


ما الذي نجحت فيه الثّورة السّوريّة، وفشلت فيه الثّورة المصريّة؟
يناير 15, 2025
A-
A+
أخيرًا، وبكل فخر، نعبّر عن سقوط ديكتاتور دمشق، بشار الأسد، بعد حكم امتد له ولوالده خمسة عقود. نجحت الثورة السورية أخيرًا، بعد تشتت المعارضة السورية لمدة 14 عامًا، عانى خلالها الشعب السوري من الحرب، الدمار، الحصار، والقصف. اليوم، تتنفس دمشق وحلب وحماة نسائم الحرية.
أصبح المعتقلون أحرارًا، وعاد النازحون إلى ديارهم، وانهارت الخيام التي لطمتها أمطار الشتاء. آن الأوان ليجتمع السوريون في ثورتهم التي حققوا فيها ما عجزت عنه الأنظمة.
بينما نحتفل في عالمنا العربي، وفي مصر خاصة، بانتصار الشعب السوري، قد يطرأ في أذهاننا سؤال: ما الذي نجحت فيه الثورة السورية ولم تنجح فيه الثورة المصرية؟
للإجابة على هذا السؤال، علينا العودة قليلًا إلى الوراء، لنستعرض أسباب الفشل ونبحث عن الإجابة الحقيقية.
تشابهت الأنظمة السورية والمصرية في طبيعة حكمها التي اتسمت بالقمع والاستبداد، حيث سيطرت الأجهزة الأمنية على الحياة السياسية وقيدت الحريات. في سوريا، استولى حزب البعث على الحكم منذ السبعينيات، وأقصى جميع الأحزاب الأخرى وقمعها، ليصبح الحكم هناك حكرًا على عائلة واحدة وحزب واحد. أما في مصر، فتم تهميش الأحزاب، وكان الحزب الوطني أو الحزب المقرب من السلطة هو المسيطر، فيما كانت الأحزاب الأخرى تعبر تحت مراقبة الأجهزة الأمنية.
كان القمع، الاستبداد، الفساد، والظلم هي القواسم المشتركة التي ربطت بين صرخات الشعوب في كلا البلدين، فتوالت الهتافات ضد الأنظمة في أيام معدودة. في 25 يناير 2011، ثار الشعب المصري المكلوم بعد حادثة مقتل خالد سعيد الذي مات إثر تعذيبه على يد الشرطة المصرية، ضد نظام مبارك مطالبًا بالعدالة الاجتماعية، الكرامة، وإنهاء الفساد وحكم التوريث.
أما السوريون، فثاروا في مارس 2011 ضد بشار الأسد بعد التعذيب الذي تعرض له أطفال مدينة درعا وذويهم بعد كتابتهم على الجدران هتاف “إجاك الدور يا دكتور” تأثرًا بثورات جيرانهم. كان هذا التعذيب هو الشرارة التي أشعلت المدن السورية هتافًا لإنهاء حكم بشار وخروج المعتقلين.
ورغم التشابه في الديكتاتورية والظلم والقمع الذي تعرض له المتظاهرون في كلا البلدين، تباينت مسارات الثورتين بشكل كبير، إذ اتخذت كل ثورة طريقًا مغايرًا تمامًا عن الأخرى.
النجاح المرحلي في مصر: “أسبوعين وخلصنا”
في مصر، سقط النظام ونجحت بالفعل تظاهرات المصريين في الإطاحة بحكم مبارك الذي دام ثلاثة عقود في لحظة فارقة في الشارع المصري. وبعدها ترك الثوار الشارع.
لم تدم تلك الوحدة كثيرًا بين القوى السياسية في مصر، إذ سرعان ما تفرقت بين القوى المدنية الليبرالية واليسارية، وبين القوى الإسلامية السلفية والإخوان.
كل طرف منهم تمسك بمصالحه التي كانت لها الأولوية، دون أن تكون أهداف الثورة هي الأساس. ورغم تلك الصراعات السياسية، أتت جماعة الإخوان بالصندوق والديمقراطية.
