


صناعة الوحش: كيف تكوّنت إسرائيل من الداخل؟
أكتوبر 7, 2024
A-
A+
تؤثر عدة عوامل في رسم السياسة الخارجية الإسرائيلية، يمكن ردها الى عوامل داخليه متعلقة ببنية الكيان الصهيوني نفسه، وأخرى خارجية حددتها طبيعة الوجود الاسرائيلي وقيام الدولة الإسرائيلية.
العوامل الاجتماعية
كان للعوامل الاجتماعية المرتبطة بتغير العنصر البشري والقيادات في اسرائيل، أثر واضح في توجه سياستها الخارجية. فعلى سبيل المثال ترتبط الهجرة الاولى الى اسرائيل بمجموعة الرواد من مواليد شرق اوروبا، وما حملوه من تقاليد وايديولوجيات ادى الى توجهها نحو شرق اوروبا في سنواتها الاولى. ومع تعاقب الاجيال خلق شعور بالقوة والاستقلال وأثّر ذلك على عمليه صنع القرار.
وفي نفس الوقت تعتبر سيطرة القيم التقليدية والدينية في المجتمع الاسرائيلي قد اثرت في توجه سياسة اسرائيل الخارجية. ومع زيادة التشبث بالعقيدة الصهيونية المبنية على اساس التوسع واحتلال الاراضي الجديدة وزيادة الايمان بالأرض الموعودة وتحقيق حلم بناء اسرائيل الكبرى، فقد ازدادت التيارات المتشددة، ما أثّر تأثيراً مباشراً على رسم السياسة الخارجية وخصوصاً كيفيّة بناء العلاقات مع الدول العربية المجاورة بشكل عام و فلسطين ولبنان وسوريا بشكل خاص.
ويمكن تقسيم تصورات الاسرائيليين للعرب الى ثلاث مدارس فكرية
الاولى والتي يشار اليها بالبيوبرية، نسبةً الى مارتن بيوبر، وتحدث هذه المدرسة الى “التوافق بواسطة التراضي” مع العرب، تنظر اليهم كشعب اخر محب للسلام وقد نزل بهم ظلم كبير وينتشر هذا المفهوم بين افراد الاحزاب اليسارية.
التصور الاخر وهو الاكثر انتشاراً، معروف بالبنغوريونية وكان من مناصريه الاساسيين موشي ديان وشمعون بيريز.
والتصور الاخير هو الاكثر اعتدالاً، يعرف بـ “الوايزمانية” وهو ينتهج نهجا لتحقيق السلام ولكنه كان ذات تأثير محدود وتلاشى مع تعاقب الحروب حيث ان الذين كانوا يؤيدون هذا الراي قد توجهوا للتطرف.
العوامل النفسية
لا شك ان الأبعاد النفسية للشخصية الإسرائيلية، وما تحتويه من عقد العظمة والتفوق والشعور بالاضطهاد والخوف من خطر الإبادة وعدم الثقة بالآخرين قد أثّر على رسم السياسة الخارجية الإسرائيلية.
واستمرار عقدة الاضطهاد الجماعي هذه أدت لشعور الاسرائيليين واعتمادهم مبدأ المعسكرين اي أنّ اسرائيل واليهود في العالم في معسكر ضد الامم الاخرى، او ضد شعوب العالم الاخرى. فان الراي القائل على ان الحليف الوحيد الموثوق لاسرائيل وبقية اليهود في العالم، كامن في صلب الفكر الاسرائيلي منذ عام 1948
الامن القومي
انه لمن الطبيعي نتيجة للظروف التي عاشتها اسرائيل منذ قيامها، أن تسيطر المشاكل الأمنية على محور السياسة الخارجية وان تشكل نظرية الامن القومي الاسرائيلي احد الأسس المعتمدة في رسم السياسة الخارجية وقد كان بن غوريون واضحاً في أساسيات نظرية الأمن بحيث استند على النوع المتفوق مقابل الكم العربي المتأخر بالنوعية تعويضاً عن النقص الكمي والديموغرافي والحدود الجغرافية الضعيفة.
وفي تفصيل ذلك، فإنّ الصهيونية قد سعت لأنشاء قوّة عسكريه تحقق اهدافها المتمثلة في قيام اسرائيل. ففي البداية تحدثت اهداف هذه القوة في الدفاع عن السكان اليهود ومن ثم توسعت قدر المستطاع عن طريق تدمير وتضعيف اكثر ما يمكن من القوات العربية المتجمدة في المنطقة.
وحتى بعد اتفاقات الهدنة والتطبيع بين اسرائيل والبعض من الدول العربية، بقيت نظرية بناء جيش متفوّق يسيطر على العقلية الإسرائيلية وتشكل عنصراً اساسيا من عناصر نظرية الأمن الاستراتيجي التي تعتمد على مبدا ” اسرائيل لا يمكن ان تبقى الا بقوة السلاح”
وقد سعى صانعو السياسة الخارجية في اسرائيل ذوي الخلفيات العسكرية، الى تأكيد أهمية هذا العامل في صناعة السياسة الخارجية الإسرائيلية. بالإضافة الى تكمين وتقوية العلاقات الخارجية مع الدول الكبرى، لتامين السلاح والتغطية والتأييد لعمليات المؤسسة العسكرية الإسرائيلية ضد الدول العربية.
تساعد دراسة السياسة الخارجية الإسرائيلية في فهم الكثير من الظواهر السياسية التي سببتها عوامل كثيرة وترسخت من جيل الى جيل في كيان غاصب لن يغير عقيدته.
الأكثر قراءة
- رقصة اولى حولها القدر الى الرقصة الاخيرة: نزيف الأقليّات مستمرّ فانيسا حبيب
- في خدمة الحريّة: مستمرون في مواجهة الهمجيين والبلطجيين والميليشيا محمد الغزاوي
- عن التروما التي تعشقنا وتحاول قتلنا كارل حدّاد
- مجموعة “بريكس” تتوسع: هل ينتهي عصر الدولار؟ رَهادة الصميدي