عن فزاعة الشراء العام وتنصّل المركزي والادارات منه
أغسطس 12, 2022
A-
A+
صدر قانون الشراء العام في 19 تموز 2021 ونشر في الجريدة الرسمية بتاريخ 27 تموز 2021. نصّ القانون على أن يبدأ العمل به بعد سنة من نشره في الجريدة الرسمية. بتاريخ 27 تموز إذاً دخل القانون رقم 244/2021 حيز التنفيذ.
شكّل هذا القانون مطلب دولي ومحلي بهدف تخفيض الهدر في الصفقات العامة والحدّ من السمسارات والعمولات والفساد في العقود العامة. فكرّس القانون بالمادة 42 منه مبدأ إجراء الشراء العام بطريقة المناقصة العمومية، لكنه سمح بإجرائها كذلك بطرق أخرى كالمناقصة على مرحلتين وطلب عروض الأسعار، وطلب الاقتراحات للخدمات الاستشارية، والاتفاق الرضائي والشراء بالفاتورة. حدّد القانون شروط أكثر صرامة لجهة استخدام أي وسيلة من هذه الوسائل لإجراء الشراء العام لتبقى القاعدة هي المناقصة العمومية والاستثناء هي الوسائل الأخرى.
بالإضافة الى هذا المبدأ، كرّس القانون مبدأ الشمولية، إذ أنّه أخضع المشرّع لأحكام هذا القانون كلّ من ادارات الدولة، مؤسسات عامة، هيئات ادارية مستقلة، محاكم لديها موازنات خاصة، هيئات، مجالس، صناديق، هيئات ناظمة، بلديات واتحادات البلديات، أجهزة أمنية أو عسكرية (والادارات والوحدات التابعة لها ( بعثات دبلوماسية في الخارج، شركات تملك فيها الدولة وتعمل في بيئة احتكارية، مرافق عامة التي تديرها شركات خاصة لصالح الدولة، أي شخص من أشخاص القانون العام ينفق مالاً عاماً. إنّ شمولية هذا القانون تشكّل خطوةً إيجابيةً في مسار الإصلاح، اذ تصبح كل الجهات والأشخاص المعنويين والطبيعيين الذين ينفقون مالاً عاماً خاضعين للقانون، على عكس ما كان الحال في السابق بحيث كان الإطار القانوني لعمليات الشراء العامّ ينحصر بالصفقات التي تجريها الإدارات العامّة، دون أن تشمل الصفقات التي يجريها باقي أشخاص القانون العام.
كانت المؤسسات العامة والشركات التي تملك فيها الدولة غير خاضعة للأطر القانونية لعمليات الشراء العامّ، فكانت مثلاً مؤسسة كهرباء لبنان وشركات الخليوي وOgero، لا تخضع للأطر القانونية لعمليات الشراء العامّ.
واجه هذا القانون عدّة مطبّات، أبرزها كان الطعن المقدم من قبل تكتل لبنان القوي أمام المجلس الدستوري والذي يهدف الى ابطال بعض مواده، خاصّةً التي تختصّ بالتعيينات وإدارة هيئة الشراء العام. الّا أنّ ردّ المجلس الدستوري الطعن المقدم من النواب ولكن ترك قرار المجلس بعض الغموض فيما خصّ تفسير عدّة مواد من هذا القانون.
علاوة على ذلك، تبقى العقبة الأكبر أمام تنفيذ هذا القانون هو تعاون الإدارات العامة وسائر أشخاص القانون في مجال الافصاح عن المعلومات وتنفيذ بنود القانون.
بالفعل، في سياق متابعة مبادرة غربال لنشاطها في مجال تحليل الصفقات العامة أعلنت أنّ بغية صياغة تقريرها لسنة 2020-2021، تقدّمت بطلبٍ إلى 196 إدارة ومؤسسة عامة وشركة مشغلة للمرافق العامة، للحصول على معلومات حول المتعهدين الذين ابرم معهم عقود. رداً على طلبات مبادرة غربال، تمنّعت 5 إدارات عن استلام الطلب، في حين بلغ عدد الإدارات التي لم ترد على الطلب 104. كما أحالت الطلب شفهياً إدارتين إلى سلطة الوصاية.
هذه الأرقام تكشف ولو بشكل بسيط مدى عدم التزام الإدارات والمؤسسات العامة بالقوانين المرعية الأجراء وأهمها قانون حق الوصول الى المعلومات وقانون الشراء العام.
في سياق متصل ومع دخول حيز التنفيذ قانون الشراء العام الذي يعدّ نوعاً ما إصلاحي بالرغم من بعض الشوائب التي تشوبه، استبق مصرف لبنان بدأ العمل بالقانون وسرعان ما تنصّل من تنفيذه موجهاً رسالةً الى رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي بتاريخ 5 تموز 2022 تتضمن أسباباً “قانونيةً” تبرر عدم شمول مصرف لبنان ضمن صلاحية قانون الشراء العام.
فكان التبرير الأوّل للمصرف المركزي أنّه وبحسب قانون النقد والتسليف فإنّ المصرف هو أسمى من أي مراقبة ولا يخضع للرقابات التي تخضع لها مؤسسات القطاع العام. كما وأنّ الخضوع لقانون الشراء العام قد يؤثر على استقلالية وخصوصية المصرف المركزي. بالإضافة، اعتبر الحاكم أنّه لطالما ما عوّدنا على الشفافية والنزاهة وذلك بغض النظر عن إقرار قانون الشراء العام والخضوع له، اذاً هو ليس بحاجة لاحترام هذا القانون فممارسته السابقة خير دليل على نزاهته وشفافيته.
بهذه العبارات والرسالة الهزيلة، تنصّل حاكم المركزي من تنفيذ مواد قانون الشراء العام ونصّب نفسه الحكم والحاكم والمحكوم عليه. بالفعل، تأتي هذه الرسالة في سياق ممارسات لا تعدّ ولا تحصى من قبل مصرف لبنان وحاكمه لجهة عدم الالتزام بالقوانين واعتبار نفسه فوق كلّ قانون ومحاسبة.
كان من الأجدر للمركزي أن يخبرنا عن اخفائه لحقائق الأرقام وميزانياتها المزيفة وممارسته المشبوهة بدل أن يتباهى بشفافيته ونزاهته. فيا للصدف، في بلد مفلس يتباهى فيه المسؤول الأوّل عن الإفلاس بنزاهته وشفافيته. يا ليت كان كلامه صحيح، لما كنا قد وصلنا الى ما وصلنا اليه. فلو صدقنا تبريراته لطبق علينا مثل “اللي جرب مجرب كان عقله مخرب”.
بالنهاية، وكما كررنا سابقاً، هذه السلطة عوّدتنا على الشعارات والنظريات الفارغة، فكم من قانون أقرّ وكان مصيره الفشل. طالما هذه السلطة المجرمة في الحكم فلن تقبل أيّ اصلاح ينقص من صرف نفوذها وتسلطها على الإدارات والمؤسسات العامة. فرغم الإيجابية في اقرار هذا القانون الإصلاحي إلّا أنّه تبقى العبرة في التطبيق.