رسالة إلى الله: أين أنت من كل ما يحصل؟

نوفمبر 22, 2023

A-

A+

بخوف، بحذر، بترقب، الجميع ينتظر النتيجة، لمعركة بدأت في السابع من تشرين الأول الماضي وأذابت جليد الحرية المزيفة، وأحرقت قناع الدول الغربية والعربية، فالجميع يؤكد أن ما بعد عملية “طوفان الأقصى” الفلسطينية، حتماً لن يكون كما قبلها.

ولكن إلى حين انتهاء المعارك في قطاع غزة، ستعتاد الجماهير العربية والعالمية الاستيقاظ على مشاهد الدمار والأشلاء والقتلى، فكثيرة هي العيون التي تدمع اليوم بعد رؤية إبادة جماعية تُبث بالصوت والصورة، ومشاهدة جثث متفحمة أو مقطعة الأطراف، من شتى الفئات العمرية.

عقل يصرخ ويتعجب، وعقل لا يأبه التفكير بما يجري في القطاع المدمر، إذ يعتقد النوع الثاني أنه طالما يبعد الصراع عن مدنهم بمئات الكيلومترات، فلا داعي للهلع، لكنهم لا يعرفون مدى تطرف حكومة الاحتلال وعلى رأسها هتلرياهو (بنيامين نتنياهو) الذي يتبع سياسة توسعية جنونية تهدف إلى السيطرة الوحشية اللانهائية على كل بقاع الأرض.

سؤال بإجابة ضائعة

السؤال الذي يتردد في أذهان كثر اليوم: أين هو الله الحكيم والعليم بكل شيء، من كل ما يجري في غزة؟

ففي القطاع يموت مئات الأبرياء يومياً، تُرتكب جرائم حرب بحق عُزّلٍ، أعظم أحلامهم كانت العيش بكرامة واستقلالية وأمان.

لطالما سمعنا أو قرأنا في كتب التاريخ عن إبادة جماعية لشعوب تم محيها عن وجه الكوكب، وتدميرها بشكل مخطط وممنهج من قبل قادة يحكمون عالمنا اليوم. ولم تسلم دولة من إبادة اقتحمت أراضيها وقتلت أناسها لأسباب عرقية أو دينية أو وطنية، والحصيلة.. قتلى بالآلاف أو ربما بالملايين.

لذا توسع السؤال الآن، أين كان الله من كل تلك الجرائم التي ارتكبها خلقه الأشرار؟

ركيزة الديانات الثلاث

القدس عاصمة لدولة كان من المفترض أن تكون مقدسة لدى معتنقي الديانات السماوية الثلاث (اليهودية، المسيحية، الإسلام).

فاليهود يؤمنون بأن نبيهم، الملك داوود، فتح تلك الأراضي وجعل منها عاصمة لمملكة إسرائيل قبل مئات السنين، أما المسيحيون فيعتقدون أن إلههم، يسوع المسيح، قد صُلب على إحدى تلال تلك الدولة، واعتبروها من أقدس بقاع الأرض، والمسلمون يرون أن القدس تمثل أولى القبلتين وثالث أقدس مدينة بعد “مكة” و”المدينة المنورة” السعوديتين.

المقال ليس عرضا للأحداث التاريخية، بل للبرهنة بأنه لا عذر أمام أي إله من الآلهة أو أي دين من الديانات لعدم التدخل وإنقاذ شعب غزة، فالمساجد تُقصف والكنائس تُهدم والمدنيون يقطَّعون.

لا أحد يشكك بقدرات الاله الحاكم، وجميعنا نعلم بأنه قادر على إنهاء كل هذا بثوان، إلا أن الإله نفسه منح لعباده الحق في السؤال، لذا نسأل عن سبب ترك الغزّيين لمصيرهم؟

لا شك بأن الله قادر على فعل ما يشاء بالناس، يحيي ويميت، ينصر ويهزم، فهو رب لكل البشائر والجميع على يقين بهذا الأمر، إلا أن أهل غزة يشعرون بالموت آلاف المرات قبل فقدان أرواحهم، على يد منظمة صهيونية تلعب دور الإله فتنتهك كل القوانين الدولية وتخترق كل قواعد الحروب وتفعل ما تشاء بضوء أخضر غربي.

ويقول عز وجل في قرآنه الكريم (وَكَانَ الإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلا)، لذا لن ندخل في جدالات بيزنطية حول سلوك البشر العدائي، وخاصة سلوك شعب إسرائيل الذين يتحكم “اللوبي الصهيوني” الخاص بهم بمجريات عالمنا الحديث و”الديمقراطي”.

فهل من جواب يقين؟

المسلمون والمسيحيون يقطَعون إرباً في غزة، المستشفيات تدمر بجرحاها والمباني تُهدم بقاطنيها، والله يرى، ولكن الناس ترى أيضا وتتساءل، أين الدور الالهي الأعظم؟ أين الإجابة الشافية؟ فرجال الدين يأبون الإجابة لأن “لله في خلقه شؤون”، حسب قولهم.

يقال إن الله أقرب من أي شيء للإنسان، ويحن عليه أكثر من أمه وأبيه وإخوته، ولا يرضى بالظلم والفساد، لكن شعب غزة مات، والحي منهم هاجر إلى جنوب القطاع بدون الأخذ برأيه.

إسرائيل تقصف مواقع بشكل عشوائي وتدعي تحكم “حماس” بها والسيطرة عليها، وتدمر مستشفيات بذريعة وجود قاعدة عسكرية فيها، ألا يجب أن يكون المستشفى نفسه حجة لعدم ضرب تلك القاعدة، “وإن وُجدت”؟

خلاصة، جميعنا يتفق بأن لا اعتراض على حكمة الله، وأنه يفعل ما يشاء لسبب مخفي، ولكن ما يشهده أهل غزة اليوم يدمع العيون ويشعل القلب غضبا من الكيان الصهيوني القاتل الشرير، فأين أنت إلهنا من كل ما تقوم به إسرائيل وقياداتها المتعجرفة؟ أين أنت من قتل الأبرياء والأطفال الخدّج؟ إذا غابت ضمائر البشر ولم يسعهم سوى الاستنكار، ضميرك وأمرك ورأفتك لا تغيب ونحن نعلم… فيطالب الآن عبادك بإغاثة الناس من شر سلطة احتلال قامت على التسلط والاستعمار منذ أكثر من سبعة عقود.