الزواج المدني في لبنان معضلة معقدة والحل في الدرج

فبراير 7, 2023

A-

A+

في الوقت الذي يعتبر فيه الزواج المدني أمر طبيعي في بلاد تتميز بالتنوع الديني والطوائفي، جوهرة الشرق الأوسط والانفتاح تعتبره تمرد وعبئ على القانون اللبناني، فما الذي يمنع بلد بهذا الانفتاح من اقرار الزواج المدني الذي أصبح ضرورة ملحة في أيامنا هذه؟

دار الفتوى بحجة “القيل والقال” وحجة الكنيسة بأنه “سر كنسي”، وكل هذا الاستخفاف بعقول الناس ومن دون أي استناد قانوني فعلي، ثم يعودون بالقول “ضد الدستور والقانون” ولا حق لـ”اللبناني” بالاختيار.

الزواج المدني رحلة مطولة لم تجد جزيرة تأويها:

في كل مرّة يُطرح فيها موضوع الزواج المدني، نراه يواجه بهجوم ومواقف رافضة له، والحجج لا تتغير، من التوقيت غير المناسب الى مخالفة الدين والدستور. وفي كل مرّة يُطوى الملّف الى حين ويعود الإحباط مخيماً على المطالبين بقانون موحد يساوي بين المرأة والرجل وبين كل اللبنانيين في الحقوق والواجبات.

ظهرت مسألة توحيد الأحوال الشخصية في نص القانون الصادر في 2 نيسان 1951 في بداية الخمسينيات من القرن الماضي كنتيجة طبيعية لوضع إطار للزواج المدني.

هذه المطالب تقدمت بها نقابة المحامين في بيروت الا أن المشروع لم ير ضوء وتم رفضه آنذاك.

ثم في عام 1983 طلب نقيب المحامين فيليب سعادة من هيئة التشريع والاستشارات في المجلس النيابي استصدار قانون يجيز الزواج المدني الاختياري، وقد أيّدت الهيئة طلبه حينها الا انّه بقي كلاماً من دون اي مفعول عملي.

ثم قد عاد المشروع موضوع نقاش عام 1998 عندما طرحه رئيس الجمهورية الراحل الياس الهراوي ما أثار في ذلك الوقت جدلاً واسعاً ومعارضة من قبل الأوساط الدينية ما أسفر عن رفضه التام.

ومن ثم تم اقتراحه في حكومة الرئيس رفيق الحريري عام 1999 حيث تمت الموافقة عليه بالأغلبية 21 صوتًا الا ان الرئيس الحريري لم يوقعه معتبرًا ان وضع لبنان لا يسمح بذلك، مجاريًا بذلك موقف دار الفتوى والافتاء والجهات الروحية الاخرى.

الا ان اول زواج مدني سجل في سجلات الأحوال الشخصية في لبنان كان في عام 2013.

ثم عبّرت وزيرة الداخلية ريا الحسن عام 9201 عن موقفها الإيجابي من الزواج المدني ونيّتها بالسعي لفتح حوار جدّي مع المرجعيات الدينية وغيرها حتى يتمّ الاعتراف به في لبنان، وهي بذلك أعادت الى الواجهة مطلباً طويل الأمد، ولكنه عاد ورفض للأسباب نفسها وعرقلة السلطات الدينية، الا ان هذا التعميم هو الذي أتاح في العام 9201 تنظيم وتسجيل عقود زواج مدنية لأول مرّة في لبنان وبالتالي كانت المرة الأولى التي يتمّ فيها تطبيق الدستور اللبناني فيما يتعلّق بحقوق الأفراد من دون المسّ بحقوق الطوائف.

وأخيرا آخر خطوة اتخذت في هذا الإطار مؤخرا، اذ اتاحت وزارة العدل هذا المشروع في حزيران 2021 الا ان الامر يتوقف حتى اللحظة في ادراج وزارة الداخلية.

الزواج في قبرص حتى اشعار آخر:

لا يمكن أن تكون هناك “ديمقراطية حقيقية إلا عندما يخضع كل اللبنانيين لقانون أحوال شخصية موحد.

التوحيد على أساس علماني ضروري للاندماج المجتمعي وذلك لا يتعارض مع أي معتقد ديني. ولا يمنع الاحتفال بزواج ديني بعد الزواج المدني ويترك للزوجين الاختيار بين كل من الصيغتين.

ومع ذلك، لم تتم متابعة مشروع الحزب الديمقراطي، أو في الواقع للمشروع الذي تم تقديمه بعد عشر سنوات، في خضم الحرب، من قبل الحزب الديمقراطي العلماني.

وقد اعترف سعد الحريري في مقابلة متلفزة بأنه رغم ارتباطه الشخصي بالزواج الذي تم عقده أمام السلطات الدينية، إلا أنه “لا يمكنه تجاهل الاختيار الشرعي لأي شخص يرغب في عقد الزواج خارج قواعد الدين”.

