الجنوب يشتعل.. الدولة اللبنانية ‘بلا رأس’ تتفرّج!

مارس 4, 2024

A-

A+

لم يأتِ كلام المسؤولين في الإدارة الأميركية عن “تخطيط إسرائيل لتوغل بري في لبنان” عبثًا، بل جاء مصداقًا لما صرّح به عدد من القادة العسكريين والسياسيين في إسرائيل حول الاستعداد لإبعاد “حزب الله” إلى ما وراء نهر الليطاني “عسكريًا”، في حال فشلت الجهود الديبلوماسية.
هذا التلويح الأميركي والتهديد الإسرائيلي جاء بعد تمنّع حزب الله منذ 8 أكتوبر من تنفيذ القرار 1701 الصادر عن مجلس الأمن عام 2006، والقاضي بوقف إطلاق النار على الحدود بين الحزب وإسرائيل، مبررًا ذلك بـ”إسناد” غزّة، والتي تشهد معارك بين حركة حماس والجيش الإسرائيلي.
وقد دعا القرار “الحكومة اللبنانية” يومذاك إلى نشر قواتها المسلحة في الجنوب بالتعاون مع قوات الطوارئ الدولية “اليونيفيل”، فضلًا عن إخلاء المنطقة ما بين الخط الأزرق ونهر الليطاني من أيّ مسلحين ومعدات حربية عدا تلك التابعة للجيش واليونيفيل.
لكِن من خرق قرار العام 2006؟ أين لبنان الرسمي مما يجري جنوبًا اليوم؟ وهل يدفع اللبنانيّون ثمن غياب الدولة من دمائهم؟


خروقات إسرائيلية بالجملة ولا رقيب!
منذ انسحاب الجيش الإسرائيلي من جنوب لبنان صيف تموز من العام 2006، بعد أسر حزب الله لجنديّين إسرائيليين والذي أدّى لسقوط ما يزيد عن 1200 شخص في لبنان فضلًا عن آلاف الجرحى في الحرب، خرقت إسرائيل المياه والأجواء والأراضي اللبنانية لما يزيد عن 35 ألف مرة وفق إحصاءات حكومية، وكانت هذه الخروقات بهدف الاستطلاع، أي أنها لم تكن خروقات قتالية كما هو الواقع اليوم.
وأيًّا تكن الذرائع والمبررات، وفيما تُعتبر الأمم المتحدة ممثلة بقوات الطوارئ هي المراقبة والمسؤولة عن حفظ الأمن لجنوبي بالتعاون مع لبنان “الرسمي”، فإنّ هذه “الأمم” مدعوّة مع هذا الـ”لبنان” حصرًا، إلى إلزام إسرائيل بوقف الاستفزازات والخروقات للسيادة اللبنانية.


الحزب يخرق القرار الأممي أيضًا..
وفي حين يسجّل ضدّ إسرائيل هذا العدد الضخم من الخروقات، يسجّل على حزب الله عطفًا خرقه لقرار مجلس الأمن منذ 8 أكتوبر من العام الماضي، وهو ما تتذرّع به إسرائيل لشنّ حرب مدمّرة على لبنان تحرق فيها ما بقيَ من أخضر البلاد فتحيلهُ يباسًا، وتحوّل العاصمة اللبنانية بيروت إلى عاصمة أشباح ودمار.
وفي تفاصيل هذه الجبهة، يقول المسؤولون والقياديّون في حزب الله إنّ ما يمليه “الواجب” على الحزب المسلّح يرتّب على مقاتليه مسؤولية دينية – إنسانية – وطنية في مساندة حماس وإسنادها، بينما يشدد الفريق المعارض لحزب الله على أنّ فتح الجبهة الجنوبية “دون إجماع وطني” يصادر سيادة الدولة ويسلبها قرار السلم والحرب، ويهدد كيانها بالزوال ومواطنيها بمذبحة متوقّعة!


الدولة اللبنانية “بلا رأس”.. تتفرّج!
وسط هذه الانتهاكات المتبادلة للقرار الأممي على جانبي الحدود تقف الدولة اللبنانية بصفة “مراقب”، بينما يستمرّ حزب الله جنوبًا في معركته “شبه المفتوحة” مع إسرائيل، وتواصل الأخيرة تنفيذ غارات في الجنوب الأقصى (المناطق الحدودية) والجنوب الأدنى (صيدا والجوار)، وفي البقاع أيضًا (بعلبك)، ولا تستثني العاصمة بيروت (الضاحية) من نيران الاغتيالات!
وحين يقرر المسؤولون اللبنانيون التعليق على الأحداث أعلاه، يقول نجيب ميقاتي (رئيس الحكومة ومتسلّم صلاحيات الرئاسة الأولى في ظلّ الفراغ الرئاسي) إنه لا يملك قرار السلم والحرب!
وفيما يتمنى بسام المولوي (وزير الداخلية) عدم توسّع الحرب إلى “العمق” اللبناني، يصرّح موريس سليم (وزير الدفاع) بأنّ جيش البلاد غير مؤهل لخوض الحرب في حال وقعت!


المواطنون يدفعون الثمن دماءً وتشريدًا ودمارًا!
منذ بداية الحرب بين الحزب اللبناني وإسرائيل، استهدف الطيران الإسرائيليّ ما يزيد عن 200 مقاتل في الحزب فضلاً عن عشرات الأطفال والنساء والمدنيين، وتسبب بنزوح ما يزيد عن 86 ألف شخص من القرى الحدودية (المنظمة الدولية للهجرة) إلى صور وصيدا والنبطية وبيروت وجبل لبنان، معظمهم افترشوا المدارس نظرًا لقصر ذات اليد جرّاء الانهيار الاقتصادي.
وفي الأثناء، تهدد إسرائيل بمضاعفة هذه الأعداد عبر حرب عسكرية في لبنان لدفع حزب الله إلى “الاستسلام”، بينما يقول العارفون بالحزب إنّه “لن يستسلم ولن يوقف إطلاق النار حتى وقف الحرب في غزة”، وتقول مصادر عسكرية وأمنية لبنانية إنّه يستعد لحرب طويلة مع إسرائيل..
المستقبل اللبناني القريب مفتوح على كلّ الاحتمالات، لكنّ احتمالًا يظلّ معلّقًا بالأمل في أحلام اللبنانيين: أن يعيشوا في دولة ذات سيادة في جوّها وبحرها وبرّها، صاحبة قرارٍ في سلمها وحربها!