


انقلاب 2007.. الغزاويون لم يختاروا حماس
أبريل 22, 2024
A-
A+
كانت غزة قبل انقلاب حماس في العام 2007 تقع تحت نفوذ “السلطة الفلسطينيّة” الّتي تتشكلّ من السّلطة التنفيذية الّتي يمثّلها الرّئيس محمود عباس ومجلس الوزراء. ومن السّلطة التشريعيّة المؤلّفة من المجلس الوطني الفلسطيني، وهو مجلس من المفترض أن يُنتخَب أعضائه لكّنهم باتوا يُعيَّنون من قبل الأحزاب والأطراف الّتي يمثّلونها. بالإضافة إلى المجلس التشريعي الفلسطيني الّذي يُنتخَب أعضاءه ويضمّ 132 مقعدًا.
حصلت الإنتخابات التشريعية في العام 2006 بعد تعديل قانون يزيد عدد مقاعد المجلس التشريعي من 88 إلى 132، ويوازي بين التمثيلَيْن الأكثري والنسبي حيث يصوّت نصف الفلسطينيّون حسب التمثيل النسبي والنصف الآخر حسب التمثيل الأكثري.
كانت الإستطلاعات تشير حتّى وقت قريب من الإنتخابات أنّ فتح تستحوذ على النسبة الأكبر من أصوات الفلسطينيّين. فقد كان المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية قد أجرى إستطلاعَيْن للرّأي في أيلول العام 2005 يُظهِران تراوح نسبة التّأييد الفلسطيني لفتح بين 43% و50%، في حين حصلت حماس على نسبة تترواح بين 32% و25%. وفي إستطلاع أُجري قبل أيّام للإنتخابات، في كانون الثاني عام 2006، كانت نسبة التّأييد لفتح 39% ولحماس 31%.
في هذه الفترة، كان الصّراع بين قيادات فتح قد أضعف الحركة إلى حد كبير، وأدّى خلال فترات إلى إنقسامات جدّيّة لم يُنهيها إلّا الخوف المشترك من توسّع نفوذ حماس، كما حصل خلال الإنتخابات حين ظهرت عدّة لوائح لفتح ثمّ تداركت الأطراف الوضع وتوحّدت في لائحة واحدة، لكنّ الصّراع داخل فتح أدّى في نهاية المطاف إلى تململ المؤيّدين وفقدان الثّقة بالقيادات التي إنفصل بعضها عن فتح، وهذا الأمر سباب أساسي من أسباب إنتصار حماس.
وبخلاف كل الإستطلاعات، إنتهت الإنتخابات بفوز كاسح لحركة حماس بِ74 مقعدًا (29 حسب التمثيل النسبي و45 حسب التمثيل الأكثري)، في حين حصلت فتح على 45 مقعد (28 حسب التمثيل النسبي و17 حسب التمثيل الأكثري). وحصل مرشحو حماس على حوالي 44% من الأصوات، وفتح على 41%. مع العلم أنّ حماس وقتها حصلت على الأغلبية من الأصوات في 7 من أصل 11 دائرة في الضفّة، وعلى 2 من أصل 5 دوائر في غزّة.
بعد الفوز الكبير الّذي حققته حماس في الإنتخابات التشريعيّة، شكّلت الحركة حكومة من طرف واحد بعد أن رفضت فتح المشاركة في حكومة وحدة وطنيّة. لكن سرعان ما تمّ التّضييق على الحكومة الجديدة الّتي ترأّسها اسماعيل هنيّة من الخارج والداخل. وحصلت صدامات وإشكالات وحتّى إشتباكات بين فتح والسّلطة الفلسطينيّة من جهة، وحماس وحلفائها من جهة أخرى. ما أدّى إلى الإنقلاب، أو الحسم العسكري على قطاع غزة في منتصف حزيران العام 2007، حيث حُسِمت المعركة بنجاح وسرعة وسيطرت حركة حماس على القطاع.
شكّلت حماس ما يُشبه الدّولة الموازية في غزة حيث أسّست أجهزة أمنيّة جديدة ومؤسسات وحكومة خاصّة بالقطاع، ففصلت القطاع جغرافيا وسياسيًّا وإداريًّا وأمنيًّا عن الضفّة. وأصبحت الأجهزة والإدارات الجديدة تدار وفق عقيدة إسلاميّة متشدّدة وغير متعاونة لا مع اسرائيل ولا مع أجهزة السّلطة الفلسطينيّة. كما كان القطاع محاصرًا وبدأ يعيش صعوبات معيشيّة كبيرة رغم جهود حماس في توجيه مداخيل الضّرائب والرّسوم نحو الدّفع بإتّجاه الإكتفاء الذّاتي عبر تشجيع الإستثمارات المحليّة وخاصّةً في الزّراعة وإضفاء طابع الشّرعيّة على تهريب البضائع والوقود إلى القطاع.
