غابات لبنان إلى الزوال: مِلَفّ حُرّاس الأحراج أصبح رمادًا!

ديسمبر 14, 2023

A-

A+

“سويسرا الشرق”، هكذا كان لقب لبنان في عصرٍ مضى… بلدٌ جميلٌ لا يشبه أيّ بلد آخر، يتميّز بطبيعته الخلّابة، بأرزه، وبحره، وجباله.

ولكن، يبدو أنّ المواطن يعتمد استراتيجيّة ممنهجة لتشويه صنع الخالق. فلبنان الأخضر حُرقت أحراجه، وكلّل الرّماد جباله؛ سواء بطرق مفتعلة لغايةٍ في نفس يعقوب، ألا وهي الحصول على الأخشاب، أو بطرق غير مفتعلة، ولكن أساسها الإهمال. وقُطعت أشجاره المعمّرة، والمسؤولون نائمون، والدّولة غائبة عن المحاسبة، سواء كان ذلك من باب الإهمال، أو من باب التغطية على الفاعلين المحسوبين على جهات معيّنة.

 وتتعرّض غابات لبنان إلى موجة تحطيب، لا سيّما مع اقتراب فصل الشتاء؛ حيث باتت مهنة التحطيب بالنسبة إلى بعض المواطنين اللبنانيين مصدرَ رزقٍ، وفي الوقت نفسه يؤمّنون وسائل التدفئة. ففي ظلّ الأزمة الاقتصاديّة الحادّة التي يعاني منها لبنان، وارتفاع سعر المازوت، وتقنين الكهرباء؛ يكون التحطيب الحل الأمثل للتدفئة بالنّسبة إلى المواطن الفقير…

بالإضافة إلى ذلك، شهد لبنان في السّنوات الأخيرة، موجة حرائق التهمت جزءًا كبيرًا من مساحاته الخضراء…

ولم تسلم أحراج لبنان من العدوان الإسرائيلي؛ حيث عمد العدو الإسرائيلي إلى إحراق الأحراج اللّبنانية بقنابل فوسفوريّة، من دون أيّ إدانة.

وأمام هذه الجرائم المروّعة بحقّ الوطن تُطرح الإشكاليّة الآتية:

أين قوانين حماية الغابات والبيئة من تلك الجرائم؟ وما مدى فعاليتها؟ وأين أصبح مِلَفّ حرّاس الأحراج الذين يتولون مهمّة الحفاظ على غابات لبنان؟

ينصّ قانون الغابات اللبناني الصادر في 7 كانون الثاني/1949 في المادّة 106 منه على أنّه:

“لا يجوز لأحد أن يحرق الشوك، والعشب، والقش، وغيره من النبات القائم على سوقه، إلا برخصة من مصلحة الغابات في الأراضي الواقعة على أقل من خمسماية متر من الغابات، وذلك من أول تموز إلى 31 تشرين الأول، وعلى أقل من مئتي متر من أول تشرين الثاني إلى 30 حزيران، إلا إذا رخص بخلاف ذلك”.

وينصّ قانون حماية البيئة رقم 444/2002 في مادّته الثالثة على أنّه:

” لكل إنسان الحق ببيئة سليمة ومستقرة، ومن واجب كل مواطن السهر على حماية البيئة وتأمين

حاجات الأجيال الحالية من دون المساس بحقوق الأجيال المقبلة”.

فالمواطن غير المسؤول، يساهم في تشويه الطبيعة، وفي تلوّث الهواء؛ وذلك عن طريق الحرائق المفتعلة التي يقوم بها، بغية المتاجرة بالحطب والفحم.

من هنا، على المواطن أن يمارس الرقابة على نفسه؛ لأن تعدّيه على الغابات، وقيامه بقطع الأشجار وحرقها، يهدّد سلامة البيئة العامة، ويمسّ بحاجات الأجيال المستقبليّة.

وفي هذا الإطار، لا يمكن أن نغفل عن الاستراتيجيّة الوطنيّة التي أطلقتها وزارة البيئة للحدّ من مخاطر حرائق الغابات في لبنان، وقد هدفت هذه الاستراتيجيّة إلى تقليص خطر اندلاع الحرائق، والوقاية منها.

وفي مقابل ذلك، ما زال مِلَفّ حرّاس الأحراج خاضعًا إلى التوازنات الطائفيّة والمحاصصة؛ حيث يشكّل وجود هؤلاء الحرّاس ضمانةً لتفادي المخاطر التي تتعرّض لها الغابات. ولكن في ظلّ غياب العديد الكافي من هؤلاء، وفي ظلّ تخلّف الدّولة عن توظيف الحرّاس الذين نجحوا في اختبارات التوظيف التي أجراها مجلس الخدمة المدنيّة في العام 2016، وما زالت عالقة في جوارير النسيان حتى اليوم، بحجّة عدم مراعاة التوازن بين المسلمين والمسيحيين. الأمر الذي انعكس على الثروة الحرجيّة؛ حيث تعرّضت غابات لبنان إلى موجة حرائق امتدّت من شماله إلى جنوبه، والذي أدّى بدوره إلى تلوّث التربة والهواء والمياه. بالإضافة إلى عمليّة قطع الأحراج من دون حسيب أو رقيب. وفي ظلّ كل هذه الكوارث البيئيّة لم يتحرّك هذا المِلَفّ حتى الآن.

فحرّاس الأحراج لهم مهام موزّعة على خمسة وأربعين مركزًا تغطّي الأراضي اللبنانيّة كافّةً، ويُفترض أن يكون عملهم 24/24 ساعة بالتناوب، الأمر الذي يستلزم عددًا أكبر من الحرّاس.

ومن المهام الموكلة إليهم:

  • مراقبة الأحراج.
  • السّهر على حماية الأحراج من المخالفات والتعدّيات.
  • كتابة تقارير حول واقع الأحراج، وذلك تجنبًّا للحرائق المحتملة.

وعلى الرّغم من أنّ هؤلاء الحرّاس هم من موظّفي الفئة السادسة، إلّا أنّ وجودهم ضروريّ لحماية غابات لبنان والمحافظة عليها؛ وذلك لأنّ غيابهم، يشكّل خطرًا كبيرًا على أحراج لبنان، من الحرائق، إلى التعدّيات،  إلى القطع، وغير ذلك.

وفي هذا الإطار، نذكر الجريمة البيئيّة التي تعرّضت لها بلدة “رميش” الجنوبية، عندما أقدم مواطنون مجهولون على قطع غابات السنديان من دون أي محاسبة؛ لعلّه من باب المحاباة إلى فريق سياسي أو آخر.

في الواقع، إنّ تعيين حرّاس الأحراج وحده لا يكفي؛ إذ يجب تفعيل القوانين التي تحمي البيئة والغابات، وإصدار المراسيم التنظيميّة لتلك القوانين، وتشديد العقوبات بحقّ الفاعلين، وتعزيز حسّ المواطنة لدى المواطنين؛ لأنّ العبرة بالنّفوس وليست بالنّصوص.

  وفي النهاية، نأمل أن تكون النيران التي التهمت أشجار لبنان الخضراء، هي الدافع الذي يحرّك السّلطات المعنيّة بشأن مِلَفّ حرّاس الأحراج، وأن يكون توظيفهم مستندًا إلى معيار الكفاءة، وليس إلى معيار الطائفيّة؛ لأنّ الهدف أوّلًا وأخيرًا هو المحافظة على ما تبقّى من ثروة لبنان الحرجيّة.