مستقبل العلاقات الأميركية السعودية بعد “الطوفان”: مراجعة ديبلوماسية وتجارية مستقبل العلاقات الأميركية السعودية بعد “الطوفان”: مراجعة ديبلوماسية وتجارية مستقبل العلاقات الأميركية السعودية بعد “الطوفان”: مراجعة ديبلوماسية وتجارية

مستقبل العلاقات الأميركية السعودية بعد “الطوفان”: مراجعة ديبلوماسية وتجارية

أكتوبر 14, 2023

A-

A+

لا يبدو أن مستقبل العلاقات الأميركية السعودية بعد “طوفان الأقصى” سيكون مثل قبلها. فهل أضحت عملية التطبيع السعودية – الأميركية في خبر كان بعد أن عقّبت الرياض على الهجمات التي شنتها حركة المقاومة الإسلامية “حماس” في غزة بموقف “متقدم” اذ “دعت المجتمع الدولي للاطلاع بمسؤولياته وتفعيل عملية سلمية ذات مصداقية تفضي إلى حل الدولتين بما يحقق الأمن والسلم في المنطقة ويحمي المدنيين”.

من جهته صرح وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن الأحد، أن “عرقلة التطبيع المحتمل للعلاقات بين إسرائيل والسعودية ربما يكون من دوافع الهجوم الذي شنته حماس على إسرائيل”، ، في إشارة واضحة للضربة التي وجهتها عملية “طوفان الأقصى” لمساعي التطبيع بين الرياض والدولة العبرية. اشارة الى ان إستراتيجية رئيس وزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو الذي يقود أكثر الحكومات يمينية في تاريخ إسرائيل، قد قدم التطبيع مع دول الخليج على أنه المستقبل مقابل أي صفقة سلام مع الفلسطينيين.

ولكن جرت الرياح بما لا تشتهي السفن، إذ تبدّل خطاب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي اعلن السبت أن إسرائيل باتت في حالة “حرب”، خلافاً للخطاب الذي ألقاه الشهر الماضي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث رأى فيه أن اتفاقات التطبيع مع ثلاث دول عربية في العام 2020 أطلقت “عهداً جديداً من السلام”. كما أكد في حينه امكانية إبرام اتفاق “سلام تاريخي” مع السعودية، سيكون ذا أهمية كبرى لإسرائيل نظراً لثقل المملكة السياسي، والاقتصادي، ورمزيتها في العالمين العربي والإسلامي.

الواضح أن الرئيس الأميركي جو بايدن يسعى لمكتسب ما بموازاة بدئ حملته الإنتخابية كما أكد في حينه نتانياهو ان إمكانية إبرام اتفاق “سلام تاريخي” مع السعودية، سيكون ذات أهمية كبرى لإسرائيل نظرا لثقل المملكة السياسي والاقتصادي ورمزيتها في العالمين العربي والإسلامي. وأكد ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في أيلول الاقتراب “أكثر فأكثر” من التطبيع مع إسرائيل، لكنه كرر موقف بلاده بضرورة أن يشمل أي اتفاق معالجة قضايا الفلسطينيين.

وقال نائب رئيس السياسات في معهد الشرق الأوسط في واشنطن، براين كاتوليس، إن اتفاقاً كهذا “كان دائماً قمة يصعب تسلّقها، والآن ازداد ذلك صعوبة”. ورأى أن “أعمال العنف الأخيرة تعيد تسليط الضوء على النزاع بين الفلسطينيين وإسرائيل وتجعل من الصعوبة بمكان إخفاء هذه المسائل المعقّدة كما فعلت اتفاقات أبراهام المبرمة عام 2020″، في إشارة الى التطبيع بين اسرائيل وكل من الإمارات العربية المتحدة والبحرين والمغرب.

بعد التصعيد السبت، ذكرت وزارة الخارجية السعودية بـ”تحذيراتها المتكررة من مخاطر انفجار الأوضاع نتيجة استمرار الاحتلال وحرمان الشعب الفلسطيني من حقوقه المشروعة وتكرار الاستفزازات الممنهجة ضد مقدساته”. و يهدف موقف الرياض هذا إلى دحض الشكوك بأن المملكة ستولي التطبيع أولوية على حساب دعم حقوق الفلسطينيين.

هذا الموقف يضيف الى اتجاه السعودية التجاري نحو تنويع شركائها الاستراتيجيين وعلى رأسهم الصين و الهند، مما دفع واشنطن لإعادة تنشيط تحالفها مع الرياض الا ان المملكة تمسكت بالخفض الطوعي لإنتاج النفط، بمقدار مليون برميل يومياً، من تشرين الثاني، وحتى نهاية كانون الأول، الى ما يقارب 9 ملايين برميل يومياً (أي أقل بنسبة 25 في المئة من طاقتها القصوى البالغة 12 مليون برميل يومياً).

اشارة إلى أن المملكة كانت قد تبنت خطة، تطبقها بخطوات متسارعة، لتنويع مصادر الدخل والتحول لنموذج اقتصادي جديد لا يعتمد، بصورة رئيسية، على واردات النفط. و لقد اكد تقرير صندوق النقد الدولي، الصادر في سبتمبر/أيلول 2023، تراجع مساهمة النفط في قطاعات الاقتصاد السعودي لصالح الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي غير النفطي والذي بلغ متوسط نموه 4.9⁒، ووصلت مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي إلى 41⁒، وازدادت الإيرادات غير النفطية بمعدل الضعف.