ماذا تقول استطلاعات الرأي عن تأييد الفلسطينيين لحماس، الحرب، الهجرة وحل الدولتين؟
كان البارومتر العربي قد أجرى إستطلاعًا للرّأي في غزة والضّفّة الغربيّة قبل أيّام من معركة “طوفان الأقصى”، وهذه الإستطلاعات لم تصبّ في مصلحة حماس حيث أظهرت وجود إحباط لدى السّكان من عدم فاعليّة إدارة حماس لشؤون القطاع الّذي بات يرزح تحت فقر شديد، وبات يواجه أزمتَيْن إقتصاديّة ومعيشيّة حادّتَيْن. وجاءت الإستطلاعات على الشّكل التّالي: 30% من الفلسطينيّين يؤيّدون فتح مقابل 21% منهم يؤيدون حماس، في حين أيّد 12% من الفلسطينيّين القوى الأخرى، فيما 37% منهم لم يختاروا أي من القوى الموجودة على السّاحة الفلسطينيّة.
لكن بعد السابع من تشرين الأوّل، تغيّرت نتائج هذه الإستطلاعات حيث إرتفعت شعبيّة حماس أكان في غزّة أو الضّفة مقابل تراجع كبير للسّلطة الفلسطينيّة، وأظهرت توجّه أكبر نحو تأييد الكفاح المسلّح. ومع ذلك، لم يحز أي من هذه الأطراف، أكانت حماس أو فتح، على تأييد أغلبيّة الفلسطينيّين.
جرى استطلاع سُئل فيه المشاركون عن الجهة الّتي قد يؤيّدوها إذا جرت انتخابات تشريعيّة، فأتت الأرقام على الشّكل التّالي: 41% من المشاركين في الإستطلاع رفضوا الإقتراع لأيّ من الأطراف الحاليّة. أمّا ال59% الّذين سيشاركون فعلًا في انتخابات جديدة، فقد حصلت حماس على تأييد نصفهم تقريبًا.
هذه الأرقام تظهر بشكلٍ أو بآخر تململ الفلسطينيّون من الأطراف الحالية، فارتفاع التّأييد للعمل العسكري بعد الحرب طبيعيّ ويحصل مع كل توترات أمنيّة جديدة بين الفلسطينيّين واسرائيل. فتشير الإستطلاعات أنّ تأييد الغزّاويّين لحماس ينخفض مع إستقرار الأوضاع الأمنيّة وعندما يعود النّاس إلى حياتهم اليوميّة ومشاكلها وهي كثيرة في غزّة.
كما أنّ بعض استطلاعات الرّأي للمركز الفلسطيني تشير إلى رأي الفلسطينيّين من بعض القضايا، مثل أنّ التّأييد الفلسطيني لحلّ الدّولتَيْن يرتفع من 49% في العام 2020 إلى 51% في تشرين الأول 2023، ما يدلّ في الدّرجة الأولى على وجود رغبة كبيرة في الوصول إلى حلّ للقضيّة الفلسطينيّة، على عكس ما تتمنّاه كل من اسرائيل حماس بإبقاء الصّراع مشتعلًا. بالإضافة إلى إستطلاع أُجرِيَ في العام 2020 تشير إلى زيادة نسبة الراغبين بالهجرة في قطاع غزّة إلى 40% والرّقم قابل للإرتفاع، ما يعكس الإباط الموجود.
لا شكّ أنّ نسبة لا بأس بها من الفلسطينيّين تؤيّد حماس في غزّة، كذلك في الضّفّة، لكن هذا لم يمنع وجود نسبة أكبر من الفلسطينيّين لا تريد بعد الآن المجازر والحروب والدّماء والدّمار. ربّما زاد تأييد الفلسطينيّون لحماس مع إندلاع الحرب في 7 تشرين الأوّل وبدء ارتكاب المجازر بحقّهم، لكن هذا كلّه أتى نتيجة بيع حماس وهمًا بأنّ هجوم “طوفان الأقصى” هو معركة ضمن مشروع أكبر، وأنّ حلفائها سوف يدخلون الحرب لمساندتها على إنهاء الكيان الإسرائيليّ، إلّا أنّ المساندة أتت عبر تعريض جنوب لبنان للتّدمير، وعلى شكل مسرحيّة إيرانيّة نادرة في سماء الشرق الأوسط.
وإذا كانت الحرب اليوم تطغى على الشاشات والنّفوس والعقول، فضلًا عمّا يتبعها من تجييش للغرائز والعواطف، فإنّ الفلسطينيّين بدأوا يشعرون أنّ الإنتصار التّالي سيكون أيضًا مجرّد كلام يُطلَق على المنابر وفي الخطب، وسيحصلون مجدّدًا على قطاع مُدمَّر ومقابر يزورونها وإتّفاقيّة تشبه سابقاتها، ومزيد من سيطرة التطرّف والجوع والفقر والجهل والموت.
الأكثر قراءة
- رقصة اولى حولها القدر الى الرقصة الاخيرة: نزيف الأقليّات مستمرّ فانيسا حبيب
- في خدمة الحريّة: مستمرون في مواجهة الهمجيين والبلطجيين والميليشيا محمد الغزاوي
- عن التروما التي تعشقنا وتحاول قتلنا كارل حدّاد
- مجموعة “بريكس” تتوسع: هل ينتهي عصر الدولار؟ رَهادة الصميدي