سوريا التي أحببناها، ياسمينة المشرق

يناير 4, 2025

A-

A+

يبدو أنّ العالم العربيّ، فيما شهده من أحداثٍ أخيرة ومشاهد سرياليّة، دفع الإنسان العربيّ الشّرق أوسطيّ للتفكير عدّة مرّات بحقيقة اللحظة، وغسل وجهه بالماء مراراً ليتأكد أنه ليس في حلم، مما جعله في حالة من النّشوة والغبطة.

أحداث الأشهر الأخيرة من العام المنصرم كانت “خبيصاً” إذا صحّ التعبير، خبيصةٌ من غير المتوقّع وغير المألوف، أدرك خلالها المواطن أنّ الدنيا ليست بالثبات الذي اعتدنا عليه، وأنّ الزلازل ليست فقط تلك التي تهزّ العواصم والمنازل وتثير الرّعب. الزلازل يمكن أن تحصل انتقاماً لك، وأنت تضحك، تهتزّ بك الأحداث وقلبك يضحك من شدّة الفرح والسّرور.

أحداثٌ أبكت البعض وأسعدت الأغلبيّة. بكى كلّ الموهومين والمتخاذلين والمنصاعين لمشاريع الأرض، الذين باعوا كلّ ما يملكون لأجل شخص اكتشفوا بعدها أنه هرب. وآخرون ضحكوا بعد عقودٍ من البكاء والقهر، أقفلت أمامهم حدود الأرض والبحر، وبقيت صرخاتهم من أقبية السّجون تخترق الجدران والتّرسانات وتصعد للسّماء.

الآلاف، مئات الآلاف، والملايين، ضحكوا في هذه السّنة بعد انقطاع الأمل بأن يحدث شيء ما ينهي الظلم ويطلق العصافير من وراء قضبان الموت لسماء الحريّة.

سوريا التي خفنا الدخول إليها، البعيدة عنّا عدّة كيلومترات، التي ظلمت وفجّرت وقيّدت بالسّلاسل. ثمّ قرأنا عنها روايتي “بيت خالتي” و”القوقعة”، وبكينا حينها في غرفنا الدافئة ومكاتبنا الهادئة على ما فيها. سوريا التي سمعنا قصص أهلها من أهلها خلال التّصوير ثمّ بكينا خلسةً على ظلم الإنسان للإنسان، سوريا التي خفنا الدخول إليها لساعات، هل سألنا أنفسنا: كيف يعيش فيها الأطفال عمراً؟

لعلّ حادثة سقوط الضّعيف المستقوي، زرافة الشّام وجلّادها، لم تكن لتحصل لولا الأكفّ التي ارتفعت من اللاجئين السوريين في لبنان والأردن ومصر وأوروبا وكلّ الأرض تدعو زوال الظلم، ثمّ ارتفعت في ساحة الأمويين تصفّق لانهيار النّظام، بعضهم في ألمانيا يسأل: “كيف أنام تحت سقفٍ آمن وأختي في سجن سوريا؟”

السجون في سوريا كانت مسالخ لا سجون. السّجن الحقيقيّ هو سوريا بأكملها.

ثمّ يسأل شيخ آخر: “متى استلم خنزير الغابة الحكم وسمّوه أسداً؟” في إشارةٍ لعائلة الأسد، “من الأبّ حتّى الولد”.

إنّ ما حصل في سوريا هو انتصار للإنسان على القهر، وغلبةٌ للحقّ على الباطل، ورفعة لكرامات الشهداء على أنفس الظالمين.

عادت سوريا اليوم ياسميناً في شوارع دمشق، وخبزاً ساخناً في شوارع حلب، وكبّة مشويّة في شوارع اللاذقيّة، وحلوى سوريّة في كلّ الوطن الواحد.

سوريا لم تصدّر الذهب ولا المعادن ولا الخشب، لكنّها صدّرت أملاً وسعادةً لكلّ العالم، ولكلّ الأحرار.