“نكّيشة النفايات والخردة”: باب رزق يستفيد منه الكبار
ديسمبر 15, 2023
A-
A+
في ظل غياب الدولة عن أرض الواقع، وفي وقت حلول فصل الشتاء والعواصف التي تجلب معها الكثير من الحوادث على الطرقات بسبب انسداد المياه على شوارع لبنان، يأتي الشتاء بدلاً من أن يكون رزقًا، نقمة على لبنان. فالشوارع غير مؤهلة للسير عليها ويُعدّ وضع الطرقات حاليًا في لبنان، مشابهًا لما كان عليه قبل سنة 2000، من حيث عدم وجود إنارة وتوقف صيانة الطرقات وعدم تطبيق القانون، بالإضافة إلى انعدام القدرة المادية لصيانة السيارات، بالإضافة إلى وجود أفراد يُلقبون بـ “النكيشة”، الذين يهدفون أساسًا إلى الاستفادة من نفايات لبنان من خلال تخريب المستودعات والبحث عن الخردة، مما يزيد الأمور سوءًا على حياة المواطنين والبنية التحتية.
فإلى متى سيظل هؤلاء الأفراد مستمرين في هذه الفوضى؟ وإلى متى ستظل الدولة بعيدة عن هذا الملف، رغم وجود بعض الخيوط التي تشير إلى علاقة أشخاص من هذه السلطة الفاسدة بهذا الأمر؟
في الوقت الذي تزين شوارع البلدان الخارجية حلتها بمناسبة موسم الأعياد، إلا أن بلدنا دائماً مزين بالنفايات على طرقاته وزواريبه، حيث يأتي كل يوم فريق النفايات لتنظيف المستودعات ومن ثم يقوم هؤلاء “النكيشة” بتخريب النفايات ورميها على الأرض. النكش في الخارج يستخدم عادة للزراعة، حيث يقوم الناكش بتقليب الأرض لزراعة البذور فيها، أما في لبنان فالنكش له استخدام آخر، إذ لا صلة له بالزراعة. بدلاً من الاستفادة من إعادة تدوير هذه النفايات للمحافظة على بيئتنا، يستمرون هؤلاء الأشخاص في تلويثها أكثر وأكثر، حيث يقومون بجمع الحديد والمعادن والبلاستيك والزجاج والكرتون للتجارة بها، ويتم نقلها بشكل خاص إلى سوريا أو تركيا بواسطة أفراد يقودون هذا “البزنس”، وذلك مقابل بدل مالي مرتفع. ووفقًا لما نشرته صحيفة “الأخبار”، بلغ حجم صادرات لبنان من الخردة حوالي 2.3 مليار دولار في العقد الأخير، مما يثير العديد من الأسئلة حول دور الدولة في المحافظة على هذه الثروة التي قد تساهم في مساعدة لبنان على النهوض اقتصادياً من أزمته. إذ أن مفهوم التدوير يعتبر عملية تحويل المخلفات إلى منتجات جديدة، وهي تقنية تُستخدم لاستعادة وإعادة تدوير الموارد بطريقة تعود بالفائدة الاقتصادية والبيئية. وفي هذا السياق التاريخي، كان الإنسان يمارس هذه العملية بتذويب المواد المعدنية وتحويلها إلى أدوات جديدة قابلة للاستخدام، مما يبرز استدامة هذا النهج عبر الزمن.
أما على الصعيد الصحي لهؤلاء الأشخاص، تتكرر مشاهد “النكاشة”، حيث يتعرض الأطفال الصغار للخطر والأذى أثناء تفاعلهم اليومي مع حاويات النفايات. يظهر المشهد المألوف لطفل لا يتجاوز خمس سنوات يلتصق بالحاويات، ويصبح هذا جزءًا من حياته اليومية. يمكن للمارة أن يرصدوا هؤلاء الأطفال حول النفايات، حيث يقومون بجمعها وحملها في أكياس صغيرة على أكتافهم. يلتحق آباؤهم يوميًا للعمل في أقرب حاوية إلى منازلهم، مع تأثير واضح على صحتهم وحياتهم اليومية.
يتم استجواب الشبان حول نشاطاتهم وكيفية كسب رزقهم، وتظهر إجابات متنوعة. ولكن يظهر أن هؤلاء الشبان قدموا من سوريا إلى هذا المكان بناءً على توصية من أقاربهم الذين يعملون في نفس المجال. يعبرون عن استمرارهم في هذه المهنة بثقة، رؤية فيها فرصة دائمة للعمل. يعملون بشكل منتظم لجمع النفايات من الحاويات، مع توجيه جهودهم نحو فرز القمامة وبيعها، خاصة في مناطق “صبرا” و”شاتيلا”.
ومن هنا يبقى السؤال، لماذا لا يُطبق القانون البيئي الذي يحمي البلد من هذا العمل العشوائي؟ وأين دور البلديات من هذا العمل التخريبي؟ ولماذا لا تقوم البلديات بردع هؤلاء المخربين؟ ولماذا الدولة غائبة عن هذه الثروة الضائعة التي من المؤكد، لو استُفِيدَت منها، لكانت تعود بملايين من الدولارات لو طُبِقت خطط فرز النفايات مثل بقية الدول في العالم.
الأكثر قراءة
- رقصة اولى حولها القدر الى الرقصة الاخيرة: نزيف الأقليّات مستمرّ فانيسا حبيب
- في خدمة الحريّة: مستمرون في مواجهة الهمجيين والبلطجيين والميليشيا محمد الغزاوي
- عن التروما التي تعشقنا وتحاول قتلنا كارل حدّاد
- مجموعة “بريكس” تتوسع: هل ينتهي عصر الدولار؟ رَهادة الصميدي