إذا صرخ الزعماء الدينيين مرة أخرى على عدم موافقتهم، فإن الاحتجاج يكون أقل حدة مما كان عليه في عام 1998. بكركي راضية بشكل خاص عن إعلان أن الزواج المدني يجب أن يكون “مربوطاً بالملحدين فقط”.  ومع ذلك، في عام 2009، تحدث بشارة الراعي، الذي كان آنذاك أسقفًا، لصالح الزواج المدني الإجباري، مع سر الزواج الذي “يأتي بعد ذلك وهو تعبير عن القناعة الدينية للعروس والعريس”.

وبالتالي بسبب المماطلة بالقانون الوطنيّ الذي يرعى وينظّم الزواج المدني في لبنان، يتحتّم تطبيق القانون المدني حيث مكان عقد الزواج في الخارج، وفق الصيغة المحدّدة في البلد الأجنبي، مع كافة مفاعيله، أيّ لناحية البنوّة الشرعيّة والطلاق، و بحيث ان “الزواج المدني المعقود خارج الأراضي اللبنانيّة، لا يعدّ مخالفاً للنظام العام، وذلك سنداً للمادة 25 من القرار رقم 60 ل.ر”، كما يسجّل في قيود النفوس وسجلات الأحوال الشخصية اللبنانيّة، كما يحق لكلّ مواطن لبنانيّ أن يعقد زواجاً مدنيّاً، عملاً بالمادة 9 من الدستور، و عملاً بالمادة 79 من قانون أصول المحاكمات المدنيّة، فإنّ “المحاكم اللبنانيّة المدنيّة، تختصّ بالنظر في النزاعات الناشئة عن الزواج المدني الذي عقد في بلد أجنبي بين لبنانيين اثنين أو بين لبناني وأجنبي بالشكل المدني المقرّر في قانون ذلك البلد. أما إذا كان كلا الزوجين من الطوائف المحمديّة وأحدهما على الأقلّ لبنانيّاً، فعندها تكون المحاكم الشرعيّة والدرزية هي صاحبة الاختصاص”.

وفي حال أراد الطرفان، الزواج مدنيّاً في لبنان لدى الكاتب العدل وفق القانون المدني الذي يختارانه من خلال إزالة الإشارة إلى الطائفة في سجلاّت النفوس.

ولجهة اختيار اللبنانيّين قبرص بشكل خاص عن غيرها من الدول، لأسباب عديدة منها قرب المسافة، أو التكلفة الماديّة الأقلّ مقارنةً مع دول أخرى، بالإضافة إلى سهولة إتمام مراسيم الزواج المدني، حيث لا شروط قاسية كما تلزم دول أوروبيّة على سبيل المثال إقامة الزوجين في البلد لعقد الزواج المدني فيه. فمثلاً في فرنسا هناك شروط معينة للزواج منها إقامة أحد الزوجين خلال شهر قبل الزواج أو إقامة أحد والديه”.

قيود تلوَ القيود:

بالرغم من أنه لا فوارق مهمة في القوانين المدنية لناحية الزواج، فأغلب القوانين الوضعية التي تحكم الزيجات المدنية تقوم على قيم ومبادئ، أهمها المساواة وإعلاء شأن الإرادة بين الزوجين وحقوق الطفل، والمشاركة في تحديد موقفهما من النظام المالي للزواج والقرارات الخاصة بحياتهم الزوجية ؛ بالتالي فإن ”الدولة بتأديتها فروض الإجلال لله تعالى تحترم جميع الأديان والمذاهب وتكفل حرية إقامة الشعائر الدينية تحت حمايتها على ألا يكون في ذلك إخلال في النظام العام، وهي تضمن أيضا للأهلين اختلاف مللهم واحترام نظام الأحوال الشخصية والمصالح الدينية“. إلا انه لا يتم الزواج المدني في لبنان الا بعد شطب الإشارة عن قيد المتزوجين المذهبي، وبهذه الطريقة يصبحون خاضعين للقاعدة المدنية في شؤونهم خصوصاً بأحوالهم الشخصية، وبالتالي محالين حكمًا بموجب القوانين إلى القاعدة المدنية في الزواج الذي هو حق أساسي معترف به في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والدستور اللبناني.

ولكن من خلال شطب الإشارة عن القيد، تصبح علاقة المواطن مباشرة مع الدولة من دون أي وسيط، فيتمتع بحقوقه ويلتزم بواجباته، أما في حالة الطلاق، فتطبق القواعد المدنيّة المحال لها بعقد الزواج وتنظر به المحاكم المدنيّة المحال لها بعقد الزواج وتنظر به المحاكم المدنيّة”.

