هل يتخلى حزب الله عن سلاحه إذا نشأت دولة فلسطين؟

يناير 24, 2024

A-

A+

في لبنان مَثل لطالما رددّه اللّبنانيّون “لا شجرة تصل عند ربّها”، وهكذا التّاريخ، فلا حضارة أو إمبراطوريّة أو دولة أو جماعة إلّا أن اندثرت عاجلًا أم آجلًا، وإن بقيت فهي لم تحافظ على مجدها. من هنا يتسائل اللّبنانيّون: إلى متى سيبقى حزب الله بشكله الحالي؟ أي العسكري الأمني الإقليمي المُسيطِر على لبنان والتّابع لجمهوريّة إيران الإسلاميّة.

منذ ظهور حزب الله العلنيّ على السّاحة في أوائل ثمانينيّات القرن الماضي، كان قد بدأ بعمليّاته العسكريّة ضدّ الإسرائيليّين، إلّا أنّه منذ أيّامه الأولى أيضًا أظهر نيّته في التوسّع والسيطرة على السّاحة الدّاخليّة وكانت المحطة الأهمّ في هذا المسعى معاركه ضدّ حركة أمل، حيث كان لا بدّ من تثبيت نفسه على السّاحتَين الشّيعيّة واللّبنانيّة.

إستغلّ حزب الله الحرب الأهليّة والوجود العسكريّ الإسرائيليّ ليستقطب الشّباب الشّيعة في لبنان، وساعدته إيران بالتّدريب والسّلاح والمال؛ فهي الّتي أعلنت بلسان قائدها الخامنئي هدف تصدير الثورة إلى كل بقعة يمكن الوصول إليها، ولا مكان أفضل من لبنان الواقع على البحر الأبيض المتوسّط، والغارق في الحروب، والّذي يحتوي على نسبة كبيرة من الشّيعة الإثني عشريّين. فكان حزب الله آلة جذبٍ لهؤلاء اللّذين وجدوا فيه سندًا وحاميًا ومرجعًا دينيًّا، وأهمّ من كلّ ذلك، مصدرًا لقوت العيش.

منذ ذلك الوقت، نجح الحزب في بسط نفوذه في المناطق ذات الأغلبيّة الشّيعيّة، وبات كل من يُحاول التضييق على إيران الطموحة إقليميًا عدوًّا أساسيًّا له. من أجل ذلك، كان عليه المحافظة على سلاحه فاستند الحزب على حججٍ عدّة أهمّها ثلاثة بات يعرفها اللّبنانيّون. الأولى هي محاربة الوجود الإسرائيليّ في الجنوب ما مكّنه من التمسّك بسلاحه بعد توقيع إتّفاق الطّائف وإنتهاء الحرب الأهليّة مع بداية التّسعينيّات. ثمّ أصبحت المناطق المحتلّة في الجنوب هي حجة بقاء سلاحه منذ إنسحاب إسرائيل في العام 2000، خاصّةً أنّ السّوريّين لم يتعاونوا حتى اليوم لتأكيد ملكيّة هذه الأراضي. وثالثًا، لا حجة أفضل من دعم القضيّة الفلسطينيّة حيث كان واضحًا أنّ هذه القضيّة ستبقى من دون حلّ إلى أجل غير معروف، إلى أن بدأت عمليّة طوفان الأقصى في تشرين الأوّل الماضي.

بدأ الحديث اليوم عن خريطة جديدة للشرق الأوسط تُبحث في كواليس الدّول العظمى والإقليميّة، ربما خريطة ستتضمّن دولة فلسطينيّة تكون فرصة لسلامٍ على أرض الواقع في شرقيّ المتوسّط، حيث يَفرض قبول الفلسطينيّين بها، وبينهم حماس إن بقيت، أمرًا واقعًا على كلّ من تبنّى القضيّة منذ العام 1948، وعلى قاعدة “إذا القاضي راضٍ”، لا يعد يحقّ لأيّ طرف وضع نفسه كمحامٍ لقضيّة لن تعود موجودة أصلًا. وهكذا حزب الله، الّذي سيصبح بموقع ميليشياويّ بإمتياز بدل صورة المُقاوم، وهي صورة أصبحت باهتة وضعيفة وغير مُقنِعة خلال السنوات الأخيرة. بالإضافة إلى ذلك، أظهر الحزب خلال الأشهر الأربعة الماضية أنّ هذه القضيّة لا يمكن أن تفرض عليه معركة حسب توقيتها، فقد يساندها حسب قواعد إشتباك لن يخرقها ولو فعلت ذلك إسرائيل، إلّا أنّ الحرب الشّاملة لن يفتحها هو من أجل غزّة، بل من أجل مصالح الجمهوريّة الإسلاميّة حصرًا.

