لا ملاجئ للهاربين.. الحكومة عايشة على “ما يقدر الله”

يناير 4, 2024

A-

A+

أغلب ما يطغى على نقاشات اللبنانيين اليوم هو كل ما يدور حول الحرب أو الاشتباكات المندلعة في الجنوب اللبناني بين “حزب الله” والجيش الإسرائيلي، واحتمالية توسع رقعة المعارك لتشمل مناطق أخرى من لبنان.

فكما هو معلوم، يعيش لبنان في بقعة ساخنة من الكرة الأرضية، ومصاب بـ”لعنة الجغرافيا”، فجاور إسرائيل التي لا تعرف معنى للسلام، وسوريا التي لا تعترف بسيادته.

وفي الآونة الأخيرة رفعت إسرائيل من حدة تهديداتها واغتالت قياديا فلسطينيا في الضاحية الجنوبية للعاصمة، وكررت مرارا أنها تعتزم تحويل العاصمة بيروت إلى “غزة ثانية”، حال عدم قيام “حزب الله” بسحب عناصره من الجنوب اللبناني.

وبعد تحويل عدد لا بأس به من المنازل في كثير من القرى الجنوبية إلى ركام، وتبادل في قصف طال الأخضر واليابس، بات الحديث عن امتداد الحرب إلى بيروت حقيقيا، وقد تشمل تلك الحرب لبنان أجمع.

ويحتوي لبنان على جميع أشكال الوسائل التي تخلق انعداما للطمأنينة، وقد يعود به الزمان إلى ما قبل العام 1990 في ثوان، وقد شهدنا عدة أمثلة أعادتنا قرونا إلى الوراء.

ولكن السؤال الأساسي، هل لبنان مجهز لحرب كهذه؟ أو كي لا نعمم السؤال كما تجري العادة الآن… هل اللبنانيون محميون من الحرب الشاملة والـ”غزة الثانية”؟ وإلى أين سيلجأ اللبناني في حال أمطرت إسرائيل بقذائفها الحارقة؟ والأهم… ما خطة الحكومة العزيزة لمواجهة التهديدات؟

هل هناك ملاجئ في لبنان؟

من اسمه، الملجأ يلجأ إليه الناس لكونه مكاناً محصناً يحميهم من الحرب والهجمات العدوانية، وقد شاع استخدامه عالمياً خلال فترة الحربين العالميتين الأولى والثانية. ومن الضروري قانونياً وإنسانياً أن تنشئ الحكومات ملاجئ لمواطنيها تحسبا لأي طارئ.

في لبنان، ذلك البلد الذي يعيش حالة حرب مع إسرائيل منذ أكثر من 75 عاماً، وشهد العديد من الغزوات والحروب والانفجارات، فمن المتوقع أن تكون أبنيته مجهزة بملاجئ محصنة.

إلا أن ما تبين بعد البحث والتدقيق ألا ملاجئ في لبنان، وإن وجدت، جرى استخدامها لأغراض شخصية بجشع تاجر وإهمال سلطة حاكمة.

في معاينة ميدانية لمناطق العاصمة بيروت (قلب لبنان ومركز سلطاته)، وخلال حديث مع أمين سر نقابة المهندسين فيها، المهندس توفيق سنان، كشف أنه لم يتبقى في لبنان سوى ملاجئ قليلة احتمى فيها المواطنون خلال الحرب اللبنانية (1975 – 1990)، تستخدم الآن لأغراض شخصية ويسيطر عليها أفراد مجهولون فيحولوها مخازن أو مستودعات أو معارض.

وأوضح سنان أن تلك الملاجئ لم تعد قادرة على حماية السكان ولو أُعيد الاعتماد عليها للقيام بتلك المهمة، لأنها باتت غير قادرة على حماية اللبنانيين إثر ضعف أساستها وعدم ترميمها منذ فترة طويلة، بالتالي ستعجز عن تحمل الأسلحة المتطورة وستنهار على رؤوس من فيها.

لماذا لا توجد ملاجئ في لبنان؟

رضخ اللبنانيون للأمر الواقع، وسلّموا جدلا بأن “إخوانهم” التجار احتكروا ما تبقى من ملاجئ تعد على أصابع اليد. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه، لماذا يفتقر لبنان إلى وجود ملاجئ في كل بقعة من بقاعه وهو يعيش “العديد من المغامرات في كل عام”؟

المهندس سنان أكد أن المشكلة الأساسية في لبنان تكمن خلف غياب خطة صحيحة وسليمة لإدارة الكوارث، أي أن لبنان ليس عاجزا عن مواجهة حرب فحسب، بل إنه لن يكون قادرا على مواجهة أبسط الكوارث الطبيعية، كالزلازل والعواصف وغيرها، علما أن لبنان شهد سابقا كوارث طبيعية أودت بحياة آلاف السكان.

