


تشييع نصرالله عودة الشيعة إلى الدولة
فبراير 25, 2025
A-
A+
يجبرك يوم تشييع الأمينين العامين السابقين لحزب الله حسن نصرالله وهاشم صفي الدين على الصمت أولًا وعلى وضع هاتفك بعيدًا، لتتفحص المشاهد والوقائع بهدوء وموضوعية بعيدًا عن أي خلاصات واستنتاجات ملتهبة وحارقة، ولعلّ حرمة الموت والأخلاقيات الإنسانية هي المحرض الأول على اعتناق الصمت، وكذلك قول المعرّي: “لا إمام سوى العقل” هو السبب الجوهري لمشاهدة التشييع على شاشة كبيرة ببرود وهدوء وعقلانية.
لم يكن التشييع مجرد تأبين لقائدين عظيمين في عيون جمهور الحزب ومحور الممانعة، الخارج من نكسة لطالما اعترف بها الأمين العام الحالي للحزب نعيم قاسم في غير خطاب، وأتبعها بعبارات الانتصار والصمود، بل هو رسالة سياسية حاول الحزب – بصرف النظر عن نجاحه أو إخفاقه – تمريرها تحت عنوان “نحن ما زلنا هنا”.
مشهد التشييع والجماهير المبللة بالدموع والحسرة، والتي بدأت تخرج بدءًا من الأمس من حالة إنكار استشهاد نصرالله إلى حالة ما بعد الحرب والخطاب المرتقب، فهل عادت الطائفة الشيعية إلى الدولة؟
الجماهير… وعبثية السجال على الأرقام
سواء فشل حزب الله في حشد العدد غير المتوقع أم نجح، الثابت أنّه حشد “رأسماله الشعبي” فقد خرج الحزب الذي انخرط جديًّا في الحياة السياسية بعد توقيع اتفاق الطائف محافظًا على رصيده الشعبي دون خسارة أو فوز، ولأنّ لعبة الأرقام التي بدأت بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه قد وصلت إلى طريق مسدود، فإنّ جلّ التركيز ينسحب على دقة الحزب في احتواء مناصريه وتحويل المناسبة من عرس تشنجيّ يسوده الشرخ في القيادة والضبط كما حصل على الرينغ وطريق المطار إلى احتفاء مهذب ودراماتيكي بوداع أمينين عامين لطالما طبعا تأثيرهما في الذاكرة الجماعية الشيعية، والحقّ أنّ اختيار مدينة كميل شمعون الرياضية بسبب طبيعتها اللوجستية الملائمة أتى أيضًا كرسالة سياسية على رغبة الحزب في أن يكون في كنف الدولة، فالمدينة التي حملت اسم الزعيم اليميني الذي غازل لسنوات واشنطن والتي خلت من أي مظاهر مسلحة تعمّم الترهيب تعني أنّ الحزب بدأ تدريجيًّا يلقّن جمهوره فكرة تواجده على سلّم الحزن، والخروج من الإنكار نحو الغضب والمساواة والاكتئاب ومن ثم القبول بأن يكون ضمن التركيبة اللبنانية الخالصة.
قاسم… وصدمة الغياب
جلّ تركيز الجمهور كان على نعش الأمينين، وما ترافق مع الشاحنة الحاضنة لهما من اقتباسات صوتية من خطاب نصرالله الأخير الذي اعتبره ثلة من المراقبين رثاء مبكر لرجل تربّع على الأمانة العامة 32 عامًا.
الجمهور الذي كان على وسائل التواصل الاجتماعي في حالة دفاعية عدائية يرفض الانتقاد أو حتى التشكيك بالرقم الراصد لعدد الجمهور الذي وزع عليه “مليون ونصف المليون”، كان ينتظر خروج أمينه العام الحالي الشيخ نعيم قاسم، تمامًا كما كان يفعل السيّد نصرالله في بعض مراسم إحياء ذكرى عاشوراء.
غاب قاسم وظهر في كلمة على الشاشة متحدثًا عن “قبول الحزب بطلب إسرائيل وقف النار” وفي الوقت عينه وصف المعركة في نهايتها بالعبثية، ليتابع بأن الحزب أدى واجبه بمحاربة إسرائيل وعلى الدولة إعادة الإعمار.
قاسم الذي أعلن دخول الحزب تحت سقف الدولة وفقًا لاتفاق الطائف، لم ينتبه أنّ عددًا من الجماهير بدأ تدريجيًّا بالانسحاب من الملعب باتجاه الطريق المؤدية إلى المرقد وسط التحليق المنخفض للطائرات الحربية الإسرائيلية ليضيع قاسم فرصة مشاهدة جمهوره الذي صمد في الميدان بشجاعة.
يبدأ حزب الله اليوم مساره السياسي والوجودي على صفحة جديدة، ومن المبكر الحديث عن نهاية الحزب خصوصًا وأن لبنان على قاب قوسين أو أدنى من ثلاثة استحقاقات جوهرية ومصيرية: ثقة الحكومة، الانتخابات البلدية والاختيارية، والانتخابات البلدية…لكنّ ذكر قاسم لاتفاق الطائف وللدولة مرتين على الأقل يؤكد أنّ الحزب بدأ جديًّا يفكر بخيارين إما البقاء في نوستالجيا اتفاق الدوحة أو العبور نحو الدولة.
الأكثر قراءة
- رقصة اولى حولها القدر الى الرقصة الاخيرة: نزيف الأقليّات مستمرّ فانيسا حبيب
- في خدمة الحريّة: مستمرون في مواجهة الهمجيين والبلطجيين والميليشيا محمد الغزاوي
- عن التروما التي تعشقنا وتحاول قتلنا كارل حدّاد
- مجموعة “بريكس” تتوسع: هل ينتهي عصر الدولار؟ رَهادة الصميدي