تخوين وعمالة: صفات تلاحق كل الرافضين للحرب

يناير 5, 2024

A-

A+

رحب لبنان باليوم الأول من عام 2024 بمزيج من الخسارة والارتباك الذي يزيد من عدم اليقين بشأن مصير هذا البلد المحكوم عليه بالقلق والتوتر.

فمع انتهاء السنة الماضية أعلنت الأمم المتحدة اغلاق المحكمة الخاصة بلبنان التي كُلفت سابقا للتحقيق في قضية اغتيال الشهيد رفيق الحريري من دون الوصول الى تنفيذ العدالة والوصول الى الانتقام من المجرمين الذين أدانتهم المحكمة الدولية لأن السلطات اللبنانبة فشلت وتأخرت في اعتقاله،, وكما بررت السلطة اللبنانية قبل بضعة أيام فشلها بقضية رياض سلامة وهروبه من العدالة ك”شاهد ما شفش حاجة” وتبريرها أنها لا تعلم بمكان الاقامة.

وهذه السلطة ذاتها، وقبل أيام، بقيت صامتة ومشلولة، وراضية بكونها “شاهدة على ما لم تشهده” حيال حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة، “الهارب من وجه العدالة”، الذي شارك في مأتم شقيقه، وفي وضح النهار وعلى مرأى من الجميع وعلى صفحات الصحف، بعدما كانت قد بررت عدم إحالته للقضاء بحجة تعذر إبلاغه بمذكرات التوقيف لأنه مجهول الإقامة ومتوارٍ عن الأنظار، خصوصاً أن بحقه مذكرتي توقيف دوليتين.

ولا عجب، فالحمايات السياسية والأمنية لا تقتصر على سلامة، أو على مرتكبي جرائم الاغتيال الذين أدانتهم أو لم تتوصل إليهم آليات القضاء المحلي والدولي، وإنما تشمل رؤساء ونواب ووزراء ومسؤولين في مختلف إدارات الدولة، لا يحتاج تورطهم بجريمة تفجير مرفأ بيروت إلى أكثر من الأدلة المتوفرة بكتب رسمية.

لكنه العقم الذي يدمغ الحياة السياسية والأمنية والقضائية في لبنان، والذي تثبت تطوراته أنه غير قابل للعلاج والإصلاح، لأنه مرتبط باللعب على أوتار غرائزية اللبنانيين الحاضرين لتجاهل واقعهم المذري والمهين والتغاضي عن الاهتمام بمستقبلهم ومستقبل أولادهم، بغية تكريس الانقسام الطائفي والتحريضي في كل كبيرة وصغيرة، واليوم ها هم يعززون انقساماتهم على خلفية “حرب غزة” وتداعياتها.

فالمسافة الفاصلة بين رفض جر لبنان إلى حرب مفتوحة ومدمرة، تحت شعار “مساندة غزة وإشغال العدو الإسرائيلي”، وبين تأجيج الصراعات الطائفية الرافضة للآخر، تلاشت بشكل كبير، وطغت عليها اعتبارات وتصنيفات تنبض بخطاب الكراهية، بحيث بات الرافضون خونة موصوفين.

وآخر “الخائنين” وفق وجهة نظر هؤلاء، هو البطريرك الماروني بشارة الراعي، لأنه أعلن رفضه امتداد الحرب إلى جنوب لبنان، وطالب بإيقافها وحماية اللبنانيّين وبيوتهم وأرزاقهم، وإزالة أي منصّة صواريخ مزروعة بين المنازل في بلدات الجنوب التي تستوجب ردًّا إسرائيليًّا مدمّرًا، واحترام قرار مجلس الأمن 1701 بكلّ بنوده لخير لبنان. ولم تشفع له إدانته “حرب إسرائيل المتعجرفة والمتباهية بأسلحتها المتطوّرة، على شعب غزّة بأطفالها ونسائها ومسنّيها في بيوتهم الآمنة والمستشفيات والكنائس والمساجد”.

في المقابل، سارع بعض المسيحيين إلى اتهام “حزب الله” بتعمد إطلاق الصواريخ باتجاه إسرائيل من القرى المسيحية في الجنوب اللبناني تحديدًا، وعن سابق تصور وتصميم لتهجير أهلها ومصادرة أراضيهم وممتلكاتهم.

اللعبة وسخة، وتحديداً لأن لبنان بلا بوصلة، ما دام الدستور معلقاً، وما دام الزعماء السياسيون لا يناضلون إلا وِفق مُتطلّبات مصالحهم الضيقة، حتى لو استدعى ذلك نسف ما تبقى من وفاق وطني. إذ تكفي المطالبة بتطبيق القرارات الدولية ونزع أي سلاح خارج الدولة، أو بالالتزام بالدستور أو بحياد لبنان لحمايته في خضم التطورات العسكرية التي تعصف بالمنطقة، ليتكشف أن استخدام خطاب الكراهية يُشكّل استراتيجية تُطبّق بنفس طويل وعلى المدى الطويل.

وكأن المطلوب كان ولا يزال إرساء صيغة خبيثة تستدعي فتح جبهات تبرعم هنا وهناك تحت راية الطائفة المظلومة أو الطائفة الخائفة، والتي تتغذى من منابع الحقد المذهبي والتنابُذ بين مُسلمين ومسيحيين، برعاية أحزاب لا تضمن استمراريتها إلا بشدّ العصب الطائفي.

الى متى ستبقى البوصلة ضائعة؟