هل سَقَطت المروحية الايرانية أم أُسقِطت؟

مايو 21, 2024

A-

A+

مريبًا جاء خبر مصرع رئيس الجمهورية الإيرانية إبراهيم رئيسي ومرافقيه (وزير الخارجية حسين أمير عبداللهيان، وإمام جامع تبريز آية الله آل هاشم ومحافظ أذربيجان الشرقية مالك رحمتي ومرافقين) بعد سقوط مروحية كانت تقلهم في أذربيجان الشرقية ضمن ظروف غامضة.

وإذ عمّمت وسائل الإعلام الإيرانية رواية مفادها أنّ تحطّم الطائرة وقع بسبب سوء الأحوال الجوية، سارعت طهران إلى تشكيل لجنة لفتح “تحقيق” في الحادثة، لأنّ تحطّم طائرة الرئيس ليست بالحدث الإيراني العابر الذي تذيعه نشرات الأخبار كلّ يوم.

وفيما تتعدد الأسباب التي ترفع من حظوظ نظرية “المؤامرة”، لا يمكن الجزم بأيّ فرضية قبل انتهاء التحقيقات، لكنّ سبر أغوار الحادثة والغوص في تفاصيلها قد يغيّر الكثير!

مروحية الرئيس لم تصل، وغيرها وصل؟

لم يسمع البعضُ إلا من وسائل الإعلام “الغربية” عن المروحيات الوزارية (حملت عددًا من الوزراء) التي رافقت رئيسي في رحلته، أو هكذا أُريد للرواية الإيرانية أن تُحاكَ تكتّمًا على حقيقة الموضوع.

فقد كانت مروحية الرئيس ووزير الخارجية ضمن قافلة من ثلاث مروحيات تنقل الوفد الرئاسي من أذربيجان إلى إيران!

وفيما هبطت المروحيتان الأخريان بسلام في تبريز، المدينة الكبيرة في شمال غرب البلاد، تحطّمت المروحية التي كان على متنها الرئيس الذي تولى منصبه عام 2021 وسط اضطرابات دولية واحتجاجات داخلية.

وقد أثارت هذه “الانتقائية الجويّة” تساؤلات جدية عن ما إذا كان مقصودًا للطائرة الرئاسية أن تهوي دونًا عن غيرها في أعماق الغابات.

سرعة التنصّل الإسرائيلي والأميركي!

منذ الساعات الأولى لـ”فقدان أثر” الرئيس الإيراني ووفده وانقطاع الاتصال بطائرته، تبرّأت إسرائيل من أي علاقة بالحادثة، وخرجت إلى العلن بتصريحات عديدة تؤكد هذه البراءة. وكذا فعلت الولايات المتحدة في وقت لاحق، حيث قال وزير الدفاع الأميركي إنه “لا علاقة لواشنطن بالأمر”..

وإذا لم يكن هذا التنصل من “أعداء رئيسي” مصداقًا للمثل القائل: “كاد المريب أن يقول خذوني”، فإنّ تسريبات القناة الثانية عشرة الإسرائيلية عن “رحيل رئيسي ورفاقه” بعد ساعتين من فقدان الطائرة يدفع إلى الشكّ بأنّ لإسرائيل والموساد علاقة بالحادثة.

وبينما يظلّ هذا “الظنّ” في إطار التحليلات التي تحتاج إلى تأكيد بالأدلة، لا يمكن استبعاده نظرًا للعلاقة المتوترة بين إسرائيل وإيران مؤخرًا.

خلاف على خلافة المرشد الأعلى؟

وكان لما أشيع أيضًا عن خلافات داخلية في أروقة النظام الإيراني صداه المرتفع بين أنصار نظرية المؤامرة، حيث تحدّثت مصادر على اطلاع ومعرفة بالشأن الإيراني عن أنّ رئيسي كان يعدّ نفسه لخلافة مرشد إيران الأعلى علي خامنئي، غير أنّ “الحظّ” لم يحالفه هذه المرة.

وإذ كان يُنظر لرئيسي على أنه المرشح الأوفر حظاً لخلافة خامنئي، نظراً لصعوده السياسي السريع في السنوات القليلة الماضية، وهو من المتشددين المقربين من المرشد الأعلى، دخل مؤخرًا – بحسب المصادر – على خط المنافسة نجل المرشد مجتبى خامنئي، والذي يحاول فرض نفسه مرشدًا مستقبليًا على الإيرانيين.

فهل تتحوّل حادثة “السقوط” إلى عملية “إسقاط” يكون مجتبى ضليعًا فيها بالتآمر؟ الحقيقة لا تزال رهن التحقيقات..

مروحية بدائية أقلّت الرئيس الإيراني

وقد تكون الأحوال الجوية السيئة وقِدَم المروحية الرئاسية السيناريو الأكثر ترجيحاً لما حصل حتى اللحظة، فالمروحية الرئاسية صناعة أميركية تعود إلى العام 1968، ما يعني تهالكها وافتقارها إلى الصيانة كما يجب، واستخدامها من جانب الرئيس كان مجازفة كبرى انتهت بمأساة إيرانية.

لكننا نفتح آفاقًا لنسأل: لماذا ظلّ نظام الإشارة في مروحية الرئيس الإيراني مغلقاً أو معطّلًا بحسب تركيا التي أوفدت مسيّراتها للبحث عن رئيسي؟ وهل نجمت هذه الخطيئة عن إهمال عابرٍ أم عن سابق تصوّر وتصميم؟ لا يمكن إلقاء اللوم على العقوبات الأميركية فقط والتي تقول إيران إنها حالت دون تحديث الطائرة الرئاسية، فالأمر أعمق من هذه السطحية بكل تأكيد!

لا تخلو الحادثة من سيناريوهاتٍ ثلاث..

تعيدنا التحليلات والظروف الغامضة المحيطة بمصرع رئيسي إلى دائرة ضيّقة من الاحتمالات:

أوّلها بسيطٌ ومريحٌ للقيادة الإيرانية ولأخصامها أيضًا، والذي يتمثل بأنّ الرياح العاتية دفعت برئيسي ورفاقه إلى قعر الجبال الشاهقة والغابات..

ثانيها ضلوع إسرائيل عبر موسادها أو عبر جهات غربية حليفة لها في عملية اغتيال مدبّرة للرئيس الإيراني، وهذا يعقّد الوضع على أكثر من صعيد..

وثالثها ما تكلّمت عنه المصادر من خلافات داخلية قد تكون أودت بحياة رئيسي لتسهيل وصول آخرين إلى رئاسة الجمهورية أو إلى مقام الإرشاد..

وأيًا يكُن سبب الحادثة التي يلفّها الغموض فإنّ على النظام الإيرانيّ مصارحة الشعب أولًا والعالم تاليًا بالحقيقة، لا أن يدفع بإعلامه إلى تمويه الحقائق كما العادة.. لأسباب وأسباب.