دايلي تليغراف: الحزب وكيل سيبراني للقوة الأيديولوجية الإيرانية

نوفمبر 2, 2022

A-

A+

تطور “حزب الله” اللبناني على مدى العقد الماضي إلى واحد من أبرز الفاعلين في الساحة الإلكترونية العالمية اليوم، بعدما كان الحزب الذي أنشئ العام 1982 بدعم من الحرس الثوري الإيراني، عاملاً في كسر عزلة طهران وتوسيع بصماتها في الشرق الأوسط، كونه منبراً استطاعت من خلاله إيران نشر تأثيرها وعقيدتها في المنطقة، وإطالة استراتيجياتها غير العسكرية.

وعادة ما يوصف التعاون مع لاعب غير حكومي بأنه دولة داخل دولة، حيث الاعتماد على شبكاته بطريقة تملأ الفراغ ما بين الجهود الرسمية والوصول إلى الشباب والمستهلكين والساسة وصناع الرأي في لبنان والشرق الأوسط. وباعتماد طهران على حزب شيعي لتكبير صدى رسالتها في الشارع العربي، فإنها عوضت ضعف إيران في العوالم التقليدية، وخلق حدود افتراضية مع إسرائيل، وتحدي السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي، وفي العمق الإستراتيجي لها، حسبما أشارت مجلة “ناشيونال إنترست”.

وفي هذا السياق، مزج “حزب الله” بين الأساليب التكنولوجية النفسية المتقدمة وطرق الحرب غير النظامية، مقدماً استراتيجية تأثير متعددة الأوجه، بشكل ساعده في نشر تأثيره، من دون الحاجة للمواجهة العسكرية المباشرة مع أعدائه الأقوياء. واستلهم الحزب أساليبه بدعم من إيران، محولاً أساليب الضغط من حرب الشوارع وميادين الحرب نحو المواجهات مع خصومه الغربيين.

وبعد استخدامه كمساعد في حرب العصابات، أسهمت إيران في تطور الحزب إلى وكيل سيبراني قادر على تكبير القوة الأيديولوجية الإيرانية. وعلى مدى السنين، تطورت هذه القوة الخطيرة لكي تصبح واحدة من أبطال العالم السيبراني المهمين.

وفي سياق “حزب الله”، ركزت سياسة التواصل الدينية الإيرانية على نشر الرسائل المؤيدة للنظام، من خلال المساجد والحسينيات، وشبكات الإعلام المرتبطة بالجمهورية، مثل “هيئة الإذاعة للجمهورية الإسلامية”. وواحدة من أهم القنوات المرئية في الدبلوماسية الموجهة للتجمعات الشيعية المحلية العربية، هي قناة “العالم”، التي قدمت للناطقين الشيعة العرب الأخبار المؤيدة لإيران. وتم إنشاؤها العام 2003، خلال الغزو الأميركي للعراق بمكاتب في كل من طهران وبغداد وبيروت.

كما ظهرت قناة “المنار” العام 1991 التي وضعت نفسها في مركز دعاية إيران بإدارة “حزب الله” وداعميه الإيرانيين. وعبرت القناة عن هدفها في صفحتها في الإنترنت بأنها أول قناة عربية تهدف لشن حرب نفسية ضد العدو الصهيوني. وكان العائدات بالنسبة لطهران كبيرة، حيث تحولت “المنار”، قناة وكيلة لبث الرسائل الإيرانية الأيديولوجية. ولدعم الشراكة، تم في تشرين الأول/أكتوبر الماضي إنشاء “المنظمة الوطنية للدفاع السلبي” وهي منظمة إلكترونية للنخبة، بهدف نشر المصالح الإيرانية، وتنظيم “الوسائل غير الفتاكة”، بما في ذلك الأعمال النفسية واستخدام القنوات الإعلامية، وفقاً لـ”ناشيونال إنترست”.

وأصبحت “منظمة الدفاع السلبي” تعمل كجزء من عجلة التأثير الإيراني مع “حزب الله” لنشر “عقيدة المقاومة في المنطقة”. وبهذه الطريقة، أتقن “حزب الله” وقنواته الفضائية فن الدبلوماسية العامة، لإثارة مشاعر السكان العرب ضد واشنطن، لدرجة أن الكثير من المراقبين الأميركيين ربطوا، في العام 2002 (بعد أحداث 11 أيلول)، المشاعر المعادية لأميركا بما تبثه الدعاية الإيرانية وقناة “المنار” تحديداً من رسائل معادية لواشنطن.

