصارف أن تمتنع عن سداد ديونها من قبل المقترِض باللّيرة اللبنانيّة.
وإذا قاربنا هذه الأزمة النقديّة والماليّة، نجد أنّ إعادة إحياء القطاع المصرفي من جديد، شرط أساسي لمعالجة هذه الأزمة، وبالتالي تحقيق النمو الاقتصادي.
فالخطوة الأساسيّة لإعادة إحياء القطاع المصرفي، هي العودة إلى التسليف؛ الذي يشكّل حجر الأساس لإعادة الثقة بالمصارف من قبل المواطنين، وهذا بدوره يساهم في زيادة موجوداتها، والقدرة على ردّ أموال المودعين. بالإضافة إلى تحريك عجلة الاقتصاد، وزيادة النمو الاقتصادي.
وهكذا تُعالج الأزمة النقديّة والماليّة تدريجيًّا، وتعود الثقة مجدّدًا إلى الاقتصاد اللبناني، وإلى القطاع المصرفي.
إلّا أنّ هذه المسألة كانت محلّ جدل للبنانيين؛ حيث انقسموا بين مؤيدين ومعارضين لعودة القطاع المصرفي إلى عمله بشكل طبيعي.
فاللبنانيون العالقة أموالهم في المصارف منذ بداية الأزمة حتى اليوم، هم في حالة قلق على ودائعهم، في حال عاودت المصارف عملها قبل إعادة هيكلة القطاع المصرفي.
ولكنَّ الواقع يقول إنَّ عدم إحياء القطاع المصرفي، ليس من مصلحة المودعين. فعودة المصارف إلى العمل، ستساهم في تحريك عجلة الاقتصاد، وبالتالي ستكون بصيص أمل للمودعين لاسترجاع أموالهم؛ في حين أنَّ بقاء المصارف كما هي عاطلة من العمل، لا يجدي نفعًا!
ولا تنعكس عودة المصارف إلى عملها على الصعيد الاقتصادي فقط؛ بل إنّها تنعكس أيضًا على الصعيد الاجتماعي؛ فمنذ بداية الأزمة والقروض معطّلة، وهذا ما انعكس سلبًا على وضع الشباب اللبناني، وساهم بالتالي في زيادة معدّلات الهجرة.
يبقى أن نشير إلى ثقة المودعين بالقطاع المصرفي؛ فالنمو الاقتصادي سيساهم في عودة الثقة تدريجيًّا، كذلك فإنَّ منع الدولة من وضع يدها على أموال المودعين بالتعاون مع مَصْرِف لبنان، سيكون مصدر ثقة للمودعين.
وفي الختام، نقول إنَّ لبنان يحتاج إلى خطّة اقتصاديّة شاملة لتحقيق النهوض الكامل على الصعيد الاقتصادي؛ ولكنَّ ” رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة واحدة”. ولتحقيق التعافي الاقتصادي لا بدّ من إعادة إحياء القطاع المصرفي، ومن ثَمّ وضع الخطط الأخرى، وإلّا سنكون أمام سيناريو فقدان الودائع.
الأكثر قراءة
- رقصة اولى حولها القدر الى الرقصة الاخيرة: نزيف الأقليّات مستمرّ فانيسا حبيب
- في خدمة الحريّة: مستمرون في مواجهة الهمجيين والبلطجيين والميليشيا محمد الغزاوي
- عن التروما التي تعشقنا وتحاول قتلنا كارل حدّاد
- مجموعة “بريكس” تتوسع: هل ينتهي عصر الدولار؟ رَهادة الصميدي