بعد ‘مادي اجرها لبرا’ ماذا يقول القانون عن نصاب انتخاب الرئيس؟

نوفمبر 11, 2022

A-

A+

معضلة انتخاب رئيس جديد للجمهوريّة اللبنانيّة يسدل بمخاوف الفراغ الرئاسيّ على لبنان المتعطّش للنجاة ممّا أودى به عهد ميشال “عون”.

جلساتٌ متتالية لم توصل لبنان سوى للخلاف، ومجموعة من ممثليّ الأمّة لا تعنيهم شؤون الأمّة، ينتظرون انتهاز الفرص، من كلّ مرشّح، ماذا سيعطيني وكم سأجني من فائدةٍ لقاء انتخابي له.

ولعلّ أعظم مصائب لبنان تتجسّد بهذا المجلس، الذي جعل منه أضحوكةً للقريب والبعيد، ومسرحيّة ينتظرها اللبنانيون بين الحين والآخر، ليضحكوا، ولأنهم أهلٌ للمسخرة. والبطل الرئيسي في هذه المسرحية رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي يصرّ في كل جلسة على تحويل الجلسات إلى أضحوكة سمجة. ولعلّ ابرز الدلائل على سماجة بري، هي عندما سأله النائب سامي الجميل عن المادة القانونية والدستورية التي يستند عليها لتحديد النصاب القانوني لجلسات انتخاب رئيس للجمهورية، ليجيب، “مادي اجريها من الشباك”.

ولا بدّ لنا في حال أردنا الإجابة عن كلّ ما يدور في ذهننا عن انتخاب رئيس للجمهوريّة أن نعود للشريعة الدستورية، والمرجع الأعلى لكلّ خطواتنا السياسيّة والمجتمعيّة، الدستور اللبنانيّ، الذي حدد في مواده الـ 73 و 75 و49 و50 أهم الإجراءات والخطوات الواجب توافرها لانتخاب رئيساً للجمهوريّ اللبنانيّة.

فقبل موعد إنتهاء ولاية رئيس الجمهورية بمدّة شهر على الأقل أو شهرين على الأكثر يلتئم مجلس النواب بناءً على دعوة من رئيسه لانتخاب الرئيس الجديد.

وإذا لم يدع المجلس لهذا الغرض فإنه يجتمع حكماً في اليوم العاشر الذي يسبق أجل إنتهاء ولاية الرئيس (مادة 73).

ويعتبر مجلس النواب الملتئم لإنتخاب رئيس الجمهورية هيئة إنتخابية لا هيئة إشتراعية ويترتب عليه الشروع حالاً في انتخاب رئيس الدولة دون مناقشة أي عمل آخر(مادة 75).

وينتخب رئيس الجمهورية بالإقتراع السري بغالبية الثلثين (86) من مجلس النواب في الدورة الأولى، ويكتفى بالغالبية المطلقة (65) في دورات الإقتراع التي تلي.

إذا أخذنا بما تنطق به المادّة /49/ حيث تفرض أكثرية معينة من الأصوات في الدورة الأولى دون أن تفرض نصاباً مختلفاً عن النصاب العادي المنصوص عليه في المادّة /34/، فمعنى ذلك أن اجتماع المجلس يكون قانونياً بمجرد حضور أكثرية أعضاء مجلس النواب، أي النصف زائد واحد تطبيقاً للمادّة /34/ من الدستور، وبمجرد أن تتوفر هذه الأكثرية يمكن للمجلس أن يباشر عملية الاقتراع في دورة أولى، فإذا لم ينل أحد المرشحين غالبية الثلثين، فعندها يمكن الانتقال إلى دورات اقتراع لاحقة ومتتالية حتى يحصل أحد المرشحين على الغالبية المطلوبة للفوز وهي الأكثرية المطلقة.

النص الدستوري على الاجتماع الحكمي للمجلس: أن المادّة /73/ من الدستور اللبناني احتاطت في شقها الثاني لحالة عدم اجتماع المجلس بناءً على دعوة من رئيسه قبل اليوم العاشر الذي يسبق أجل انتهاء ولاية الرئيس، فاعتبرت أن المجلس يصبح عندئذٍ مجتمعاً حكماً، أي بحكم الدستور، من أجل انتخاب الرئيس.

