“إبني مش أزعر، هني الزعران”… العدل المفقود من قصر العدل

يناير 16, 2023

A-

A+

“إبني مش أزعر، هني الزعران”

“مين من شباب الإطفاء أزعر؟ مين؟”

“إبني مش مذنب، إبني بدو يعرف مين قتل خيو”.

عبارات هتفت بها والدة الشهيد جو نون مطالبةً بالافراج عن ولدها المناضل وليام نون. هذه العبارات كفيلة أن تزعزع، لا بل أن تهدم جدران قصر العدل الصدئ والمنكوب.

عاد القضاة إلى عملهم بعد انقطاع دام لشهور طويلة، وليتهم لم يعودوا. إذ بات قصر اللا عدل يطيح بحقوق المواطنين كافة بلا حسيب أو رقيب. لا بل أبعد من ذلك، ينصف الظالم على حساب المظلوم. فبين المتهم والضحية، يقاضي الضحية. ومن الحَكَم؟ المجرم نفسه. فما كفاه الاجرام الذي ارتكبه، الا أنه يعود من باب السلطات القضائية الفاسدة ليحقق المطلوب للعدالة مع المطالب بالعدالة ويسجنه.

رغم فشل السلطات السياسية، والقضائية، والأمنية في اتقاء انفجار المرفأ، ومن بعدها قمع التحقيق وإهمال المحاسبة في أكبر جريمة بتاريخ لبنان، تضامنت السلطات واستشرست في مواجهة أهالي الضحايا الذين يطالبون بالعدالة. فالسلطات اللبنانية كلها ارتعبت أمام تهديد الناشط وليام نون بالحجار والديناميت، وسارعت الى حجزه، ولم يهزها انفجار نيترات هز العالم والبيوت من بيروت الى قبرص. كما تجاهلت أن كلام نون جاء نتيجة ثورة غضب وانفعال شديد إثر الظلم الذي يتعرض له، هو واللبنانيين كافة، على وقع الشذوذ والاهمال والتحايل والفساد المستشرس في قضية المرفأ.

وعلى الرغم من احتجاز وليام نون بدون وجه حق، إلا أن محاولة القمع الحقيرة هذه باءت بالفشل إثر حملة التضامن التي برزت على صعيد الوطن كله. فقضية وليام باتت قضية كل لبناني حيث تحركت فعاليات سياسية ودينية ومدنية لإفشال هذه المؤامرة النتنة كأصحابها.

ولكن من المؤكد أن القضية ليست قضية وليام نون (وذلك يستنتج من تصريحه بأن معاملته خلال توقيفه كانت جيدة جدا ولم يتم التعرض له؛ على غير عادة). إنما المؤامرة والقمع والتحقير هو لما يمثله وليام نون. هي مؤامرة على كل لبناني يطالب بالعدالة ودفع الظلم والفساد عن وطنه ومحاسبة المسؤولين وتطبيق القانون على قدم المساواة. هي محاولة لقمع صوت الحق وسلب الحرية وتجريد الشعب من سلطته، إذ أن عبارة حكم الشعب للشعب لا يمكن أن تصلح في نظامنا الحالي وسط الطبقة السياسية الحاكمة. وهذا هو أسلوب طبقة الفساد المافياوية التي تحكمنا، أسلوب الدولة البوليسية. إذ من خلال معاقبة ويليام نون سيمتنع أي مواطن من السير على خطاه والوقوف بوجه المسؤولين خوفاً من مواجهة مصير ويليام نفسه.

ولكن، لا! سيبقى صوت الحق أعلا من كل الأصوات. ورغم رضوخ الشعب اللبناني في الآونة الأخيرة، الا أن هذا الشعب ترعرع على مبادئ الحق والحرية، وأبى خلال تاريخه كله أن يرضخ الى ظالم حكمه. وهذه المرة لن تكون غير سابقاتها. فلا بد أن تنجح في النهاية إحدى المحاولات في خلع هذه السلطة المستبدة من جذورها وتبديد ظلمها الى مكان اللا عودة.