المدينة النائمة والمقارنة المستحيلة
ديسمبر 1, 2022
A-
A+
رغم جراحك التي لم تلتئم بعد ورغم وجهك المشوه وجسدك المهشم، انت الأجمل. جميلة انت رغم كل شيء، عريقة انت وتاريخك يشهد شهادة حق أم المدائن ونبع الحضارات والشرائع.
فاين الكل منك يا حورية البحر وعروسة الثلج. ولدت جميلة هكذا ارادك الله. فعبثا يحاولون مقارنتك بمن خضعن لألف جراحة تجميلية ليتشبهن بك، وعبثا يحاولون الترويج للحفلات والمسارح الحديدية والحدائق المستحدثة وفي ربوعك أدراج بعلبك وغابات ألارز والسنديان. لا تخافي يا جميلتي فالايام والسنين كفيلة بإسقاط كل الأقنعة، أما انت ايتها الأميرة النائمة ولو لمئة عام فبقبلة صغيرة تستيقظين من ثباتك العميق، تستيقظين كما نمت شابة جميلة مفعمة بالحياة.
فرحنا لتطوركم الخجول ولكن إن أردتم المقارنة فلتكن ضمنكم لأن بيروت خارج نطاق المقارنة، بيروت لم تُصنع بل وجِدت وحدها كالأزر، كالوردة البريّة التي وان عصفت من حولها الأيام، تلين، تتطاير أوراقها لكن حذورها تبقى متينة تنتظر شروق الشمس في أول أيام الربيع لتعاود نموّها وتزهر من جديد كما بعد كل عاصفة.
وأعلم أننا في أتعس أيام بلدنا. نعترف بهذا الأمر لا بل نقوله بأعلى صوت، لأننا لم نقترف كل هذا الإجرام، بل نحن الضحيّة ونحن من صرخنا بأعلى صوت وأخبرنا العالم عن حقارة من يحكمنا، لكن كل هذا لا يغيّر الواقع والوقع أن لبنان وجد ليبقى وإن بيروت التي تختزن بين جدرانها المصدعة حاليا أكثر من 6000 آلاف عام من الحضارة والتاريخ والأحداث لن تستبدل بأبنية جديدة ومشاريع مستحدثة.
فجيرة الحيّ والصبحية “عالبرندا” وسلّة الدكّان وبائع العربة و”خضرجي المفرق” وسهرات الصيف وحفلات نهاية الاسبوع والجنون الجميل لشابات وشباب أستنشقوا من حولهم العلم والجمال والإنفتاح، وكل كمشة حياة فعلية حقيقيّة كحقيقة وجود الكون وأصيلة كأصالة أهل مناطقنا لا يمكن أن تستبدل بحياة اصطناعية. لكل شيء جماله ووقته ولكل جديد رهجته لكن بعض الأمور لا تبطل كتصميم خلاق أو لوحة ثمينة. هكذا هي بيروت. لا تبطل ولو كبرت، لا تعتق ولو استراحت بل تنتشر مع انتشار ابنائها وتتعلم مع تعلمهم وتتغير مع تغيرات الأيام.
اليوم بيروت ليس بأفضل أحوالها لكنها اعتادت على قلة الوفاء وبطش الحكام وظلم الأيام ففط بالظلام تلمع الأنوار ولو لا الضيق لما جاء فرج.
الأكثر قراءة
- رقصة اولى حولها القدر الى الرقصة الاخيرة: نزيف الأقليّات مستمرّ فانيسا حبيب
- في خدمة الحريّة: مستمرون في مواجهة الهمجيين والبلطجيين والميليشيا محمد الغزاوي
- عن التروما التي تعشقنا وتحاول قتلنا كارل حدّاد
- مجموعة “بريكس” تتوسع: هل ينتهي عصر الدولار؟ رَهادة الصميدي