حزب الله وإسرائيل أقرب مما تعتقد
أغسطس 13, 2024
A-
A+
في ظلّ الصراع المستمرّ منذ عقود بين إسرائيل وحزب الله، يكشف الواقع عن شراكة غير معلنة وغير متّفق عليها تجمعهما في تعميق مأساة لبنان واللبنانيّين، وهنا لا نتحدّث عن مؤامرة، بل عن إستفادة كلّ منهما من الطرف الآخر بشكل غير مباشر لتحقيق غاياته، عبر إستمرار الفوضى التي تمنع قيام دولة لبنانيّة قادرة على فرض سيادتها وتوجيه مقدّراتها نحو إزدهار حقيقيّ، وهذا الأمر يصبح إستحالة يومًا بعد يوم بسبب هذه الديناميكيّة الخبيثة الّتي تضع اللبنانيّون في مواجعة تحديات ضخمة على جميع المستويات، من الأمن إلى الإقتصاد، ومن الحياة اليوميّة إلى مستقبل الأجيال الشابّة.
يستعرض هذا المقال كيف يسهم كل من حزب الله وإسرائيل، بطرق مختلفة لكن متكاملة، في إبقاء لبنان في حالة دائمة من الضعف والتشرذم، وكيف يدفع الشعب اللبناني أثمانًا باهظة نتيجة هذه الصراعات الّتي تبدو غير متناهية.
عدوّهما المشترك: دولة لبنانيّة قويّة
لن تحبّذ إسرائيل يومًا قيام دول قويّة إلى جانبها حيث لا مصلحة لها في تعزيز الإستقرار في لبنان لأنّ ذلك سيفتح المجال أمام منافستها على مختلف الأصعدة. والدولة القويّة لا تنافسها ميليشيا مسلّحة تفتتح المعارك والجبهات العبثيّة على هواها ما سيبدّد أي مبرّر لتعدّي إسرائيل على الأراضي اللّبنانيّة، وإن حصل ذلك فهي ستواجه دولة حقيقيّة وشعب موحّد خلف جيشه الوطني للدّفاع عن أرضه.
إنّ قيام دولة قويّة في بلد مثل لبنان يتطلّب من جميع الأطراف الداخلية الإلتزام بالدستور، القانون، المحاسبة، الشفافية والتداول السلمي والمرن للسلطة، بالإضافة إلى فرض سيادة الدّولة عبر مؤسساتها العسكريّة الشرعيّة على كامل أراضيها.
لذلك فإنّ متطلّبات قيام دولة قويّة في لبنان تتعارض أوتوماتيكيًّا مع وجود حزب الله العسكري وأجنداته العابرة للحدود اللبنانية وسعيه الدائم لإبقاء سيطرته على مفاصل الدولة كي لا يُفرَض عليه يومًا التخلّي عن سلاحه ولبننة وجوده ومشاريعه وأهدافه، وكلّما تسعى الدولة لفرض هذه السيادة كما حاولت في 5 أيار عام 2008، ستُلاقى بنفس الردّ الّذي أتاها من الحزب في 7 أيّار.
لا مصلحة لهما في إزدهار لبنان إقتصاديًّا
بالنّسبة لإسرائيل، إنّ تمتّع أي دولة معادية مجاورة كلبنان بإقتصاد قويّ يشكّل تهديدًا لإستراتيجيّتها الإقليميّة الّتي تُبقي إسرائيل في الصّدارة في مختلف المجالات، وأي إزدهار إقتصادي سينعكس على المجتمع ومختلف قطاعات الدّولة اللّبنانيّة ما يعزّز موقفها. فكانت الأزمة الإقتصاديّة الحادّة ثمّ إنفجار مرفأ بيروت مثلًا، بغض النظر عن خلفيّاته وسبب حدوثه، أجمل هديّة لإسرائيل وميناء حيفا.
والإقتصاد القوي هو العدو لأي قوّة سياسية تستمدّ نفوذها من الإضطرابات، وهكذا حزب الله الّذي ساهم بشكلٍ كبير في الوصول إلى إنهيار الإقتصاد اللبناني عبر حماية الفساد والفاسدين وباتت حدوده ومرافقه مشرّعة أمام التهريب والتهرّب الجمركي. كما إستفاد الحزب شعبيًّا من هذه الأزمة الإقتصاديّة الّتي سمحت له أن يكون دولة موازية في مختلف المجالات كتأمين الأدوية والمواد الغذائيّة مجّانًا أو بأسعار منخفضة جدًّا وضخّ الدولار في عزّ الأزمة عبر أجور عناصره بالإضافة إلى تأسيس قرض الحسن ومؤسسات أخرى.
لا مكان للموسيقى والفرح والحياة
يُحسَد اللبنانيّون إذا تمايلوا فرحًا على أنغام نجوم محليّين وعرب وعالميّين، في حفلات لا تجد مثيلًا لها في أكثر الدّول أمنًا وأمانًا. يُحسدون من إسرائيل أوّلًا، الّتي يختبئ مواطنوها في الملاجئ ينتظرون إنتهاء حرب مستمرّة تزداد مخاطرها عليهم كلّ يوم، وكلّما توقّفت ينتظرون المعركة التّالية. يُنتَقَد اللّبنانيّون من حزب الله أيضًا، الّذي لم يخجل من وضعهم في صلب الأزمات والحروب والويلات، بل يخرج رئيس كتلة الحزب النيابيّة بفمٍ أعوجٍ يسخر منهم ويصفهم ب”النازقين”.