المراهقة السياسية للنخب وانعدام فقه الأولويات
لكن سرعان ما انقلب الأمر رأسًا على عقب، وتحالفت القوى المدنية مع المؤسسة العسكرية للانقلاب على السلطة الحاكمة، ظنًا منها أن هذا الانقلاب هو تصحيح مسار للثورة من أجل مصالحها وتمسكها بالسلطة.
تلك المراهقة السياسية، وعدم الوعي بمقاليد ومفاتيح الدولة العميقة، جعلت جميع القوى السياسية لقمة سائغة في فم المؤسسة العسكرية. فاستغلت تلك الصراعات وحماقة النخب التي تصدرت المشهد وأطماعهم للوصول إلى السلطة. وبالفعل، تم الانقلاب في 2013 ليأتي بنظام أشد وطأة في القمع والقوة.
تلك القوى المدنية نفسها، بعد عامين فقط من الثورة، فقدت الديمقراطية والحرية التي سعت لزعزعة الكون بهتافها. فقدتها بأيدي من تحالفت معهم، فقط لعدم تقدير فقه الأولويات.
على الجانب الآخر: الثورة السورية ومسار مختلف
على الجانب الآخر، أخذت الثورة السورية مسارًا مختلفًا. في ظل القمع الدموي وإطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين، اضطر الشعب للتسلح للدفاع عن أنفسهم. وتحولت المئات بل الآلاف إلى فصائل مسلحة، لكل فصيل أهداف معينة محلية أو دولية، تبعًا للدولة التي تدعمه.
قدمت بعض القوى الدولية الدعم للمعارضة السورية لمواجهة نظام الأسد، ليزداد التشرذم والاختلاف بين الفصائل، ويفقدوا وحدة صفوفهم وهدفهم الثوري الأول وهو سقوط النظام.
ظلت المواجهة بين الفصائل وبعضها مدة من الزمن، في حين ظهرت بعض الجماعات المتطرفة كداعش، ما جعل ذلك ذريعة استغلها الأسد أمام المجتمع الدولي بإطلاق مسمى الإرهاب على جميع فصائل المعارضة.
صمود الروح الثورية لدى السوريين رغم المأساة وفقدانها لدى المصريين
ضمن الفروق الجوهرية بين الشعبين، نجد أنه طيلة تلك السنوات، ظلت الروح الثورية لدى الشعب السوري مستمرة رغم المآسي.
أما في مصر، فقد خمدت سريعًا وانطفأت وطأتها تمامًا. الزخم الشعبي تراجع وكأن الثورة صفحة تم طيها. أصيب المصريون بالإحباط حتى من فكرة الثورة، بسبب الصراعات الداخلية للقوى السياسية التي فقدت مصداقيتها لدى الشعب.
الفراغ القيادي وتأثيره على الثورتين
افتقرت الثورة السورية، في بداياتها، إلى قيادة موحدة واعية ومدركة لتوحيد الصفوف، ووضع رؤية شاملة لإدارة المرحلة الانتقالية بعد سقوط النظام.
أما المعارضة المصرية، فما زالت تعاني من التشرذم والاستقطاب والانقسام الشديد. ولا يزال المشوار طويلًا لتوحيد الصفوف ووضع رؤية وبدائل واقعية لما بعد سقوط النظام.
الثورة هي وسيلة لتحقيق أهداف أخرى، وليس الهدف ذاته، وهو ما افتقرت إليه المعارضة المصرية، مما جعل المشهد الحالي في مصر بعيدًا عن أي أفق ثوري حقيقي.
الأكثر قراءة
- رقصة اولى حولها القدر الى الرقصة الاخيرة: نزيف الأقليّات مستمرّ فانيسا حبيب
- في خدمة الحريّة: مستمرون في مواجهة الهمجيين والبلطجيين والميليشيا محمد الغزاوي
- عن التروما التي تعشقنا وتحاول قتلنا كارل حدّاد
- مجموعة “بريكس” تتوسع: هل ينتهي عصر الدولار؟ رَهادة الصميدي