من هنا، وإذا افترضنا أنّ نهاية الحرب في غزّة ستحمل إنشاء دولة فلسطينيّة وتطبيق القرار 1701، وحلّ مسألة الأراضي المحتلّة في جنوب لبنان، هل يضع حزب الله في أجندته تسليم سلاحه مقابل هذه التّسويات الكبرى المنتظرة؟

في الحقيقة، سلاح حزب الله لا يمكن أن يستمرّ من دون دعم الجمهوريّة الإسلاميّة، لذلك فإنّ قرار بقائه مرتبط بمدى قدرة طهران تجنيب وضعه على طاولة المفاوضات مع الولايات المتّحدة، فكلّ التوتّرات الحاصلة من جنوب لبنان إلى البحر الأحمر فسوريا والعراق ما هي إلّا ضغوط تحاول إيران ممارستها بينما يتوضّح مسار الحرب في غزّة وتُفتح أبواب التسويات على مصراعيها إن لم يؤدّي ذلك إلى تصعيد غير مُتوقّع. فكلّ هذه الأحداث الّتي نشهدها هي عمليّة شراء وبيع لا نعرف متى يأتي التوقيع الأخير عليها، لذلك تستعرض إيران قدراتها على تعطيل الملاحة الدوليّة قرب باب المندب، والتحرّك ضدّ القواعد الأميركيّة في العراق وسوريا، وضدّ إسرائيل جنوب لبنان، موَضّحة في تلك العمليّات أنّها ليست من أجل الوصول إلى حرب شاملة، بل من أجل تثبيت قدراتها على طاولات المفاوضات. لذلك، لا يمكن معرفة حتّى الآن مدى إستعداد إيران للتخلّي عن سلاح الحزب ومقابل ماذا.

سلاح الحزب أصبح عبئاً على اللّبنانيّين الطّامحين في دولة حقيقيّة، وأصبحوا يراهنون على تسوية إقليميّة ما تطيح بهذا السّلاح، والكلّ ينتظر إن كان الثّمن لبنانيًّا داخليًّا، أم إقليميًّا متعلّقًا بأوراق إيران الأخرى، وبدأت بعض الأصوات المُعارضة للحزب تعلو وتصرّح أنّ أي تسوية لن يقبلوا أن تكون مجدّدًا على حساب اللّبنانيّين ورغبتهم في إقامة دولة فعليّة في يوم من الأيام، وهذه التّصاريح تكون تصعيديّة أحيانًا كتلك الّتي تدعو إلى الطّلاق و الفدراليّة وأن يحكم الحزب بمنطقه وسلاحه في مناطقه وليس على دولة مركزيّة يبسط سيطرته عليها.

أخيرًا، إن كان لا بدّ لبقاء سلاح الحزب، فإنّ الحجّة لن تكون صعبة الإختراع، من بينها أنّ إسرائيل دولة لا يمكن الوثوق بها وأنّ الثروات الطبيعيّة في لبنان يجب أن يكون لها حرس دائم لديه قدرات عسكريّة “كبيرة”، أو أنّ القضيّة الفلسطينيّة لم تنته بعد لأيّ سببٍ كان. ففي الحزب خبراء في تضليل الرّأي العام، والتبرير سيُصاغ وقتها وغبّ الطّلب.

نحن في إنتظار ما ستؤول إليه الأوضاع في غزّة، وما ستحمله التسويات المقبلة وما سيتنازل عليه أو يكتسبه كل طرف من الأطراف، أو ربما قد تندلع حرب بشرارة غير محسوبة والمشهد مفتوح على كل الإحتمالات.