


من نواف سلام إلى جوليا سيبوتيندي
يناير 31, 2025
A-
A+
هل يؤثر هذا التغيير في دعوى جنوب أفريقيا ضد إسرائيل؟
بعد استلام القاضي نواف سلام منصبه كرئيس للحكومة اللبنانية وتقديم استقالته من رئاسة محكمة العدل الدولية، كون نظام المحكمة لا يسمح لأي عضو فيها بممارسة أي وظيفة سياسية أو إدارية أو الانخراط في أي مهنة أخرى ذات طبيعة مهنية، كما نصت المادة 16 من نظامها، بدأ اسم القاضية الأوغندية جوليا سيبوتيندي يلوح في الأفق كمرشحة لرئاسة المحكمة، مع حظوظ عالية لتوليها هذا المنصب. ومن المتوقع تداول اسم القاضية جوليا، كونها نائبة الرئيس السابق لمحكمة العدل الدولية نواف سلام، فهي تقضي فترة ولايتها الثانية في المحكمة، وتعمل قاضية فيها منذ مارس 2021، كما أنها أول امرأة أفريقية ضمن قضاة محكمة العدل الدولية.
تسير عملية انتخاب رئيس المحكمة وفقًا للآلية التي نظمتها المادة 5، الفقرة الأولى من هذا النظام: “قبل ثلاثة أشهر على الأقل من تاريخ الانتخابات، أن يوجه الأمين العام للأمم المتحدة طلبًا كتابيًا إلى أعضاء محكمة التحكيم الدائمة المنتمين إلى الدول الأطراف في هذا النظام الأساسي، وإلى أعضاء المجموعات الوطنية المعينة بموجب المادة 4، الفقرة 2، ودعوتها إلى القيام، خلال فترة معينة، من قبل المجموعات الوطنية بترشيح الأشخاص الذين في وضع يسمح لهم بقبول مهام عضو المحكمة”. بالإضافة إلى مراعاة شرط المادة 14، التي حددت ملء المنصب الشاغر بإصدار الدعوات خلال شهر واحد من قبل الأمين العام وليس ثلاثة أشهر، وأن يحدد مجلس الأمن موعد الانتخابات. مع العلم أن عضو المحكمة المنتخب يحل محل عضو لم تنتهِ مدة عضويته في المنصب، ويجب أن يتولى المنصب لما تبقى من فترة سلفه، أي أن القاضي المنتخب ستستمر ولايته حتى عام 2027، وهي المدة التي تنتهي فيها ولاية نواف سلام.
شغور هذا المنصب في ظل هذا الوقت الدقيق والحساس يطرح العديد من التساؤلات حول قضية جنوب أفريقيا ضد إسرائيل. تتقلب المشاعر بين الفرح بوصول نواف سلام إلى رئاسة الحكومة اللبنانية، وبين القلق من الجهة الأخرى حول مصير هذه الدعوى، خصوصًا بعد أن أمرت محكمة العدل الدولية خلال ولاية نواف سلام إسرائيل باتخاذ إجراءات مؤقتة لمنع الإبادة الجماعية في غزة والتحريض المباشر عليها، كما أنها رفضت الطلب الإسرائيلي بردّ الدعوى التي أقامتها جنوب أفريقيا. بالإضافة إلى القرار الذي اتخذته المحكمة بقيادة نواف سلام، والذي وصفه الفلسطينيون بـ”التاريخي” بعد أن قررت أن الاحتلال الإسرائيلي المستمر منذ عقود على الأراضي الفلسطينية “غير قانوني”، ويجب أن ينتهي “في أسرع وقت ممكن”.
يرافق هذا القلق طرح اسم القاضية الأوغندية، خصوصًا بسبب قراراتها التي أثارت جدلًا واسعًا. فبعد تأييد العديد من الدول وقضاة المحكمة بالإجماع لصالح دعوى جنوب أفريقيا، جاء تأييد القاضية الأوغندية لصالح إسرائيل، ورفضها الشديد لما تسميه “اتهامات الإبادة الجماعية في غزة”، معتبرة أن الحرب هي صراع سياسي لا يحمل طابعًا قانونيًا من حيث طبيعته أو سياقه التاريخي، وبالتالي لا يقع ضمن اختصاص المحكمة.
لم يكن أمام السفير أدونيا آيبار، المندوب الدائم لأوغندا لدى الأمم المتحدة، سوى التعليق على تصويت سيبوتيندي لصالح إسرائيل في محكمة العدل الدولية، حيث استنكر هذا القرار، مؤكدًا أنه لا يعبّر عن موقف حكومة بلاده إزاء القضية الفلسطينية. وفي تغريدة له على حسابه بمنصة “إكس”، أوضح أدونيا أن “القاضية صوتت سابقًا ضد دعوى أوغندا المقدمة ضد جمهورية الكونغو الديمقراطية”، لافتًا إلى أن أوغندا “عبّرت عن دعمها للشعب الفلسطيني في محنته عبر نمط تصويتها في الأمم المتحدة”.
فكيف لمشاهد المجازر والدماء ألا تؤثر في قاضية تتولى إحدى أهم وأعلى المناصب في القانون، ضاربةً عرض الحائط جميع الانتهاكات التي يقوم بها الكيان الإسرائيلي وتعدّيه على حقوق الإنسان، وعلى جميع القوانين والمعاهدات والاتفاقيات التي تحمي هذه الحقوق وتلزم بتحقيق السلام والأمن للبشرية؟
بدوره، عبّر الدكتور أنطون صفير، عضو اللجنة الوطنية لليونسكو، عن أن كل ما صدر عن محكمة العدل الدولية بشأن قضية “اتهام إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية في غزة”، لا يمكن إعادة النظر فيه حتى لو استلمت جوليا سيبوتيندي منصب رئاسة المحكمة. من جهة أخرى، يتخوّف البعض من الدفاع الذي من المقرر أن تقدّمه إسرائيل في القضية التي رفعتها جنوب أفريقيا، خصوصًا أن الرئيس المنتخب عبر تصويت أعضاء اللجنة يشرف على الشؤون الإدارية للمؤسسة ويرأس لجانها، ويتمتع بحق التصويت عندما ينقسم القضاة بالتساوي بشأن قضية ما.
تظهر الاختلافات بصورة واضحة بين القاضي نواف والقاضية جوليا؛ فلنواف سلام تاريخ لا بد من ذكره، خصوصًا في إطار العمل المقاوم ضد إسرائيل، فقد شارك في مجلس التخطيط التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية تحت إشراف القيادي الفلسطيني نبيل شعث. أما سيبوتيندي، فتميل انحيازاتها نحو الطرف الإسرائيلي، مما يثير العديد من المخاوف والشكوك حول أدائها المتوقع في ظل مصير هذه الدعوى.
يبقى العدل أساس الملك، وتبقى الحقيقة التي ظهرت للعالم أجمع هي الدليل الكافي لمواجهة كل الأكاذيب التي تستند إليها إسرائيل في هذه الدعوى، فإن الظالم سيُقهَر، والمظلوم لا بد أن ينتصر.
الأكثر قراءة
- رقصة اولى حولها القدر الى الرقصة الاخيرة: نزيف الأقليّات مستمرّ فانيسا حبيب
- في خدمة الحريّة: مستمرون في مواجهة الهمجيين والبلطجيين والميليشيا محمد الغزاوي
- عن التروما التي تعشقنا وتحاول قتلنا كارل حدّاد
- مجموعة “بريكس” تتوسع: هل ينتهي عصر الدولار؟ رَهادة الصميدي