19 عاماً على 14 آذار: هل خسرنا مشروع الدولة؟
مارس 15, 2024
A-
A+
تسعة عشر عامًا مرّت على ثورة الرابع عشر من آذار، ولكن لا يزال لبنان عالقًا في نفس الدوامة. فهو يخوض صراعًا مستمرًا للحفاظ على مبادئ “الحرية والسيادة والاستقلال” التي نادى بها اللبنانيون بأكثرية ساحقة في ذلك الوقت، وليظل هذا البلد منفتحاً على العالم. وبعد مرور 19 عامًا، نشعر اليوم بأن مشروع بناء الدولة على وشك الهزيمة. إذ يتجسد التغيير غير المرغوب فيه بوضوح، عن طريق تعزيز سيطرة حزب الله على الدولة والإبقاء على سلاحه، مما يمنحه القدرة على الاستمرار في نشر ثقافة غريبة عن اللبنانيين، وهي ثقافة العنف والتخوين والاغتيال الجسدي والمعنوي.
ماذا خسر لبنان خلال سنوات طويلة من الإنقلاب البطيء والمتواصل على منطق الدولة والديمقراطيّة والعدالة؟
منذ خروج الاحتلال السوري من لبنان، سعى محور الممانعة جاهدًا ومن خلال مختلف الأساليب والطّرق لإبقاء سيطرته على مواقع القرار في الدّولة اللبنانيّة وإسترجاع أخرى وحتّى الإستيلاء على بعض المواقع الجديدة. وأدّت سياسات هذا المحور إلى سنوات طويلة من الفراغ على صعيدَي رئاسة الجمهوريّة والحكومة، وتعطيل للمؤسسات وتحجيم دورها. كما فُرض على لبنان ثلاثين يومًا من الحرب المدمّرة من دون أخذ لا رأي اللّبنانيّين ولا موقف دولتهم منها. عاش اللبنانيّون عشرات المعارك من الشياح وعين الرمانة في بيروت إلى جبل محسن وباب التبانة في طرابلس وما بينهما، وكانت لتؤدّي في ظروف مختلفة إلى حرب أهليّة قد تكون الأسوأ. إستقطب الحزب الإرهاب إلى الحدود الشرقيّة والعمليات الإرهابية في مناطق عدّة وفشل وحليفه الرّئيس الأسد في تنفيذ إحداها مع توقيف ميشال سماحة.
مع تكلّل سيطرة الحزب بوصول حليفه إلى الرئاسة وحكمه من خلال نفس النهج والتموضع منذ تفاهم مار مخايل، إنكفأ العرب والغرب عن لبنان، وإنكفأت الإستثمارات الأجنبيّة ورُحّلت المليارات إلى الخارج ولم نتعرّف على فاسد واحد لتبدأ أواخر العام 2019 مرحلة إنهيار إقتصادي ومالي هجّرت مئات الآلاف من الشباب ودمّرت الطبقى الوسطى و”طيّرت” أموال اللبنانيين. ناهيك عن فرض عشرات المربّعات الأمنيّة والتوقيفات والتعديات على الصحافيين والخصوم السياسيّين. وإفشال ثورة كانت واعدة في أيّامها الأولى، ودمار مرفأ نتيجة الصراعات الأقليميّة والقضاء على الشّهود والأدلّة والعدالة. وتخلّى لبنان الرّسمي بغير قراره عن مئات الكيلومرات عن حدوده البحرية مع إسرائيل. ومع ربط مصير لبنان بمصير حرب غزّة الّتي بدأت في السابع من تشرين الأول الماضي، يغامر الحزب اليوم بلبنان كما غامر بالجنوب الّذي تُدَمّر قُراه يوميًّا.
ماذا خسر لبنان أيضًا؟ كان يمكن لهذا البلد اليوم أن يتغنّى بشخصيّات لامعة أمثال جبران تويني وسمير قصير وبيار الجميل ومحمد شطح ولقمان سليم وغيرهم اللذين إغتيلوا في سبيل قلب المعادلة والإنقلاب المتواصل الّذي كان لا بدّ من رحيلهم كي يستمرّ. أُضعِفَت بذلك الحركة الشعبيّة الّتي مثّلوها والدّولة الّتي أرادوا بناءها. أمّا المستقبل الّذي طمحوا إليه، فقد أصبح بعيد المنال وهو مهدّد بأن يبقى حلمًا تُكتبُ عنه قصائد وأشعار.
بات لبنان اليوم بعيدًا كلّ البعد عمّا تصوّره أجدادنا وما ضحّى من أجله شهداؤنا وعن كلّ ما نطمح إليه كأجيال شابّة. فلا مصلحة لنا في بلد لا إستقرار فيه ولا عيش كريم، ولا مستقبل واعد. بلد تُحظَر فيه الأفلام إذ لم تُعجب الطبقة الحاكمة، ويُسجن أصحاب الرأي إذ لم يمدحوها، وتُقتل الحقيقة تحت ضوء الشّمس من دون أن يُحاسَب أحد. هذا البلد الصغير كان معقلًا للحرية والفكر والعلم والطّبابة والسياحة والآن أصبح يقاتل على مختلف جبهات الشرق الأوسط لتحقيق طموحات الجمهوريّة الإسلاميّة في التوسّع.
في هذه المرحلة المصيريّة الّتي نعيش فيها حالة قلق دائم على مستقبلنا في لبنان، أكان في موضوع الإقتصاد والمعيشة أو في أسلوب عيشنا وثقافتنا وتطلّعاتنا. لن يؤدّي الإستسلام إلى نتيجة لأنّ ذلك سيأخذ منّا كلّ شيء سلفًا. وما يمكن فعله هو التحضير والإستعداد والترقّب لأحداث وظروف أقليميّة ودوليّة قد تجعل إرادة اللبنانيّين أقوى في يوم من الأيام كما حصل في ثورة الأرز وتتيح لنا الفرصة لتحقيق ما لم نتخيّله ممكنًا.
الأكثر قراءة
- رقصة اولى حولها القدر الى الرقصة الاخيرة: نزيف الأقليّات مستمرّ فانيسا حبيب
- في خدمة الحريّة: مستمرون في مواجهة الهمجيين والبلطجيين والميليشيا محمد الغزاوي
- عن التروما التي تعشقنا وتحاول قتلنا كارل حدّاد
- مجموعة “بريكس” تتوسع: هل ينتهي عصر الدولار؟ رَهادة الصميدي