الموت في حضرة الصحافيين: عندما تصبح المواثيق الدولية حبراً على ورق

نوفمبر 28, 2023

A-

A+

الإعلام هو مرآة المجتمع، ينقل ما يحدث فيه من أخبار حسنة، ومن أخبار سيّئة، ويواكب كلّ ما يجري فيه على الصّعد كافّةً؛ من السياسة، إلى الفنّ، إلى الاقتصاد، إلى الحروب، وغير ذلك.

ويقوم الصِّحافيُّ بعمله، ويسعى إلى نقل الأخبار والأحداث الآنيّة، ويبقى صامدًا حتّى في أصعب الأوضاع، ولا سيّما في الحروب والأزَمات؛ حيث يُخاطر في حياته، وذلك لكي يصل الخبر إلى المتلقّي، ويكون هذا الأخير على بيّنة بكلّ ما يحدث. كأنّ الشّخص الذي يخوض مهنة الصّحافة قطع عهدًا على نفسه بتحمّل كل مشقّاتها، وكل مصاعبها، بما فيها الحروب والأزَمات. وهذا ما يجعل الصحافيّ في موقع البطولة والشّجاعة والصّمود حتّى النّفس الأخير…

وفي هذا الإطار، فإنّ الصّحافيّ في أثناء تأدية واجبه المهنيّ؛ يقتضي توفير الحماية له ومعاملته كالمدنيّ، وذلك حفاظًا على حريّة الصّحافة وحريّة الرّأي والتّعبير التي تضمنها الدّساتير، والقوانين، والاتّفاقيّات الدّوليّة.

وهذا ما يدفعنا إلى طرح السؤال الآتي:

هل احترم العدوّ الإسرائيلي الدّساتير والاتّفاقيّات الدّوليّة، وحيّد الصّحافيّين من عدوانه الغاشم وضرباته الموجعة؟

ففي زمن الحرب تنصّ المادّة 79 من البروتوكول الإضافيّ الملحق باتّفاقيّة جنيف 1949 لحماية المدنييّن بالنّزاعات العسكريّة على:

“أنّ الصِّحافيين المدنيّين الذين يؤدّون مهمّاتهم في مناطق النّزاعات المسلّحة يجب احترامهم ومعاملتهم كمدنيّين، وحمايتهم من كلّ شكل من أشكال الهجوم المتعمّد شريطة ألاّ يقوموا بأعمال تخالف وضعهم كمدنيّين”.

كذلك نصّ القرار 1738 لمجلس الأمن الدّولي على:

– إدانة الهجمات المتعمّدة ضدّ الصِّحافيّين وموظّفي وسائل الإعلام والأفراد المرتبطين بهم أثناء النّزاعات المسلحة.

– مساواة سلامة وأمن الصِّحافيّين ووسائل الإعلام والأطقم المساعدة في مناطق النزاعات المسلّحة بحماية المدنيّين هناك.

– اعتبار الصِّحافيّين والمراسلين المستقلّين مدنيّين يجب احترامهم ومعاملتهم بهذه الصّفة.

– اعتبار المنشآت والمعدّات الخاصّة بوسائل الإعلام أعيانًا مدنيّة لا يجوز أن تكون هدفًا لأيّ هجمات أو أعمال انتقاميّة.

أمّا على صعيد لبنان، فإنّ الدّستور اللّبناني ينصّ في مقدّمته في الفقرة “ج” على أنّ:

“لبنان جمهوريّة ديمقراطيّة برلمانيّة تقوم على احترام الحريّات العامّة، وفي طليعتها حريّة الرّأي والمعتقد”.

لكنّ الواقع الّذي نشهده اليوم، مغاير تمامًا لما تنصّ عليه اتّفاقيّة جنيف ومجلس الأمن الدّولي؛ فالعدوّ الإسرائيلي كان دائمًا السبّاق في الاعتداء على الصِّحافيّين، وانتهاك حقوقهم، والتعدّي على حريّاتهم، وذلك بحسب دراسة أجرتها منظمّة التيارات المضادة countercurrents الأميركيّة؛ حيث واجه الصِّحافيّون أثناء تغطيتهم للأحداث الآنيّة، والمتمثّلة بالقصف الإسرائيلي على الحدود الجنوبيّة اللّبنانيّة، أو في غزّة تحدّيات كبرى؛ منها الاعتداءات، والقتل، والقصف…حيث تصرّف العدوّ بوحشيّة مطلقة، متخطّيًا الخطوط الحمراء، ضاربًا عرض الحائط القانون الدّولي الذي ينصّ على حماية الصِّحافيّين الّذين يغطّون الحروب والنّزاعات المسلّحة.

وهنا يعتمد العدوّ الإسرائيلي سياسة قمع حريّة الصّحافة، وحريّة الرأي والتّعبير، ويحاول حجب الصّورة، وإسكات الصحّافيين، ومنعهم من تغطية الأحداث بشفافيّة، وذلك بغية التعتيم على فظاعة جرائمه.

ومن صور التعدّي على الجسم الإعلاميّ؛ إقدام العدوّ الإسرائيلي على قصف سيّارة المصوّر اللّبناني في وكالة رويترز، عصام عبدالله، الّذي استشهد على الفور، وراح فداءً للصورة الحيّة… وغيره من الصحافيّين الذين أصيبوا بجروح أو اعتداءات.

كذلك، الصِّحافي الفلسطينيّ، وائل الدحدوح، الّذي فقد كلّ أفراد عائلته في غارة جويّة إسرائيليّة، أثناء تغطيته للحدث في غزّة، وهو بالفعل تحوّل إلى “أيقونة”، ومثالًا يحتذى به في الجسم الإعلاميّ، ومثالًا للصِّحافي المقاوم الذي يقف في وجه العدوان والظّلم، وينقل الحقائق والكلمة الحرّة.

ويبدو أنّ العدوّ الإسرائيلي يتعمّد قصف الكلمة الحرّة؛ حيث تعدّى مجدّدًا على الجسم الإعلاميّ، واستهدف المراسلة الصِّحافيّة في قناة الميادين “فرح عمر” وزميلها المصوّر “ربيع المعماري” بغارة جويّة، وذلك أثناء قيامهما بواجبهما المهنيّ في بلدة طير حرفا جنوبي لبنان.

 انطلاقًا ممّا سبق، يتبيّن لنا بوضوح الخرق الإسرائيلي لما ينصّ عليه القانون الدّولي الإنسانيّ في زمن الحروب، وتعدّيه المباشر على الصِّحافيّين المدنيّين.

لا شكّ في أنّ الوسائل الإعلاميّة اللّبنانيّة والعربيّة أدانت ما قام به العدوّ الإسرائيلي بحقّ الصِّحافييّن المناضلين، من تعدٍّ وضرب…إلّا أنّ الإدانة وحدها لا تكفي. ومن المؤسف أيضًا أنّ الشّكوى أمام مجلس الأمن لا تجدي نفعًا، الأمر الّذي يجعلنا نستنتج أنّه لا سبيل لحماية الصِّحافيّين، إلّا بتفعيل المعاهدات والاتّفاقيّات الدّوليّة التي تحمي حريّة الصّحافة، سواء في زمن الحرب أو في زمن السّلم، ومنح الحصانة للصّحافييّن.