هل يحق لجاد غصن إستضافة إسرائيلي بينما يُتّهم آخرون بالخيانة؟

أبريل 18, 2024

A-

A+

في عالم الإعلام، تُعتَبَر البرامج الحواريّة منصّات لتبادل الأفكار والمعلومات، وأصبحت مسألة مقابلة إسرائيليين أو محاورتهم في مثل هذه البرامج موضع جدل في الآونة الأخيرة، مع تكرّرها من فترة لأخرى فتعصف بمواقع التواصل الإجتماعي موجة تعليقات كبيرة وردود أفعال مختلفة وأحيانًا متطرّفة، معظمها حول اللّقاء ككلّ، والبعض النّادر منها حول مضمونه.

آخر هذه اللّقاءات كانت الحلقة التّي استضاف الإعلامي جاد غصن فيها الكاتب والمعارض الإسرائيلي إيلان بابيه. وكما كان مُتوقَّعًا، لقد أثارت جدلًا واسعًا، حيث تباينت آراء الجمهور بين المؤيد والمعارض، وقام غصن بالدّفاع عن نفسه من خلال فيديو نشره عبر قناته على يوتيوب حيث إستعرض مجموعة من القوانين اللّبنانيّة المتعلّقة بالعلاقة مع إسرائيل مفادها أنّ مقابلته لا تتعارض مع أيّ من هذه القوانين.

كما شدّد غصن على أنّ ايلان بابيه ليس بمعارضٍ لحكومة وسياسات نتنياهو فحسب، بل هو معارض للوجود الإسرائيليّ بالشّكل الحالي ومؤيّد لمشروع الدّولة الواحدة ولحقوق الفلسطينيّين وناقد للمارسات الإسرائيليّة بحقّهم.

من المعروف أنّ الإعلامي بوصفه جسرًا بين الحدث والجمهور، يلعب دورًا أساسيًّا وحيويًّا لتوجيه الأنظار إلى المهمّ وتقديم المعلومات بشكلٍ شفّاف وموضوعيّ وموثوق بهدف توعية الرّأي العام وإبعاد “السّطحيّات” عن أذهان الجمهور. لكن لماذا يتمكّن جاد غصن من إستضافة إيلان بابيه من دون أن تطرق الدّولة اللّبنانيّة الفاضلة بابه، في حين يُخوَّن بعض الإعلاميّين واللّبنانيّين لأسباب تكون أحيانًا أتفه من مقابلة مباشرة مع إسرائيليّ؟

في جمهوريّة لبنان حيث اللّامعيار هو المهيمن على طريقة الحكم وإتّخاذ القرار، أصبحت القوانين تُطبّق حسب ما تقتضيه مصلحة طرف معيّن في لبنان ولا يختلف إثنان على أنّ هذا الطّرف هو محور الممانعة. فتجد من الطّبيعيّ أن تتحرّك الدّولة المغلوب على أمرها بإتّجاه لبنانيّين عبّروا عن رأيهم كغيرهم فتجد مذكّرات التّوقيف تلاحقهم ويُمنَعون من الدّخول إلى بلدهم، في حين أنّها تتخلّى عن دورها حيث لا مصلحة لهذا المحور. فنرى كيف اندفعت الدّولة اللّبنانيّة، في دورٍ “بطوليّ”، لإصدار مذكرة توقيف وتحرّي من قبل النيابة العسكريّة بحقّ الإعلاميّة ليال الإختيار بعد أداء دورها على قناة العربيّة في تشرين الأوّل الماضي.

تعلو أصوات الرّفض من كلّ إتّجاه والنّقد والتّحريض على الإعلاميّ ويُحلَّل دمه وتنكبّ عليه التهديدات ويُجرّد من الأخلاق حيث يُعتَبَرُ أنّه داس على دماء الفلسطينيّين، وذلك فقط إذا كان مُعارِضًا لسياسات محور الممانعة. بينما يتودّد الرّئيس نبيه برّي، أحد أركان هذا المحور، إلى الإسرائيليّ-الأميركيّ “آموس هوكشتين”، فتُفتح جميع الأفق للوصول إلى إتّفاقٍ بحريّ “مشبوه” ما زال محميًّا حتّى اليوم، حتّى أنّ حقول كاريش لا تُذكَر على لسان نصرالله عند تهديد “العدوّ”.

تعكس المقابلة الأخيرة مع إيلان بابيه من جديد الوضع السياسي في لبنان، حيث يوجد مواطنون وصحافيّون محصّنون وآخرون معرّضون للملاحقة القانونيّة، وتُتّبع معايير مزدوجة على الإعلام والأفراد، وتتأثّر حريّة التّعبير وحقّ الوصول إلى المعلومات بالمصالح السياسيّة والفئويّة الّتي تحدّد من هو المواطن الصّالح ومن هو الخائن.

على كلّ حال، لا حاجة إلى مقابلة إسرائيليّ كي يُتَّهَم أحد بالعمالة في لبنان أو كي يُمنَع من الدّخول إلى وطنه، بل يكفي أن يقول كلمة حقّ وأن يطلب أن تكون له دولة حقيقيّة وأن تُرفَع يد الحزب وحلفائه عنها، وهكذا ستسقط على رأسه كلّ صيحات التّخوين والضّغوطات والتّهديدات.