والحال أن الحرب التي استمرت 33 يوماً بين الحزب وإسرائيل العام 2006 مثلت نقطة تحول في الشراكة الإعلامية بين الحزب وإيران، حيث ساعدت الحرب الحزب في تحقيق انتصار رمزي على إسرائيل وجيشها، وهو انتصار تحقق في الإعلام والفضاء الإلكتروني. وقال رون شيفر من جامعة “أرييل”: “كيف فرضت قوة من مئات المقاتلين إرادتها على أكبر قوة عسكرية في المنطقة”. ورأى أن المواجهة بين الحزب وإسرائيل هي أوضح مثال عن الحرب النفسية غير المتكافئة. وهي مثال على قدرة طرف ضعيف التوازي مع قوة ضاربة وأخذ المبادرة منها.

واستفاد الحزب من نظام الحرب النفسية القوي الذي أشرفت عليه وحدة التجسس، وعملت على نشر الصور المؤثرة على السكان المحليين وفي المنطقة والمشهد الدولي. ولعبت قناة “المنار” التي تعدّ مركز الحرب النفسية للحزب، دوراً حاسماً، حيث كانت أول قناة تعلن خطف الجنديين الإسرائيليين، وأول من استضاف الأمين العام للحزب حسن نصر الله، عندما قال: “نحن نقترب من النصر”.

وفي غضون شهر، تحول الحزب من جماعة إسلامية مسلحة إلى أهم حركة “مقاومة ضد الصهيونية الإمبريالية”، والفضل يعود لآلة الدعاية التي قدمتها “المنار”.

وكشف تقرير للشركة التكنولوجية البريطانية “سمول ميديا”، أن إيران زادت من استثماراتها في الأمن الإلكتروني بنسبة 1200% بين العامين 2013 و2015. وانسحبت النفقات الكبيرة على الحرب الإلكترونية على “حزب الله” الذي زاد من استثماراته وجهوده من “أجل قدراته الإلكترونية”. وكشفت شركة التهديد الاستخباراتي الإسرائيلية “تشيك بوينت سوفت وير” العام 2015، عن ولادة “جيش حزب الله الإلكتروني” وشن حملة “الأرز المتطاير”، بهدف اختراق البرمجيات الإسرائيلية والغربية، وهي حملة متقدمة نظراً للتعاون بين جيش “حزب الله” والحرس الثوري الإلكترونيين.

وفي منتصف العام 2010 اكتشف قادة “حزب الله” وهم يقومون بنشاطات تجسس وتخريب إلكترونية تقليدية، أنهم يستطيعون الاستفادة من منصات التواصل الاجتماعي لنشر التأثير. وقدمت شركات “فايسبوك” و”تويتر” و”واتساب” و”سيغنال” و”تليغرام” التي انتشرت بشكل واسع، الفرصة لجيش “حزب الله” الإلكتروني، كي يجمع ويرتب وينشر المعلومات، ويقدّم نفسه “جبهة مقاومة” ضد الولايات المتحدة والسعودية وإسرائيل. واستخدم الحزب، الممنوع من فتح حسابات باسمه في هذه الشركات، حسابات لقناة “المنار” مثل حسابها في “تويتر” الذي زاد عدد المعجبين به إلى نصف المليون.

وسرعان ما توسعت عمليات الجيش الإلكتروني لنشر الرسائل عبر خلايا أجنبية، والتي إن كانت ساكنة وبعيدة من النظر، إلا أنها نشطة وفاعلة في العالم السيبراني. وأصبح الملصق والإذاعة والكتيبات أمراً من الماضي. ورغم وصول تكنولوجيا الأمن الإلكتروني لـ”حزب الله” إلى درجة “النضج”، إلا أن جيش الحرس الثوري الإيراني الإلكتروني مستمر في تقديم المواد والمحتويات والدعم المادي والمعنوي لجيش الحزب.

ويستخدم جيش “حزب الله” الإلكتروني، وجوده في الإنترنت للقيام بعمليات تجنيد لكوادره وليس فقط للقوة الناعمة. وينظم الجيش مؤتمرات ومعسكرات في لبنان، حيث يتم تدريب الأجانب على أساليب التضليل والتأثير الإلكتروني، حسبما ذكرت صحيفة “دايلي تليغراف” البريطانية في آب/أغسطس الماضي. وإلى جانب التدريب على الحروب الإلكترونية، فإن الهدف هو بناء “مزارع ذباب إلكتروني”، والانضمام لتحالف رقمي إلى جانب “حزب الله” وإيران. وبعد نهاية التدريب، يُرسلون إلى دول أخرى مثل اليمن حيث يستفيد الحوثيون من الخبرات، وإلى العراق للعمل مع مشغلي “كتائب حزب الله” وعددهم 400، حسب المصادر الأميركية.

ولا تقتصر جهود جيش الحزب الإلكتروني على الشرق الأوسط، بل انتشر عالمياً لمواجهة حملات إلكترونية أميركية وأوروبية، والاستفادة من الاستقطاب داخل الدول، وتقويض ثقة الناس في الديموقراطية. وقاد “حزب الله” وإيران حملات إلكترونية ضد إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب. ويشك بقيامها بحملات تأثير في غرب أفريقيا، مثل مالي وغينيا وبينين وموريتانيا.