بيروت تستذكر جراحها بعد المجازر : وين الشّمس الحلوة ورفوف الحمام؟

نوفمبر 1, 2023

A-

A+

مرّت أيّام على تفجير مستشفى “المعمداني” في غزّة، هذا التّفجير الّذي أودى بحياة مئات الضحايا، ومئات الجرحى الّذين بقيوا على قيد الحياة، ولكنّ أرواحهم ماتت من شدّة الألم… ولتعود مشاهد القتلى تتجدد مع مجزرة جديدة ارتكبها الاحتلال في مخيّم جباليا.

 مشاهد مبكية، ومؤذية رافقتنا الأسابيع الماضية؛ مشهد الأشلاء، مشهد الأطفال الّذين دمّرهم صوت التّفجير، ووقفوا في حالة رعب، مشهد الأطّباء والممرّضين الّذين كانوا يقومون بواجبهم المهنيّ في المستشفى، وهو الّذي يحتّم عليهم السّهر على أرواح النّاس؛ وبلحظة تحوّل الطّبيب، والممرّض، والمريض إلى جثث هامدة، تنتظر من ينتشلها من تحت الأنقاض…

 لم تكن مشاهد الدّمار والأشلاء جديدة على اللّبنانيين الّذين عاشوا ويلات الحروب والتّفجيرات، وآخرها تفجير مرفأ بيروت في الرّابع من آب عام 2020، هذا اليوم المشؤوم! فهذه المشاهد لمست جرح بيروت الحيّ الّذي لا زال ينزف، ولمست قلب الأمّ الّتي فارقت ابنها، وجرح الأب الّذي زفّ ابنته بالكفن، وأيقظت صور الدّمار في مخيّلتهم، في زمن غابت فيه الحقيقة، وبقي أهالي الضحايا بانتظار قضاء نزيه يكشف الحقيقة الغائبة.

اللبنانيّون تحديدًا، تعاطفوا مع مجزرة غزّة على طريقتهم الخاصّة، ولا سيّما أنّها ذكّرتهم بتفجير الرّابع من آب، هذا التفجير الذي غرّق بيروت تحت الرّكام، وحصد مئات الضحايا، ومنهم عناصر فوج الإطفاء الّذين ذهبوا لإخماد الحريق، فكانت حياتهم هي الثّمن!

فمن منّا لم يتأثّر في مشهد الطّبيب الّذي يعمل في مستشفى “المعمداني”، وفقد ابنه في التّفجير، وكانت والدة الطّفل تبحث عنه، وتصف ملامح وجهه وشعره بدقّة…فهذا المشهد ذكّر اللّبنانيين بالسيّدة التي كانت تبحث عن جثة ابنها في انفجار مرفأ بيروت وتردّد: “ابني حلو ومليح وعيونه عسليّة…”

إنّ مشاهد الحرب، تبقى في الذّاكرة ولو مرّ عليها الزّمن…وللحرب آثار نفسيّة جسيمة، ترافق الأحياء الّذين عاشوا هذه الحرب، وحتّى الأشخاص الذين نجوا من التّفجير أو من الحرب؛ فهؤلاء الأطفال الّذين استيقظوا على أصوات القصف، والتّفجير، لن ينسوا هذه الأصوات طول عمرهم.

فالأطفال الذين نجوا بأعجوبة من الحرب، وتمكّنوا من معالجة الجروح والكدمات الجسديّة، فإنّ الآلام النفسيّة التي تخلّفها الحروب لا تقلّ أهميّة عن الآلام الجسديّة، حيث تؤثّر في نفوس الأطفال الأبرياء بشكل مباشر، وتوّلد لديهم الشّعور بالخوف والقلق المستمرّ.

وفي هذا الإطار أكّدت الدكتورة في علم النفس الإكلينيكي، ورئيسة جمعيّة Flow للإسعافات النفسيّة الأوّليّة، نجوى دعجة، في حديث صحفيّ لمنصّة “نقِد” أنّ، “الحرب توّلد أنواعًا مختلفة من الصّدمات عند الأطفال منها، الخوف الشّديد، وفقدان الأمان، والأذى الشّخصيّ، والغموض المستقبليّ، وتغيّر الروتين”.

وأضافت، “قد تستمرّ هذه الآثار لأشهر أو لسنوات، حيث تظهر على الأطفال أعراض ما بعد الصّدمة والتي تُسمّى بالـPTSD”.

وتتمثّل هذه الأعراض في:

  • الكوابيس.
  • استرجاع الحدث كأنّه يحصل الآن.
  • اضطرابات في النّوم.
  • صعوبة في التّركيز.
  • التّراجع المدرسيّ.
  • العزلة الاجتماعيّة، أو صعوبة في التّفاعل مع المحيط.
  • اضطّراب سلوكيّ؛ لأنّ الطّفل قد لا يفهم مشاعره، فقد يتحوّل سلوكه إلى عدوانيّ، مثل الضّرب، وعدم تقبّل الآخر.
  • شعور الطّفل بالذّنب؛ فقد تُجرح هُويّته، فيشعر أنّه مستهدف، ولا قيمة لها.

بالإضافة إلى ذلك، شرحت الدّكتورة دعجة، كيفيّة التّعامل مع هذه الأعراض، وهنا تقع المسؤوليّة الكبرى على الأهل؛ حيث يجب عليهم الحرص على:

  • توفير البيئة الآمنة لأطفالهم.
  • التّواصل مع الأطفال بشكل مستمرّ، والاستماع إليهم.
  • عدم قمع مشاعر الطّفل؛ ففي حال عبّر عن خوفه، يجب على الأهل التّضامن معه، وليس القول، “لا داعي للخوف”.
  • عدم إلغاء العلاقات الاجتماعيّة؛ لأنّ هذه الأخيرة تُخفّف من أذى الحرب الكبير.
  • تعليم الأطفال وتثقيفهم؛ وذلك تبعًا لأعمارهم.
  • تعليم الأطفال أدوات التهدئة؛ كرسم الغضب، والألعاب التعبيريّة التي تفرغ التوتّر الدّاخلي.
  • محاولة إعادة روتين الأطفال إلى مكانه.
  • تعزيز نقاط القوّة لدى الطّفل؛ وذلك من أجل التكيّف مع الأمور المستجدّة.
  • صمود الأهل أمام أطفالهم، والتمتّع بالمرونة النفسيّة العالية.
  • الانتباه إلى أكل الطّفل، ونومه، والرّعاية الصحيّة.
  • إبعاد الأطفال من وسائل الإعلام التي تنقل أخبار السّاعة المتعلّقة في الحرب.
  • توفير الدّعم العاطفيّ للأطفال.
  • غرس الأمل في نفوس الأطفال.”

وفي الختام، ورغم كل المشاهد المؤذية الّتي نشاهدها، والأوضاع الصّعبة الّتي نعيشها، لا بدّ لنا أن نحلم في غدٍ أفضل، آملين أن يعمّ السّلام في أنحاء العالم، وأن تشرق شمس الحقّ والحريّة في كلّ مكان.