الانتخابات الرئاسية الأميركية

قبيل كل انتخابات رئاسية أميركية يبدأ الحديث عن تناقض في العلاقات بين الإدارة الأميركية والحكومة السعودية، والتي كانت أسعار الوقود تمثل إحدى قضاياها، والتي تأثر تأثيراً كبيراً على نتائج الانتخابات، فهل يكون للرياض دور مماثل في التأثير على نتائج الانتخابات الرئاسية القادمة؟ و هل يكون طوفان الأقصى حجر الزاوية في هذه الانتخابات؟.

في الماضي، كان تأثير المملكة على أسعار البنزين في الولايات المتحدة موجهاً لمساندة الرئيس الحالي من خلال زيادة إنتاج النفط. وبهذه الطريقة، كانت أسعار البنزين خارج المناقشة في وقت الانتخابات. ولقد تمت زيادة الإنتاج مرتين لهذه الغاية، الأولى تزامنت مع مساعدة حلفاء ترامب في انتخابات منتصف الولاية لعام 2018، والثانية ساعدت أوباما خلال حملته للانتخابات الرئاسية لعام 2012. ولا تبدو اوبك + في وارد مراجعة سياستها التقشفية أو أن تزيد من شعبية بايدن.

النفط والسلاح

مما لا شك فيه أن موضوع إمدادات النفط والعلاقة الأميركية – السعودية تمر بظروف دقيقة بموازاة دفع إدارة بايدن بأحداث خرق نوعي في العلاقات السعودية – الإسرائيلية، ولقد أفادت تقارير صحفية أن المملكة طلبت تزويدها بأسلحة استراتيجية وعدم التلكؤ في تسليم الأسلحة التي اعلنتها المعاهدة مع الرئيس السابق ترامب عام 2017، وهي تشمل أنظمة الدفاع عن المناطق العالية الارتفاع (THAAD)، المروحيات، الصواريخ لأنظمة دفاع الطائرات باتريوت، الذخائر الجوية، الصواريخ المضادة للدبابات، أنظمة الرادار، والفرقاطات.

اعلان المملكة العربية السعودية مواصلة الخفض الطوعي للإنتاج قد يحدث هوة في السياسة الخارجية الاميركية والتزام إدارة بايدن بإعطاء الرياض تفوقاً عسكرياً في المنطقة. وهذا سيؤكد سياسة الجزرة والعصا أو النفط مقابل التسلح.

إن رؤية 2030 تتضمن خططاً لزيادة الإنفاق على معدات الجيش المحلية من 2 في المئة إلى 50 في المئة من الإنفاق الإجمالي، حيث تم تكليف الشركة الحكومية السعودية للصناعات العسكرية (SAMI) والهيئة العامة للصناعات العسكرية (GAMI) بالإشراف على هذا الجهد. كما أعلنت الرياض أيضًا أنه اعتبارًا من عام 2024، سيتطلب من الشركات الأجنبية المختصة في مجال الدفاع والشركات الأخرى أن تكون لديها مقرات إقليمية في المملكة.

ومن المرجح أن ترى الرياض محادثات التطبيع كوسيلة محتملة لاستئناف عمليات الشراء لمنصات هجومية إضافية. على وجه التحديد، وبالرغم من اعتراض الكونغرس فالمملكة سترغب في الحصول على صفقة مماثلة لما حصلت عليها دولة الإمارات العربية المتحدة مقابل اتفاق التطبيع مع إسرائيل: مقاتلاتF-35 ، وطائرات MQ-9 ريبر، ومجموعة متنوعة من الصواريخ الموجهة بدقة. وكان من المتوقع أن تبلغ هذه الصفقة 23 مليار دولار وأن تصبح الأمارات أول دولة عربية تعمل بها مقاتلات F-35 وMQ-9.

فهل سيمرر الكونغرس هكذا صفقة؟  الجدير ذكره أن في عام 2019، قامت إدارة الرئيس ترامب بتفعيل إجراء طارئ لمواصلة عملية بيع أسلحة بقيمة 8 مليار دولار إلى السعودية والإمارات العربية المتحدة من دون إخطار الكونغرس. وعندما قام مشروع قرار بمنع البيع بتقدم نائبين من الحزبين في مجلس الشيوخ، قام ترامب بالاعتراض عليه وقام بتنفيذ عملية البيع.

خلاصة المملكة السعودية تسير في سوق الطاقة وفق مصالح السوق وتعطيها الاولوية على المصالح الاميركية. ومع قرب الانتخابات النصفية نرى أسعار الوقود تصعد في أميركا.

فهل تصح مقولة “نيويورك تايمز”: “ولت الأيام التي كان بإمكان الرؤساء الأميركيين أن يطلبوا فيها خدمات من حلفائهم السعوديين؟ وهل تصلح محادثات التطبيع وصفقات الأسلحة هذه العلاقات؟