مصلحية لا مسرحيّة إيرانية – إسرائيلية

أبريل 23, 2024

A-

A+

هلل أنصار إيران ومؤيدوها – في الشوارع العربية تحديدًا – للهجوم الإيرانيّ الذي استهدف إسرائيل عشية الرابع عشر من الشهر الحالي، وأعلنوه نصرًا عسكريًا مبكرًا نظرًا لحجمه قبل أن تخرج إلى العلن نتائج الهجوم الصادمة إحصائيًا.

وإذ تبيّن أنه تم اعتراض 99% من المسيّرات والصواريخ الإيرانية خارج إسرائيل وفق رواية الجيش الإسرائيلي، تحدث الأخير عن أضرار طفيفة نجمت عن الصواريخ التي أصابت أهدافها والتي تقدّر بـ”بضعة” صواريخ “باليستية” من محصّلة 330 صاروخًا ومسيّرة.

وفي حين سخر الشارع العربي “المقابل”، أي المناهض لطهران، مما اعتبرها “مسرحية” هزلية بين الطرفين، بناءً على ما كشفه قادة في إسرائيل والولايات المتحدة وإيران ودول إقليمية عن “مراسلات مسبقة” تكشف حجم الضربة وموعدها المحدد، كان لزامًا أن تتم مناقشة هذا الهجوم بعيدًا من “الشوارع” العربية!

سمعة إيران ومصلحتها الإستراتيجية..

علِمت إيران بُعَيد استهداف إسرائيل لكبار قادة حرسها الثوري في قنصليتها بدمشق أنّ مواصلة الاحتفاظ بحقّ الرد في “الزمان والمكان المناسبَين” لن يخدم مصالحها في سوريا والمنطقة.. وقد هددت تل أبيب الأمن الإيراني في الصميم، لأن القنصلية تعتبر أرضًا إيرانية خالصة وفق القانون الدولي!

وإذ تعالت الأصوات في الداخل الإيراني مؤيدة لضربة “موجعة” ضد إسرائيل، تلاقت السياسة الخارجية الإيرانية ببعدها الاستراتيجي (حماية المصالح الإقليمية) مع السياسة الداخلية ذات البعد الشعبوي (استيعاب غضب الشارع الإيراني)، فكان ما كان.

ومما لا شكّ فيه أنّ الضربة التي تأكدت إيران من “فشلها العسكري” مسبقًا بحكم المسافة ومعرفة إسرائيل المسبقة والقوة الجوية التابعة لتل أبيب وحلفائها، نجحت في تحقيق نوع من “ردع استراتيجي” تحت عنوان “الضربة مقابل الضربة”، وهو ما تلقّفه حلفاء إسرائيل فأشاروا عليها بعدم التصعيد، وفي هذا السياق جاءت رياح الرد الإسرائيلي “المقنّع” مؤخرًا..

حفظت إيران مصالحها وماء وجهها ولم تدخل في حرب مع إسرائيل!

فائدة إسرائيلية جراء الضربة الإيرانية؟

على المقلب الأخر وفي شقّ المصالح والمكاسب، أعاد الهجوم الإيراني “تعويم” حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وفريقه المتطرف، والذي كان قد فقد حجمًا كبيرًا من الدعم الدولي والعالمي بعد المجازر التي ارتكبها جيشه في غزة بحقّ الفلسطينيين خلال ستة أشهر.

فقد تداعى المجتمع الدولي، بما يشمل كل الدول التي تناصب إيران العداء على مستوى العالم، لإدانة الهجوم الإيراني، بما في ذلك دول عربية وإقليمية، والتي اعتبرت أنّ الضربة تعرّض الأمنَين العالمي والعربي للخطر. 

هذا إذا أغفلنا تبدل موقف الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وحلفاء إسرائيل من التحفظ على جرائم الأخيرة – ولو بالحد الأدنى – قبل أسابيع، إلى الالتزام بأمنها وبـ”حقها” في الدفاع عن نفسها ضد أعدائها، وهذا يشمل حكمًا الفلسطينيين!

إسرائيل استثمرت الضربة لصالحها وحشدت دعمها وتجنبت الحرب!

أبعد من مسرحية وأقل من عداوة

عقب تبادل الضربات “غير الجارحة” بين طهران وتل أبيب، عادت كل من إيران وإسرائيل إلى بيع المظلومية الخاصة بكل منهما للعالم، فلا بواكيَ لغزّة اليوم ولا لعواصم العرب المصادرة إيرانيًا (دمشق وصنعاء وبيروت وبغداد)، بل لإسرائيل التي روجت لسردية مفادها أن اليهود أصبحوا في فم الأسد، ولإيران التي قدمت نفسها حليفة لشعوب المنطقة ولحركات التحرر فيها. 

وعلى سبيل “المصادفة” ربما، كان أن تلاقت كل من إيران وإسرائيل في صرف الأنظار العالمية عن المشهد العربي الدامي حتى الساعة في المنطقة، والذي تتلاقى فيه مصالح كل هاتين القوّتين المنشغلتين بإضعاف وتفتيت الدول العربية، ولو أنّ هذا لا يعني بطلان النزاع بينهما، “بالضرورة”.

الأمر أبعد من مسرحية وأقلّ من عداوة، هو بين هذا وذاك، وسوق العرض والطلب (البازار السياسي المصلحي) هو الذي يحدد شكل العلاقة في كل مرة.. وفي كل هذه المرات، الشارع العربي هو الخاسر الأكبر.