 وبالفعل بعد ان نصت المادّة /73/ على أنه قبل موعد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية بمدة شهر على الأقل أو شهرين على الأكثر يلتئم المجلس بناءً على دعوة من رئيسه لانتخاب الرئيس الجديد ( راجع البند 4)، أضافت في شقها الأخير أنه « إذا لم يُدعَ المجلس لهذا الغرض فإنه يجمتع حكماً في اليوم العاشر الذي يسبق أجل انتهاء ولاية الرئيس». وهذا ما خالفه أيضاً رئيس مجلس النواب نبيه بري.

والنص المتقدم مشابه لنص ورد في المادّة /2/ من القانون الدستوري الصادر في فرنسا بتاريخ 25/2/1875 بشأن انتخاب رئيس الجمهورية طبقاً لأحكام الدستور في الجمهورية الثالثة، وفي هذا الصدد كتب الفقيه في القانون الدستوري  Georges Burdeau:

ومن ثم فإن المجلس يصبح مجتمعاً حكماً في لبنان في اليوم العاشر الذي يسبق انتهاء ولاية  الرئيس دون حاجة لمراعاة الشكليات التي يفرضها الدستور في الأحوال العادية  من أجل اضفاء القانونية على الاجتماع، وهذا ما أشار إليه الفقيه Georges Burdeau فيما كتبه كما أشرنا إلى ذلك أعلاه، وذلك عندما قال: إذا أهمل رئيس الجمعية الوطنية هذا الإجراء الشــكلي

« s’il omettait Cette formalité»

 فعندئذٍ ينعقد المجلس حكماً …….

الدستور اللبناني ميز بشكل واضح بين النصاب المطلوب توفره في اجتماعات مجلس النواب وبين الأكثرية المطلوبة من أصوات المقترعين لاتخاذ القرارات من قبل المجلس، وقد وضع قاعدة عامة بهذا الشأن في المادّة /34/ حيث فرض نصاباً معيناً لانعقاد المجلس هو أكثرية الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس، أي أن النصاب في مجلس الـ 128 يكون /65/ نائباً، وهذه القاعدة منصوص عليها في الشق الأول من المادّة /34/ حيث ورد: « لا يكون اجتماع المجلس قانونياً ما لم تحضره الأكثرية من الأعضاء الذين يؤلفونه … ».

 كما أن المادّة /34/ ذاتها فرضت غالبية معينة من الأصوات لاتخاذ القرارات، أي غالبية معينة من الأصوات التي اقترعت، أي أنه إذا  اكتمل النصاب المنصوص عنه في الشق الأول من المادّة /34/ بحضور /65/ نائباً وطرح على المجلس مثلاً مشروع قانون على التصويت، وصوت جميع الحاضرين فيكفي أن يصوت مع المشروع /33/ نائباً حتى يعتبر أن مشروع القانون قد حظي بالغالبية المفروضة دستورياً حسب المادّة /34/ من الدستور، وهذه القاعدة منصوص عليها في الشق الثاني من المادّة /34/ من الدستور المتضمن « وتتخذ القرارات بغالبية الأصوات».

وجاء نص المادّة /49/ من الدستور اللبناني بشأن انتخاب رئيس الجمهورية يفرض أغلبية مختلفة للفوز عن الأغلبية المنصوص عنها في الشق الثاني من المادّة /34/، ولكن المادّة /49/ من الدستور لم تفرض نصاباً مختلفاً عن النصاب المنصوص عنه في المادّة /34/ من الدستور.

ومن ثم لا يمكن بحجة التفسير أن تضاف فقرة إلى المادّة /49/ لفرض نصاب يختلف عن النصاب المفروض في المادّة /34/ من الدستور.

وبكل الأحوال ان الاجتماع الحكمي للمجلس في اليوم العاشر الذي يسبق انتهاء الولاية  يتحرر من أي قيد  سوى قيد حصول المرشح على أكثرية الأصوات المحددة في المادّة /49/ حسب دورة الاقتراع الأولى أو الدورات التالية إذا لم يحصل المرشح على ثلثي الأصوات في دورة الاقتراع الأولى.

كامل الدراسة