عن بيروت عاصمة الحب اللامتناهي

أكتوبر 19, 2022

A-

A+

“قومي من نومك، يا سلطانة، يا نوّارة، يا قنديلاً مشتعلاً في القلب.

قومي كي يبقى العالم، يا بيروت، ونبقى نحن … ويبقى الحبّ”

هكذا تغنّى نزار قباني ببيروت في قصيدته التي أهداها لها “يا ستّ الدنيا يا بيروت” وبعد عشرات الأعوام نرى أنّ بيروت لم تزل كما وصفها نزار، سلطانةً على عرش المتوسط، قنديلاً مشتعلاً ينير مدن العرب وعواصمها، عاصمة الحبّ اللامتناهي، والسّعادة الأبدية.

بيروت الباقية في قلوب أحبّتها، وأرواح سكّانها، الخالدة في ذاكرة كلّ من يزورها ولو ليومٍ واحد. بيروت لؤلؤة البحر الأبيض المتوسط وكنزه الثمين.

أيّ مدينةٍ عانت كبيروت؟ حرب أهليّة، اجتياح إسرائيلي، وصاية سورية، دمار وقذائف، ذبح وانشطار، انفجارات، اغتيالات، أشلاء متطايرة، وأرواح بريئة قتلت في هذه المدينة الجميلة رغم جراحها، لا يسعنا سوى أن نشبّه بيروت بالعروس التي فقدت عريسها، والعاشقة التي مات حبيبها، بيروت مدينة السّلام كانت ولم تزل تفتقد السّلام والأمن والاستقرار الاقتصادي.

لكنها باقية، نعم باقية بنفس أهلها، ومحبيها الذين يزحفون إليها ليحيوا، ليفرحوا، ليغنوا، ليرقصوا، ويصلوا في المساجد، ثمّ يدقّوا أجراس الكنائس، ليشتموا كلّ السياسيين في ساحة رياض الصلح، ويقتحموا مجلس الوزراء، ثمّ يتنزهون في الزيتونة باي، ليرموا شرطة المجلس بالحجارة، ويزينون وسط المدينة بالورود، ليحطموا واجهات المصارف، ويرسموا قلوباً وأزهاراً على جدران المدينة.

أما في المنطقة التي تضررت جراء تفجير مرفأ بيروت، وهنا نتكلم عن شارع الجميزة ومار مخايل، ننسى لوهلة أن أكبر انفجار حصل مقابل هذه الشوارع. مطاعم جديدة تفتح أبوابها على الرغم من الضائقة المالية الصعبة. ضحكات المارة والجالسين في المقاهي والملاهي تملأ الشوارع التي كادت تنسى ما حلَّ بها. معارض فنية في كل مكان، تحاكي الماضي والحاضر الأليم والمستقبل الواعد.

هذه بيروت، مدينة السّلم والحرب، الورد والشّوك، وكلّ المتضادات.

هي القبلة التي لم يستسلم أهلها بالرغم من كلّ المصائب، لم تزل المطاعم تزداد في بيروت، معارض فنيّة، نوادٍ وشركات، ومؤسسسات حيوية كثيرة وجدت من بيروت ملاذاً آمناً لهم، ومن منا لم يشهد موسم بيروت السياحي، البحر والشّارع والفنادق والمنتجعات، كلّها غصّت بروّادها.

لا أستطيع أن أصفها سوى بالمدينة الصلبة، الحديدية، أيّ مدينةٍ تنفجر فيها الأزمات على مرّ السنين، وتراها تنفض الغبار عنها وتلملم جراحها، وتتعافى ويشرق شمس صيفها من جديد. المحبّة هنا في بيروت تقتات على مشاعر النّاس اتجاه بعضها البعض، الحبّ في كلّ مكان.

الحبّ في كلّ الأزقّة…

إنها بيروت، مدينة الحداثة والتاريخ، الجديد والقديم، الحريّة والالتزام، الدين واللادين، الأحرار والمحزّبين، الموسيقى والصلاة، وجميع المضادات الجميلة. مدينة السّلام، بيروت.