جبران تويني: الذكرى الأولى

ديسمبر 12, 2024

A-

A+

“نعم… المقابر الجماعيّة جرائم ضدّ الإنسانيّة”


هذا كان مقالك الأخير قبل أن يغتالك المسؤولون عن هذه المقابر الجماعية. في هذا المقال، توجهت إلى “الوزير المتذاكي” فاروق الشرع، وزير خارجية سوريا آنذاك، وتحدثت فيه عن دور النظام السوري في التستر على الجرائم التي ارتُكبت بحق الأبرياء.

كان مقالك بمثابة شهادة جريئة وضعتَ من خلالها النقاط على الحروف، وأشرت إلى التواطؤ الصارخ بين النظام وحلفائه في التغطية على هذه المجازر الجماعية.
استخدمت لغة حادة وقوية، إذ كتبت: “إن مقابر عنجر الجماعية مسؤول عنها النظام السوري وحده.”

بجرأة قلمك وأسلوبك المناهض للظلم، قمت بتفكيك الروايات الرسمية واحدة تلو الأخرى، وتساءلت كيف يمكن لوزير مثل هذا، الذي يُعرف بلقب “المتذاكي”، أن يظل نائمًا بسلام بينما آلاف الأرواح تنادي بالعدالة من تحت الأرض.


كان المقال نقطة تحول، حيث لفت أنظار العالم إلى وحشية جرائم النظام في سوريا، لكنه جعلك هدفًا لأولئك الذين يرفضون سماع الحقيقة. في صباح اليوم التالي، بينما كنت تقود سيارتك من منزلك في بيت مري إلى مكاتب جريدتك في ساحة الشهداء في بيروت، وقعت الجريمة الإرهابية التي أودت بحياتك على يد جبناء، تاركةً قلمك شاهدًا أبديًا على الكلمة الحرة التي لا تموت.

في ظل التحولات السياسية التي شهدتها سوريا مؤخرًا، برزت أحداث مدوية مأساوية أعادت إلى الأذهان أهمية صوت الصحافة الحرة التي خلدت قصتك. النظام الذي انتقدته في مقالك الأخير قد انهار، وجاء سقوطه نتيجة لتقدم قوات المعارضة التي دخلت دمشق وأطاحت بالسلطة بعد عقود من الحكم القمعي.

مقالك الأخير لم يكن مجرد كلمات على الورق؛ بل أصبح عنوانًا للحقائق المخفية، وتوثيقًا لجرائم تم تجاهلها طويلًا. ومع استعادة السيطرة من قبل المعارضة، ظهرت أدلة جديدة أكدت ما كتبته، بما في ذلك صور تثبت وجود المقابر الجماعية التي أنكرها الوزير المتذاكي ومن خلفه النظام.

رغم اغتيالك، بقيت مقالتك الأخيرة رمزًا للمقاومة ضد الظلم. سقوط النظام اليوم، بعد عقود من الحكم القمعي، أثبت أن الحقيقة قد تتأخر، لكنها لا تُهزم أبدًا.
في دمشق اليوم، حيث انتهى عصر الاستبداد. كلماتك، التي دفعت حياتك ثمنًا لها، أصبحت جزءًا من ذاكرة الأجيال التي ترى فيك رمزًا للصحافة الحرة والشجاعة.

اغتيالك لم يكن النهاية، بل البداية. سقوط نظام الأسد الديكتاتوري الظالم، بعد عقود من القمع والترهيب، لم يكن مجرد حدث سياسي، بل شهادة على قوة الكلمة وجرأة الحقيقة. المقال الذي كتبته بدمك كان إعلان حرب على الظلم، وقد استيقظ الشعب السوري ليجد أن الطغاة ليسوا خالدين، وأن الصوت الحر، وإن خُنِق مؤقتًا، سيعود ليصرخ بقوة.

لبنانك الحبيب يا جبران سقطت دويلته التي كانت مرتزقة النظام السوري الذين كانوا سوياً دمى لجمهورية إيران الإسلامية، وبدأ اللبنانيون يستعيدون الأمل في لبنان لطالما حلمت به ومتَّ لأجله.


يوم سقط هذا النظام توافد اللبنانيون إلى ساحة الشهداء واحتفلوا بسقوطه ورددوا قسمك بصوت أعلى وأقوى في نفس المكان الذي أطلقته فيه في ١٤ آذار ٢٠٠٥: “نقسم بالله العظيم مسلمين ومسيحيين أن نبقى موحّدين إلى أبد الآبدين دفاعًا عن لبنان العظيم… عشتم وعاش لبنان”