فان الزواج لشاطبي القيد مجاز قانوناً، لكن معرقل واقعيّاً، وهناك 45 شابة وشاباً، من الذين حجبوا الإشارة إلى القيد الطائفي من سجلاّت نفوسهم وعقدوا زواجاً مدنياً على الأراضي اللبنانية، قبل أن يتولى وزير الداخلية السّابق نهاد المشنوق عام 2014 وزارة الداخلية والبلديات، لتمتنع عندها مديرية الأحوال الشخصيّة عن تسجيل هذه العقود، ونقل البيانات وتسليم الوثائق النهائيّة للمواطنين، ما دفع عدد من الحالات إلى السفر والزواج مدنياً في الخارج خصوصاً من رزق بطفل حتى يكون زواجهما رسميّاً وكذلك وضع أولادهما قانوني، في حين لا يزال بعضهم ينتظر رفع الظلامة عنهم ولم يتمكنوا من عقد زواج مدني في الخارج”.

حقوق المرأة في لبنان مهزلة تجسدها 18 طائفة والزواج المدني هو الحل:

في لبنان، تزوّج وما زال يتزوّج العديد من خلال عقد مدني، إلا أنه يُقام في قبرص أو في دولة أوروبية أخرى، ومن ثم يعود الأزواج إلى بلدهم ويسجلون زواجهم هناك، ويتم الاعتراف به، حيث يشابه هذا الواقع العديد من البلاد العربية أيضًا مع بعض الاختلافات.

فالجدل حول الزواج المدني في لبنان، ليس بجديد، بل هو في صراع قديم، إلا أن الواقع السياسي والتاريخي والطائفي، كبلد يعيش فيه حوالي 18 طائفة، لكل منها قوانينها ومحاكمها، وصراعاتها، فإن تشريع الزواج المدني لن يكون “لصالح” الواقع السياسي والمصالح السياسية وكذلك الطائفية المتنوعة، خاصة في ظل غياب قانون موحّد للأحوال الشخصية، بما يتعلق بالزواج، الأطفال، الطلاق، وغيرها.. وبالتالي، وبالتالي كل ما يتعلق بالأحوال الشخصية يعود ذلك إلى المحاكم الدينية التابعة لكل طائفة.

والأساس من المطالبة بإقراره هو الغاءً للفروقات الدينية والمذهبية وخصوصًا ان أدوار المؤسسات الدينية لا تقتصر فقط على الإيمان الفردي أو الجماعي، أو الروحانيات وعلاقة الإنسان بدينه، بل بتفاصيل حياته اليومية أيضًا، وقراراته المصيرية، كالزواج، الإنجاب والطلاق، وما إلى ذلك وكما هو معروف ومؤكد ففي بلد يعتبر ذكوري كغيره من البلدان العربية يفضل مصلحة الرجل على المرأة.

ومن ثم فإن هنالك من يريد أن يتزوج مدنيًا، حتى لو كان الطرفين من نفس الدين أو الطائفة كفكرة مدنية  ومتعلقة بحقوق المواطن وبالأساس المرأة، وليس من المفترض على الجهات الدينية أن تفرضه، تتدخل فيه أو تضع له قوانين، بالتالي  ليس على الزواج وقرار الزوجين، حتى بالطلاق ومن ثم الإرث، أن يكون تحت سيطرة سلطة دينية، و خصوصًا ان ملف الزواج مسيّطر عليه من قبل رجال الدين، ويتحكمون فيه من كل جوانبه، وبالتالي، مع تشريع الزواج المدني، سيكون هنالك اعتراض على جزء مهم من التحكم الطائفي في لبنان، عبر عدم إخضاع عامل أساسي، أي الزواج والعائلة، لسلطة دينية لقرار الزواج أو الطلاق أو الإرث.

وإن الزواج المدني يعود بالفائدة إلى واقع النساء في لبنان وأي مكان آخر كما بفصل الدين عن القانون والأحوال الشخصية حتى فيما يتعلق بتعدد الزواجات، ومنع أي صيغة خارج الزواج المدني كما في المساواة بين الزوجين بالإنفاق اعطاء حق الطلاق لطرفي الزواج بالتساوي، بمعنى، للمرأة الحق بتطليق نفسها.

من المهم الإشارة أخيرًا بأن عدم تشريع الزواج المدني بأساسه يعود بالفائدة إلى مواصلة تركيبة وبنيّة المجتمعات الأبوية التي يشهدها لبنان سواء لجهة حرية وحقوق المرأة الخاصة، أو حتى لاختلاف المذاهب والأديان وبالتالي فقدان بعض من السيطرة الذكورية على المجتمع والقوانين.

وضرورة تشريع هذا القانون في لبنان تماشيًا مع الاختلاط المجتمعي والديني والمذهبي في لبنان وتسهيل الاجراءات على اللبنانيين، فلدى اللبناني ما يكفي من العواقب والعراقيل.