الوقت ينقلب على حزب الله: أطال المعركة فخسر ما كسبه

سبتمبر 19, 2024

A-

A+

دخل حزب الله في المعركة من باب دعم غزة، وضمنيّاً بهدف تحصيل مكاسب على الأرض وأوراق تفاوضيّة من خلال إثبات أنّ إيران قادرة عبر أذرعها على خضّ الداخل والشمال الإسرائيليين. لكن مع استمرار الحرب ووضع إسرائيل خطّة “إعادة سكان الشمال إلى منازلهم” و”إبعاد الحزب عن الحدود” كهدفَين أساسيَّين من أهداف الحرب وتنفيذهما بأية وسيلة ممكنة، أدخل الحزب نفسه ولبنان اليوم في مأزق كان بإمكانه تجنّبه، حيث لم تعد إسرائيل تكتفي بالردود العسكريّة السابقة حسب “قواعد الإشتباك”، بل قامت بتوظيف إمكانياتها الإستخباراتية والتكنولوجية الهائلة ما وضع الحزب اليوم في حالة ارتباك وخاصّة بعد عمليّتَي الأمس واليوم، اللّتان تظهران خرقًا أمنيًّا غير مسبوق.

فمنذ انطلاق عملية “طوفان الأقصى”، وضع حزب الله نفسه في قلب مواجهة جديدة مع إسرائيل في سياق حاول فيه توسيع دائرة المعركة عبر الجنوب اللبناني، حيث اعتبر أنّ “إشغاله” لقسم من القوة الإسرائيلية على الجبهة الشمالية سيكون بمثابة دعم لحماس. لذا قام بفتح جبهة أخرى تهدف إلى إستنزاف موارد إسرائيل وتهجير سكان شمالها. إلّا أنّ التطوّرات الأخيرة، ولا سيّما الخروقات الأمنيّة المتكرّرة الّتي بلغت ذروتها خلال اليومَين الأخيرَين بعمليّة أمنيّة وُصِفَت بِ”إغتيال جماعي” وجريمة حرب عبر تفجير الآلاف من أجهزة اتصالات يستخدمها الحزب، أدّت إلى الكشف عن نقاط ضعف في بنيته الأمنيّة وإلى خسائر فادحة في صفوفه ووقوعه في أزمة كبيرة.

إنّ تفجير أجهزة ال”Pager” وال”ICOM V82″ قد أظهر مدى التفوق الإسرائيلي في مجال الحرب الإستخباراتية والتكنولوجية، ولم يكن للضربة خسائر بشرية ومادية فقط، بل شكّلت هزّة معنويّة للحزب حيث أسفرت عن سقوط حوالي العشرين شهيدًا وآلاف الجرحى والمصابين، بينهم شخصيّات وقياديين. فكان لها أثرًا كبيرًا على البنية التنظيمية والأمنيّة لحزب الله على جميع الأراضي اللبنانيّة، وأظهرت مدى الاختراق الإسرائيلي لعتيد وعتاد الحزب الّذي تحوّلت جهوده باتجاه لملمة الجراح وفحص معدّاته وانتظار مفاجآت محتملة.

كان بإمكان حزب الله أن يتعامل مع الوضع بمرونة أكبر، وخاصّة بعد إعلان إسرائيل إنتهاء “عمليّتها” في غزّة الشهر الماضي، إذ كان يمكن أن ينهي المعركة في الجنوب مُحقِّقًا بعض المكتسبات ومُثبِّتًا بعض قواعد الإشتباكات، لكن يبدو أنّ هذه الفرصة ضاعت، وأصبح لبنان في مهبّ الرّيح وحزب الله في موقع حرج جدًّا مع وقوعه في فخّ الإستنزاف في ظلّ التفاوت الشاسع بين قدراته وقدرات العدوّ.

بدأت تتساقط الأوراق الّتي كان يمسكها الحزب، أهمّها ورقة “القوّة الرادعة لإسرائيل”، فإنّ التمسك بمعركة “المساندة” تبيّن أنّ ثمنه باهظ، فيما توسيع الحرب هو ضرب من الجنون ويعرف السيد نصرالله ذلك ما يُفسّر محاولاته المستمرّة “للعض على الجرح” ووضع أية عمليّة إسرائيلية مهما كان حجم خسائرها في إطار “ثمن يجب دفعه”، وعدم التهوّر في وجه عدوّ يتمنّى الزحف نحو الضاحية يومًا.

أضعفت الأحداث الأخيرة صورة حزب الله، وأصبح عليه إعادة تقييم إستراتيجيّته إن كان لا يريد الحرب، لأنّ انتظار المفاوضات بهذا الوضع يعني تكبّد خسائر أكبر بكثير. فقد اهتزّت الصورة الّتي أراد الحزب تسويقها خلال الأشهر الماضية، ووصلت الأضرار إلى جميع صفوفه وعدد كبير من مراكزه، فيما هيكليّته فُرِّغَت من شخصيّات مهمّة، وإن أراد الإنتظار أكثر، لن يبقى شيء للتفاوض عليه.