بين الراهبة مايا زيادة والمنشد حسن حرب: مدارسنا صارت متاريساً
مارس 13, 2024
A-
A+
لم تكن الراهبة اللبنانية مايا زيادة – المدرّسة في إحدى مدارس كسروان – ضمن ندوة سياسية أواجتماع ثوريّ حين أدلت بدلوها في معرض الحرب الدائرة جنوبًا بين حزب الله وإسرائيل منذ الثامن من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، بل كانت في اجتماع مع طلابٍ لم يتجاوزوا العاشرة من عمرهم.
وإذ تحدّثت زيادة عن رغبتها في الصلاة لـ”رجال المقاومة”، أي العناصر المقاتلة في حزب الله، قرأت شعرًا للكاتب محمود درويش عن “الانتماء” مع أن طلابها لم يسمعوا بدرويش ولا قرؤوا عنه يومًا، فهم أصحاب الأظافر الناعمةِ بعدُ في هذا الكون الفسيح بتعقيداته السياسية والقومية.
وما زاد الطينة بِلّة هو ما صرّحت به زيادة في مقطع الفيديو الذي لاقى استنكارًا وشجبًا من الأهالي ومن الرأي العام، حين أكّدت أنّ عدم تأييد المقاتلين الجنوبيين هو خيانة للوطن والأرض!
الراهبة التي خرجت عن السياق التربوي
معروف، بل بديهي، دور الأساتذة والمعلّمين في تنشئة الطلاب – الذين هم أمانة في أعناق هؤلاء – تنشئة خالية من أيّ تأطير حزبي أو شحن سياسي، خصوصًا في مجتمع معقّد الحيثيات والتوجّهات والانتماءات الأولية (الأسرة والدين والطائفة والمنطقة أحيانًا) كالمجتمع اللبناني، لأنّ الأمر لا يقتصر على صلوات رهبنية وأشعار درويشية، بل لأنّ السلم الأهلي مهدد بين لحظة وأخرى بالانهيار بسبب الشرخ العامودي في الجسم اللبناني حول أبسط الملفات.
ولأنّ الراهبة زيادة لا تمثل نفسها، بل تمثّل مدرسة تابعة للفاتيكان بحسب المعلومات، والمدرسة المعنية صرح “تربوي” لا سياسي، وهي غير معنية بالتثقيف السياسي للطلاب؛ ومع علم هذه الأخيرة بأنّ هذه الحرب “جدلية” بين اللبنانيين ولا تحظى بإجماع وطني، كان لزامًا عليها أن تصليّ للأبرياء الذي يقتلون غيلةً في الجنوب، وأن تترك “المقاومة” وجدليتها لأصحاب الاختصاص لا لأصحاب الأظافر الناعمة!
الراهبة على خطى مدارس الحزب؟
مريبًا جاء انتشار مقطع الراهبة زيادة بُعيد أيام قليلة من توزيع فيديو آخر للمنشد المقرب من حزب الله “حسن حرب” في إحدى المدارس اللبنانية، والذي كان ينشد لزعيم حزب الله وأمينه العام حسن نصرالله نشيدًا بعنوان “يا سيد نحنا معك”، متوسطًا مجموعة من الطلاب – الأطفال، في مشهدٍ بدا كأنه تجمع حزبي لا احتفال ضمن باحة حرم تربوي.
هذا المقطع الذي كان من نصيب “المنشد حرب” لم يختلف عن مقطع “الراهبة زيادة” إلا في التفاصيل، بيد أنّ فكرة “تعليب” أفكار الأطفال وتأطيرهم هي المسيطرة على هذه التصرفات، وليس التوجّه (أي تأييد الحزب والحرب من عدمه) هو مجال البحث هنا، لكنّ غسل أدمغة الأطفال وتوجيههم قبل وعيهم وإدراكهم هو جوهر المشكلة وعين المُصاب.. أيًا يكن الموجّه ومهما تكُن وجهته!
أبو عبيدة يحضر صفوف الثالث الابتدائي!
لا يختلف الإسلام السياسي السنيّ في لبنان عن حزب الله الشيء الكثير، خصوصًا التيارات “الإسلاموية” والتي رفعت في بعض مدارسها – صروحها التربوية والتعليمية – صورًا للناطق العسكري باسم حركة “حماس” الفلسطينية أبو عبيدة، على هامش معركة طوفان الأقصى بين الحركة وإسرائيل في غزة.
ولم تكتفِ بعض المدارس بهذا القدر، بل طرحت أسئلة في امتحانات طلابها عن “أبي عبيدة” طالبةً توصيفه في موضوعٍ تعبيريّ مطوّل!
ومع أنّ هذه التيارات تستقطب أبناء جماهيرها – غالبًا – في مدارسها، ووربما تبرر تعليق الصور المذكورة بأنّ الطلاب عاجلًا أم آجلًا سيسلكون درب ذويهم، إلا أنّ الترويج للقتال المسلّح بين طلاب الصفَين الثاني والثالث الابتدائي لن يخدم أيّ قضية بل سيؤثر في سلوك الأطفال ويجعلهم أتباعًا لأفكار أيديولوجية وبيادق في لعبة المحاور الإقليمية كما هو الحال الجنوبي اليوم في معارك “إسناد” غزّة!
الطالب إلى صفّه والمقاتل إلى جبهته..
إنّ ما يطلبه الأهل من الكوادر التعليمية والإدارية والتربوية هو أن يحرصوا على تعليم أبنائهم ما يحتاجونه من علوم الرياضيات واللغات والفنون في حياتهم ومستقبلهم. وهذا هو الدور الوحيد المناط بالأستاذ وتحديدًا في أزمنة الحروب والانقسامات، وأن يتركوا للآباء والأمهات تربية النفس وتعليم الولاء وزرع الأفكار الوطنية وحتى القومية على الوجه الذي يرتضونه هم لأبنائهم.
على المدارس أن تنأى بنفسها عن العسكرة إلا أن تكون ثكنات عسكرية واضحة الأهداف والغايات، أو جمعيات كشفية – دينية ذات خلفيات حزبية على سبيل المثال. ويكون حينذاك الأمر متروكًا للأهالي في تقرير مصائر أبنائهم، وإلا فليرجع الطلاب إلى صفوفهم قرّاء ومتعلّمين.. ولينطلق الذين قرروا القتال إلى معسكراتهم وجبهاتهم مشتبكين ومقاومين!
الأكثر قراءة
- رقصة اولى حولها القدر الى الرقصة الاخيرة: نزيف الأقليّات مستمرّ فانيسا حبيب
- في خدمة الحريّة: مستمرون في مواجهة الهمجيين والبلطجيين والميليشيا محمد الغزاوي
- عن التروما التي تعشقنا وتحاول قتلنا كارل حدّاد
- مجموعة “بريكس” تتوسع: هل ينتهي عصر الدولار؟ رَهادة الصميدي