اللبنانيون يسألون: أين سنعيّد عيد الميلاد هذا العام؟

ديسمبر 5, 2023

A-

A+

في هذه الفترة من كل سنة، يتحضّر اللبنانيون عمومًا والمسيحون خصوصاً لاستقبال عيد الميلاد: عيد ميلاد السيّد المسيح. اذكر هذه اللحظات جيّداً… استعدادات في كل الارجاء، معارض ميلادية وافتتاحيات في معظم المناطق اللبنانية لاضاءة زينة الميلاد، فرح وبهجة في كل مكان رغم الازدحام الذي يعم الشوارع.

اعتادت الاسواق التجارية على تهافت الناس لشراء حاجياتهم: زينة وثياب جديدة، في السوبرماركت ايضاً، اغانٍ ميلادية تترافق مع اصوات الضجيج، وصيحات الاطفال.

وفي الليلة المنتظرة، تجتمع العادات والتقاليد، ومعها العائلات امام شجرة الوانها جذابة، براقة، تعد بأيام جميلة.

هذه الفترة من السنة كانت الاحب على قلبي وربما على قلب كثيرين… كنت انتظرها انتظار الطفل لهدية بابا نويل…

في هذه الفترة من السنة، ومنذ اربع سنوات، العيد لم يعد عيداً، والفرح لم يعد هو نفسه… ربما نحن تغيّرنا، وربما الاعياد تبدلت… او ببساطة كبرنا! وكبرت معنا همومنا.

ففي سنة 2019 استقبل اللبنانيون العيد بارتفاع -ولو بسيط- للدولار وبدأ الانهيار الاقتصادي يتصاعد شيئاً فشيئاً… ما ادّى الى هجرة الشباب بحثاً عن فرص عمل ودخل لاعالة ذويهم في لبنان.

وفي سنة 2020 بسطت كورونا ثقلها، عابثةً بعاداتنا وتقاليدنا، ابعدتنا مرغمين عمن نحب… فعيدنا عيد الميلاد بغير طعم…

وكأن القدر لم يرو غليله منا، عشنا واهالي ضحايا 4 آب صدمة لم ولن يكون لها مثيل، تركت في نفسنا الغصة، الصدمة والانكسار… والخيبة من قضاء فجّر بيروت بدل المرّة، مرتين!

وما ان بدأنا بالتعافي من الانكسارات الواحدة تلو الاخرى، جاعلين من “طير الفينيق” علامة لصمودنا وصعودنا من الازمات، وما ان قررنا اكمال الطريق، محاولين النهوض من جديد عبر تنشيط القطاع السياحي الخدماتي… حتى غادر السواح بلدنا الذي كاد يتعافي، واقفل المطار …عدنا اليوم مع نهاية العام 2023 الى نقطة اللاعودة…

كيف لا وما يحصل في الارض التي ترعرع فيها “صاحب العيد” ليس بعيداً عنا؟

من لم يدفعه الوضع الاقتصادي الى الهجرة بحثاً عن الامان خارج لبنان، الحرب قد تدفعه، وبشدة الى ذلك!

فهل سنعيد عيد الميلاد هذه السنة وكل ما يجري حولنا لا يمتّ للعيد بأية صلة؟

العيد فرح وسلام… العيد محبة وانسانية!

من غزة وصولاً للحدود الجنوبية، موت وقتل وتهجير… الن يسمح لهذه البقعة من الارض العيش بسلام، ذاك السلام الذي دعى اليه السيد المسيح ووصل صداه الى اصقاع الارض؟

نحن، جيل لم يعرف سوى بعض السنوات المستقرة، نحن، لا نريد الحروب، لا نسعى وراء الخطر، ولا تستهوينا ثقافة الموت… نريد فقط ان نعيش، ونحقق احلامنا في وطننا، لا نريد ان نعيّد اعيادنا خوفاً او هرباً او غرقاً!

يأتي عيد الميلاد هذه السنة، بلا ألوان وأضواء، والموت الجماعي قريب منا…

يأتي عيد الميلاد هذه السنة، والعائلات بعضها غاب والبعض الاخر يحتفل بغصّة…

يأتي العيد هذه السنة خجولاً، بارداً…

يأتي العيد هذه السنة، والسلام اضحى كذبة والموت رخيصاً…

العيد هذه السنة حزين، الا ان العيد يبقى “عيداً”!

عيد الميلاد هذه السنة، يأتي ليذكّرنا ان الارض التي ولد وترعرع فيها السيد المسيح هي أرض مجد وسلام ومحبة رغم كل المآسي… بعد الظلمة لن يشع الا النور، النور الحقيقي.