ووفقا للمهندس أكثر من 10% من مستشفيات بيروت غير قادرة اليوم على مواجهة هزة أرضية. أما مطار رفيق الحريري الدولي (وهو المطار الوحيد النشط في لبنان) ووزارات الحكومة وغيرها من المباني الأساسية في بيروت، غير مجهزة أيضا لمواجهة التهديدات.

وذكّر سنان بأن الحكومات التي تعاقبت وحكمت لبنان منذ نيل الاستقلال (عام 1943)، ناقشت العديد من الخطط لإدارة الكوارث، إلا أن تلك المخططات كغيرها من الملفات المصيرية، وُضعت في ثلاجة المعنيين نتيجة عدم تمويلها، فالأموال المخصصة لحماية المدنيين استُغلّت من قبل المسؤولين وأُنفقت على أغراضهم الشخصية.

ماذا عن الشمال “البعيد”؟

من يطلع على خارطة المعركة في الجنوب اللبناني، يظن بأن مناطق الشمال البعيدة ستسلم من الدمار، إلا أن أهل الشمال لا يخافون الحرب فحسب، بل يخشون هبوب رياح عاتية، إذ كلما ضربتهم عاصفة أو وقعت أبسط هزة أرضية، تنهار مبانٍ مأهولة بالسكان ويموت الناس وهم في منازلهم.

في حديث مع نقيب المهندسين في طرابلس والشمال، المهندس بهاء حرب، أكد أنه قام بمعاينة العديد من أبنية الشمال اللبناني بعد وقوع الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا في شباط الماضي.

وتبين مع المهندس أن 80% من تلك المباني تفتقر إلى شروط السلامة العامة، وذلك يعود إلى فساد جهتين أساسيتين، الأولى هي نقابة المهندسين التي لا تشدد على صرامة التصاميم ولا تتأكد ما إذا كان المبنى مجهز لأي طارئ، كما توزع شهادات سكن و”تنفيذ أعمال” بشكل عشوائي، وبدون التحقق من سلامة المباني والكشف عليها سنويا.

أما الجهة الثانية هي البلديات التي تمنح وتجدد تراخيص للمستثمرين والمستأجرين بدون التأكد من توفر شروط السلامة العامة في المباني، كما تتخطى الكشف السنوي على سلامة الأبنية.

ماذا سيحدث حال اندلعت الحرب في لبنان؟

في الحديث مع المهندسين، أكدا أن الوضع سيكون كارثيا حال اندلعت الحرب، نتيجة غياب خطة لإدارة الكوارث، لا سيما وأن لبنان يشهد شغورا في المناصب المهمة لديه، كما يعاني من ازمة اقتصادية خانقة.

المهندس توفيق سنان اقترح الاعتماد على القطاع الخاص لكونه الأكثر كفاءة في العالم العربي على الرغم من مروره بأزمات مختلفة، إذ إن الحكومة باتت عاجزة عن تمويل القطاع العام او الاعتماد على الهيئة العليا للإغاثة.

خلاصة، إن المعنيين في لبنان يتعاملون مع المخاطر بكل هدوء وبساطة، ولا يأخذون على محمل الجد المخاطر التي قد تترتب على اندلاع الحروب أو وقوع الزلازل، ويظنون أن لبنان محصن ولا تصيبه مصيبة.

على هيئة إدارة الكوارث الاجتماع على الفور وأخذ الأمور بجدية وتوزيع الخدمات على كافة المناطق اللبنانية بدون استثناء.

اللبنانيون بحاجة إلى آليات وطائرات هليكوبتر لنقلهم إلى مكان آمن خلال الحرب، كما إنهم بحاجة إلى كوادر طبية لإسعافهم، وعناصر دفاع مدني لحمايتهم، وتأهيلهم وإرشادهم لكيفية التعامل مع حالات الطوارئ.

اللبنانيون بحاجة إلى طرقات سليمة، وإلى لجنة أشغال عامة تقوم بواجبها في المجلس النيابي، وتشديد الرقابة على عمل النواب بالملفات المتعلقة بموضوع السلامة العامة للناس.

والاهم، إن اللبنانيين بحاجة لملاجئ يحتمون فيها من العدوان، خارجي (إسرائيلي) كان أم داخلي (حرب أهلية)، فإسرائيل نفسها تحتوي على ما يزيد عن مليون ملجأ (وفقا لصحيفة الغارديان البريطانية).