حرب من نوعٍ آخر أبطالها مقاومو السرطان

أكتوبر 23, 2023

A-

A+

تشكّل معركة الإنسان ضد السّرطان واحدة من أعظم التّحدّيات التي يواجهها، خاصّة إذا كانت ساحة المعركة في بلد يعاني أشد أزماته، بدءاً من الثّغرات في اقتصاده، مروراً بخلافاته السّياسيّة، وصولاً إلى التّدهور في القطاع الصّحي. فمرضى السرطان في لبنان ضحايا سياسات خاطئة عجزت عن تأمين أولى متطلبات الكرامة الإنسانية. ففي10452  كم²، آلاف المرضى يعانون من نقص في دواء السّرطان وغياب الضمانات الصّحيّة التي تمكّنهم من العيش بطريقة آمنة.

“معاشي ما بيتعدى الـ200$، ودوائي حقّه 700$…كيف بدّي عيش؟”، بهذه العبارة لخّصت مريضة سرطان الرّئة حالتها عبر منصّة نقِد، وهي موظّفة في القطاع التّربوي. بدأت رحلتها مع المرض منذ خمسة أعوام. في بادئ الأمر لم تواجه مشكلة الدّواء مثل اليوم، حيث كانت تعاونية موظفي الدّولة تغطّي نفقات عديدة، منها الدّواء. أمّا اليوم، فهي تضطر إلى شحنه من “الهند”، عبر نفقتها الخاصّة، ويكلّفها شهرياً 700 دولار أميركي. وللمريضة معيلٌ واحدٌ، وهو زوجها، فراتبها لا يكفي لصورة شعاعية، وتنكة بنزين، بينما زوجها يعمل طوال الشّهر ليؤمّن وسيلة استمرار حياة زوجته بكرامة.

وبحثاً عن واجبات الدّولة في الحفاظ على صحّة مواطنيها، لجأت المريضة إلى وزارة الصّحة العامة، عدّة مرّات، لكنها لم تتلقّ سوى جرعة من الوعود الكاذبة والانتظار الطوّيل. أمّا عن منصة “أمان”، الذي اعتبرها وزير الصحة أنّها الوسيلة الّتي تنقذ المرضى، أضافت أنها سجّلت عليها منذ أكثر من 5 أشهر، لكنّها كذلك الأمر، مجرّد وعود غير مرتبطة بالواقع بصلة! “كلّما نذهب إلى وزارة الصحة، نعود خائبي الأمل، لا دواء، ولا مساعدات!”.

وبالنّسبة لتعاونية موظّفي الدّولة، فلم تعترف بالدّواء الهندي أصلاً، بحجّة أنه مستورد من الخارج، وليس هذا الدّواء الرّسمي الذي تعترف به الدّولة اللّبنانية، بل هو “لوربرينا”، وتستورده شركة فتّال للأدوية، لكن كذلك الأمر، شركة فتّال تقول “الدواء مقطوع”… فمن يحل لغز هذه المعضلة؟

كما أشارت المريضة إلى أن كمّيات قليلة من الدّواء تصل إلى الوزارة شهرياً، وتوزّع على القليل من المرضى، لكن السّؤال المطروح “ما هي الاستراتيجية المعتمدة للتوزيع؟ هل الواسطة؟ هل من يصل باكراً؟ أم أصلاً كارتيلات الدّواء هي من تسيطر عليها بدعم من الوزير، وتبيعها في السوق السّوداء، وتربح آلاف الدولارات على حساب مرضى لا ذنب لهم سوى أنهم يعيشون ببلد بكل بساطة: لا يحترم حقوق الإنسان…

وفي تجربة مشابهة للمريضة السّابقة،  تقول جومانا -وهي ناجية من سرطان الثدي- “بقيت أكثر من شهرين أبحث عن دواء السّرطان، لكن من دون جدوى، فالدواء مقطوع، والدولة غافلة عن الأنظار”. هنا لا بدّ من الإشارة أننا في شهر التوعية على مخاطر سرطان الثدي “شهر أكتوبر”، ومن أجل ذلك، أضاءت وزارة الصحة العامة مبناها باللون الزهري، لكن السؤال الأهم: من سيضيء الأنفاق المظلمة لمرضى يبحثون عن بقعة ضوء في علبة دواء، لن تتوفر بسهولة!

