تسوّل الأطفال: جرح طرابلس وعكار العميق

سبتمبر 11, 2024

A-

A+

ظاهرة تسوّل الأطفال في لبنان، ولا سيما في منطقتي طرابلس وعكار، تُعد من أبرز الظواهر الاجتماعية المؤرقة التي تعكس واقعًا مركبًا من الفقر، البطالة، وانعدام الفرص. تفاقمت هذه الظاهرة بشكل ملحوظ خلال السنوات الأخيرة نتيجة تدهور الأوضاع الاقتصادية والسياسية في البلاد، بالإضافة إلى تأثيرات النزوح السوري. معاناة مدينتي طرابلس وعكار من الفقر والتهميش، جعلها بيئة خصبة لانتشار هذه الظاهرة.

في موازاة ذلك، قالت الباحثة في علم الاجتماع الدكتورة يمنى ياسين ان “عدد المتسولين في لبنان بات متصاعدا و مقلقا، حيث يتجاوز الآلاف، ويشمل الأطفال من مختلف الأعمار، بدءا من سن الثالثة وحتى سن السادسة عشرة. ويشكل الأطفال دون سن العاشرة نسبة مهمة من المتسولين، مما يبرز حجم الأزمة وسطوتها على فئة عمرية صغيرة جدا، وقابلة للتأثر بشكل سلبي”. اضافت : “وتشير الإحصاءات إلى أن نسبة المتسولين السوريين من أصل اللاجئين مرتفعة، نتيجة للظروف القاسية التي يعيشونها والفقر الذي يعانون منه”.

أولاً، تعود ظاهرة تسول الأطفال إلى مجموعة من العوامل المعقدة والمترابطة، منها الأوضاع الاقتصادية المتردية. اذ يعاني لبنان من أزمة اقتصادية خانقة منذ سنوات، حيث ارتفعت معدلات البطالة والفقر بشكل كبير.

في طرابلس وعكار، يعتبر الوضع أكثر سوءًا نظرًا لضعف البنية التحتية وانعدام الفرص الاقتصادية، مما يدفع العديد من الأسر إلى الاعتماد على عمل أطفالهم كمصدر دخل إضافي.

ثانياً، أدى النزاع السوري إلى نزوح أعداد كبيرة من اللاجئين إلى لبنان، مما زاد من الضغط على الموارد المحلية وأدى إلى تفاقم الفقر في المناطق الأكثر تهميشًا. الأطفال السوريون اللاجئون هم من أكثر الفئات تعرضًا للاستغلال في أعمال التسول.

وحيث ان غياب الرقابة الحكومية الفعالة وغياب السياسات الاجتماعية المتكاملة ساهم في تفاقم الظاهرة، حيث يجد الأطفال أنفسهم في الشوارع بدون أي حماية أو دعم.

ولا بد من الإشارة إلى الفساد والتواطؤ السياسي في هذا الملف. اذ إنّ هناك تقارير تشير إلى ارتباط بعض شبكات التسوّل بشخصيات سياسية أو جماعات مسلّحة تستغل الأطفال لأغراض مالية وسياسية. هذه الشبكات تقوم بإدارة عمليات التسوّل بشكل منظم، وتستفيد من ضعف الرقابة الحكومية لتحقيق مكاسب مادية على حساب حقوق الأطفال.

تسول الأطفال لا يؤثر فقط على حاضرهم، بل يمتد تأثيره إلى مستقبلهم، حيث ينشأ هؤولاء الأطفال في بيئة مليئة بالمخاطر. الأطفال المتسولون يتعرضون يوميًا لعدد من التهديدات، أبرزها التعرض للتحرش والاعتداء.

ينتشر الاعتداء الجنسي والجسدي على الأطفال المتسولين بشكل كبير، خاصة وأنهم يتواجدون في بيئات غير آمنة ولا يحظون بأي نوع من الحماية أو الرعاية.

أبناء الرصيف غداً عبر نقِد

عملت منصة نقد بالتعاون مع مؤسسة سمير قصير على تقرير استقصائي بعنوان “أبناء الرصيف” يسلط الضوء على ظاهرة تسوّل الأطفال ما بين مدينتي طرابلس وعكار، وكشف هذا التقرير حقائق جديدة عن عصابات وشبكات منظمة، ليتضح في ما بعد تورط أسماء سياسية.

التقرير سيعرض يوم الخميس 12 أيلول على قتاة نقِد على يوتيوب. يمكنكم الإشتراك بالقناة عبر الرابط

ونضيف لذلك التسرّب المدرسيّ بسبب تواجدهم الدائم في الشوارع، يفقد هؤلاء الأطفال فرصة التعليم، مما يؤدي إلى دورة متكررة من الفقر والجهل والاستغلال.

ناهيك عن ذكر الآثار النفسية التي يعاني الأطفال المتسولين منها  نتيجة للضغط المستمر والاستغلال، مما يساهم في تكوين شخصية مشوّهة وغير متوازنة.

دور المجتمع المدني والبلديات والمؤسسات المعنية

أوّلاً، تلعب منظمات المجتمع المدني والبلديات دورًا حيويًا في محاولة التصدي لهذه الظاهرة من خلال عدة مبادرات كالتوعية والتثقيف. تعمل العديد من المنظمات على تنظيم حملات توعية حول مخاطر تسوّل الأطفال وكيفية التعامل مع هذه الظاهرة. تهدف هذه الحملات إلى توجيه المجتمع لعدم تشجيع التسوّل وتقديم الدعم للمؤسسات التي تعنى برعاية الأطفال.

ثانياً، توفير الدعم النفسي والاجتماعي حيث تقوم بعض المؤسسات بتقديم الدعم النفسي والاجتماعي للأطفال المتسولين من خلال برامج إعادة التأهيل والرعاية. تهدف هذه البرامج إلى إعادة دمج الأطفال في المجتمع ومنحهم فرصة للتعلم والحياة الكريمة.

الضغط على السلطات يلعب دوراً جوهرياً للحد من انتشار هذه الظاهرة إذ تنشط بعض المنظمات في الضغط على السلطات المحلية والمركزية لتطبيق القوانين وتفعيل الرقابة على شبكات التسوّل. كما تدعو هذه المنظمات إلى وضع سياسات اجتماعية شاملة تحمي حقوق الأطفال وتوفر لهم بيئة آمنة.

ظاهرة تسوّل الأطفال في طرابلس وعكّار تمثّل جرحًا اجتماعيًا عميقًا يتطلب تضافر الجهود من جميع الأطراف لمواجهته. الفقر والجهل والتهميش السياسي والاجتماعي هي العوامل الرئيسية التي تدفع الأطفال للنزول إلى الشوارع، حيث يتعرضون لأبشع أنواع الاستغلال.

 إنّ التصدي لهذه الظاهرة يحتاج إلى إرادة سياسية قوية وتفعيل دور المجتمع المدني، إضافة إلى توفير الدعم الكامل للأطفال وأسرهم لتمكينهم من العيش بكرامة وأمان.