جبران باسيل في العام 2023… “كف ورا كف”

يناير 1, 2024

A-

A+

على وَقْع الأجواء التي بَدَتْ مُتوتّرة خلال الشهر الماضي مع اقتراب بداية العام الجديد الذي كان يحمل في مطلعه موعد انتهاء ولاية قائد الجيش العماد جوزف عون، كان رئيس التيّار الوطنيّ الحرّ يُحَرّك كلّ سبيل لعدم بقاء قائد الجيش في منصبه، وذلك لَم يَعُد مخفيًّا على أحد. إلا أنّ مجلس النواب كان قد أقرّ في 15 كانون الأوّل قانونًا يقضي “بتمديد السن القانوني لتقاعد قادة الأجهزة الأمنيّة”، ما أوصلَ النقّمة الباسيليّة إلى أشدّها خاصّة مع أخذِهِ على عاتِقِهِ مهمّة إسقاط العماد.

يعود الخلاف بين قائد الجيش وجبران باسيل إلى الأيّام الأولى مِن ثورة 17 تشرين، حيثُ أراد باسيل توجيه العصا العونيّة على المُتظاهرين، في حين كان جوزيف عون يحاوِل استخدام عصا الجيش الّتي بدَتْ أكثر إعتدالًا ومحايِدة، رُغم بعض الإخفاقات “الطّبيعيّة” خلال تلك الأجواء الفوضويّة والمشحونة في البلاد.

اعتبر باسيل حينها أن قيادة الجيش ليست بإمرتِه، وكانت كلمة قائد الجيش بعد شهر من الثّورة في 17 تشرين الثاني عام 2019 خير دليل على محاولة الجيش التصرّف مع المستجدّات بحرفيّة وحياديّة رغم التدخّلات وخاصّةً الباسيليّة؛ ومن دون مغامرات بالجيش أو وضعه في مآزق كبيرة بحيث علت أصوات بعض المتحمّسين لإنقلابٍ يضع العسكر مكان الحكومة.

ثمّ ظهر الخلاف بين الرّجُلَيْن أكثر فأكثر مع توتّر الأجواء بين قيادة الجيش ووزارة الدّفاع التي يبدو أنها مستمرّة في ظلّ محاولة رجل باسيل في الوزارة التّضييق على قائد الجيش، واتّخاذ الأخير قرارات مخالِفة للقانون برّرها في كلمة له منذ تسعة أشهر بأنّ “القوانين ستُخرق في سبيل أن يأكل العسكري وأن ينفذ الجيش مهمّاته”.

في الحقيقة، ليست الخلافات مع قائد الجيش شخصيّة أو انتقاميّة، بل هي نتيجة تمسّك باسيل بدرب البقاء في السّلطة من خلال “جماعته” أو أشخاص يؤدّون له الطّاعة، فقد كرس العام 2023 عام فشله على مختلف المستويات. فصورة باسيل ونفوذه تزعزعا أكثر فأكثر، وأصبح من الضّروري تدخّل ووُجود الرّئيس السابق ميشال عون، الّذي قارب التّسعين عامًا، في اجتماعات ومناسبات التيّار لصدّ أصوات “قليلي الوفاء” على حدّ تعبير باسيل. أمّا على صعيد البلاد، فمن المؤكّد عدم قدرته على التوصّل مع قوى المعارضة إلى أكثر من تقاطع مصالح كما حصل مع ترشيح جهاد أزعور، وهو تقاطع استفادتْ منه المعارضة بينما أصاب تفاهم “مار مخايل” في العُمق، حيث أظهر باسيل لحليفه حزب الله استعداده للتخلّي عن كل ما تمّ استثماره في هذه العلاقة منذ العام 2006 إذا استمرّ الأخير بدعم فرنجيّة. وفوق كلّ ذلك، لا شكّ في أنّ باسيل يُعاني من تراجع الدّعم الشّعبي له حتى في صفوف العونيّين والتيّار، ويقتصر الدّعم له على الباسيليّين وهم عبارة عن مُستفيدين، أو هم كتلك المجموعات الّتي تبقى تابعة لزعمائها رغم إخفاقاتها المتكرّرة والّتي ستؤدّي على الأغلب إلى نهايات غير سعيدة.

يبدو أنّ لا مصلحة لباسيل في جوزيف عون قائدًا للجيش أو رئيسًا للجمهوريّة، ولا مصلحة له في أيّ شخص “لا يسمع كلمته” أصلًا. وكان قبول حزب الله بتسوية التّمديد لقائد الجيش، وما يؤكّد ذلك وصول القانون إلى مرحلة التّصويت عليه في مجلس النوّاب، هو طعنة لمُخطّطات باسيل الذي يريد إبعاد قائد الجيش عن المشهد ولو كلّف ذلك وصول البلاد إلى مجهول أمنيّ.

ممارسات باسيل هذه أشبه بمعارك مع طواحين الهواء، ويبدو أنّها ستستمرّ في العام الجديد إلى حين التوصّل إلى التسوية المرجوّة والّتي ستوصل الرّئيس العتيد إلى بعبدا وتضع أسس المرحلة المقبلة، ومن المفترض أن يحاول باسيل حينها البحث عن حصّته في تلك التسوية على أمل إسترجاع ما خسره خلال السنوات الماضية من شعبيّة وتحالفات وعلاقات وثقة ومصداقيّة وسلطة.