ومن أجل الغوص في تفاصيل المشكلة، أشار الدكتور عبدالرّحمن البزري، وهو عضو في البرلمان اللّبناني، إلى أن جوهر هذه الأزمة تكمن بثلاث نقاط أساسية: أوّلاً، إن احتياجات المرضى تفوق الإمكانيات المتاحة، ثانياً، عدم توفّر الاعتمادات الماليّة الكافية لاستيراد المزيد من الكمّيات. ثالثاً، تتمثل في أن الدواء المتاح ليس دائمًا الأصلي، بل يتعلق بالأدوية الجينيريك أو البدائل، ولضمان جودة هذا الدواء، يجب أن نتأكد من أن نوعيته ممتازة. ولكن في لبنان، يعتمد ضمان الجودة بشكل أساسي على منظمة الصحة العالمية، وبالتالي، لا يتوفر في لبنان مختبر مركزي أو وكالة وطنية للدواء. على الرغم من أن مجلس النواب قد أصدر قرارًا بإنشاء وكالة وطنية للأدوية قبل سنوات، إلا أن هذا القرار لا يزال ينتظر التنفيذ من قبل الحكومة.

وخلال الحديث لمنصة نقِد، اعتبر البزري أنّ برنامج “أمان”، ركيزة أساسية تهدف إلى تقليل الاعتماد على الموظّفين ومنع تسرّب الدّواء إلى أشخاص غير مستحقّين له، فثمة خطوة مهمة جداً قبل الحصول على الدواء، هي تسجيل وإنشاء ملف صحي موحّداً، على أساس رقم معين. من خلال هذا الرقم، يمكن للأطباء إعطائك الفحوصات الضرورية وصف الأدوية التي تحتاجها، وتسعى الوزارة لتأمينها. إضافة إلى رقمنة المعلومات التي تعتبر خطوة جيدة نحو مواكبة تطورات العصر.

كما أشار إلى أنّه في الماضي، لم يكن للدّولة ضرورة التّدخّل مع الهيئات الضّامنة، بينما اليوم بسبب هذه الأزمة، تعمل الدولة على توحيد هذا الأمر من خلال برنامج أمان نظرًا لصعوبة هذه الهيئات في تغطية تكاليف الدواء. ومن جهة أخرى، تلعب منظمات المجتمع المدني دورًا مهمًا في هذا السياق، من خلال المساعدة في تسجيل المرضى ومتابعة ملفات الدواء، وبعضها حتى يحصل على دعم خارجي لمساعدة الأشخاص، لكن يجب إعادة تنظيم هذا الموضوع رغم الإيجابيات التي يقدمها.

ويضيف، “من أجل إنقاذ المرضى، يجب تأمين حلاً سياسيًا يستعيد الثقة في الاقتصاد والعملة الوطنية، ثم تفعيل وكالة الدواء الوطنية والمختبر المركزي، وتشجيع الصناعة المحلية لإنتاج الأدوية”. ويشدّد على “ضرورة القيام بفحوصات دورية، والكشف المبكر عن السرطان تفاديا للوقوع في الأزمات، والتخفيف من الفاتورة العلاجية للمواطن!”.

أخيرا، لا بد من الإشارة اننا حاولنا التواصل مع وزير الصحة فراس الأبيض، نظرا لأهمية الموضوع، لكنه لم يهتم، ولم نتلقَّ جواباً على اتصالنا! وفي النهاية، عسى أن تبصر الحلول الايجابيّة النور، وتتحسن الظروف الصحية، تماشياً مع أهداف الأمم المتحدة نحو تحقيق التنمية المستدامة، خاصة الهدف الثالث “الصحة الجيدة والرفاهية”، فالصحة السليمة أساس لبناء أوطان سليمة.