وما أزعج هذا الصوت بالنّسبة لهما، صوت الموسيقى والصخب وزحمة الناس والضّحك، هذا يعكّر مزاج إسرائيل الّتي شاءت أن يطغى نشاذ طائراتها الحربيّة وإستعراضاتها بخرق جدار الصّوت، وأن يسود دويّ القنابل وبكاء الأطفال ونحيب الأمهات الّذين يُقصفون ليلًا نهارًا في الجنوب وغزّة. وليس الأمر بعيدًا عمّن منع صوت فيروز في الجامعة اللبنانيّة، مُفضّلًا صوت آلة القتل والدّمار، علّه يحصّل بعض فتافيت النفوذ للجمهوريّة الإسلاميّة على حساب لبنان وشعبه.
إستمرار الحروب والفوضى يخدمهما
الحروب هي الوقود المشترك لإستمرار إسرائيل الّتي حصّلت على أثرها دعمًا بمئات المليارات وتعاطف الرأي العام العالمي معها على مدى عشرات السنين بحجّة “الدفاع عن النفس”، كأنّها الضحيّة المهدَّدة دائِمًا مُشبِّهةً كلّ مَن حاربها بالمتوحّشين النازيّين وبالدّاعمين لهولوكوست جديدة. في حين أنّ سياسات القمع والتمييز العنصري والدّيني والإبادات الّتي تمارسها بإستمرار وبشكل منهجي تُعتَبَر من أسوأ أنواع الجرائم الإنسانيّة في التاريخ المعاصر.
كما إسرئيل كذلك حزب الله، الّذي لا معنى لوجوده ولا لسلاحه إذا توقّفت الحروب في المنطقة، وهو إن لم يحارب إسرائيل سيحارب في سوريا والعراق واليمن، وسيدّعي دومًا أنّه مقاومة يحمي من خلالها بيئته وأنّ صواريخه رادعة وبنادقه حاجة ملحّة لا يمكن التخلّي عنها. فإستغلّ هذا الأمر وما زال ليغتال خصومه الدّاخليّين ويشلّ دولة القانون ويضطهد معارضيه من سياسيّين وصحافيّين وناشطين وحتّى المواطنين العاديّين إن تشجّعوا وقالوا الحقيقة لم يسلموا منه فخُوِّنوا ووُصِفوا بالعملاء.
وأكثر من ذلك
يتنافس حزب الله وإسرائيل على تحمّل مسؤوليّة تعميق معاناة الشعب اللّبناني، الّذي بمعظمه بات يكافح لتأمين لقمة عيشه بين هدنة وأخرى، وأصبح البحث عن فرصة عملٍ “مناسبة” في الداخل مهمة شبه مستحيلة فوجد حياةً أفضل وأكثر إستقرارًا في الخارج تاركًا خلفه كلّ شيء وفاقدًا الأمل في إيجاد لبنانه الّذي إعتاد عليه وتربّى فيه.
مؤسساته التعليميّة إمّا مقفلة أو لا تتناسب وظروفه المعيشية وإمّا يتراجع أدائها. مستشفياته الّتي كانت يومًا رمزًا للرعاية الصحية المتقدمة في المنطقة باتت تبيقه منتظرًا على أبوابها. صيفه حارّ وتخفيف حرّه أضحى ترفًا، وشتاءه يقسو ببرودته على عائلات لا تستطيع تدفئة أسرّة أطفالها.
لا داعي للتوسع في وصف ما يعيشه اللبنانيّون الذين يقاومون على طريقتهم الخاصّة بأفضل السبل وأجمل أشكالها، سواء على شواطئ صور وواجهة بيروت ومهرجانات جونية والبترون وعاليه، والأسواق التقليدية والحفلات والمعارض الفنيّة. أرادوه شعبًا خائفًا مختبئًا وخاضعًا لكنّه واجههم بإرادة الحياة.
في الختام، إنّ اللبنانيّين يدفعون أثمانًا باهظة نتيجة الصراعات المستمرّة، حيث يسقط كلّ جيل في خندق تحفره إسرائيل من جهة، ويزيده عمقًا من جهة أخرى كلّ من يريد إستغلال عداء “الصهيونية” لتشريع حركته وأهدافه المشبوهة. إنّ إستمراريّة هذه الصّراعات لا تخدم إلّا أولئك الّذين يقتاتون على الفوضى والدّمار، بينما يبقى اللبنانيّون عالقون بين مطرقة المحتلّ وسندان الإستغلال الدّاخلي، باحثًا عن بصيص أمل يتجاوز هذه المآسي المتكرّرة.
الأكثر قراءة
- رقصة اولى حولها القدر الى الرقصة الاخيرة: نزيف الأقليّات مستمرّ فانيسا حبيب
- في خدمة الحريّة: مستمرون في مواجهة الهمجيين والبلطجيين والميليشيا محمد الغزاوي
- عن التروما التي تعشقنا وتحاول قتلنا كارل حدّاد
- مجموعة “بريكس” تتوسع: هل ينتهي عصر الدولار؟ رَهادة الصميدي