صيغة جديدة.. الحل الوحيد لتجنب الزوال؟
أبريل 3, 2024
A-
A+
لقد قسّمت حرب غزّة الرأي العالمي بين معارض لما قامت به حماس في الـ7 من أوكتوبر وداعم لإعادة الأراضي الفلسطينية المحتلّة. ولكن الإنقسام اليوم بين فئات المجتمع اللبناني أشبه بحرب أهلية مصغرة يتصارع فيها محور جرّ لبنان إلى حرب دموية مدمرة لا ناقة ولا جملاً له فيها و المقلب الآخر محور يُصهيَن و يُخوَّن لدعمه حياد لبنان و معارضته فكرة “وحدة الساحات” و تنهال عليه الشتائم و الإدعاءات من الجيوش الإلكترونية لمحور الممانعة.
لكن الملفت للنظر اليوم، هو أن إنشقاق هذه المحاور وتعارضها ما أظهر لنا فشل الصيغة اللبنانية وتركيبتها وأكدّ للبنانيين على ضرورة إيجاد نظام جديد يحمي الهويات المجتمعية والجماعات من بطش الممانعة و قبضتها المتمسكة بجميع إدارات الدولة والقرارات السياسية للبلد.
“صيغة الـ1943 ماتت، دفناها ووضعنا على قبرها حراسًا كي لا تقوم من جديد”، بهذه الكلمات لخص رئيس الجمهورية الأسبق الشهيد بشير الجميل حال صيغة الـ1943 ، أكثر من 40 عامًا ولم تتغير الصيغة ولا التركيبة و لم تتغير نظرة اللبنانيين لهما.
فما هي الصيغة والتركيبة و لماذا يخوّن كل من ينتقدهما؟
الصيغة إتفاق بين المسيحيين والمسلمين على عدم التحيّز لأي من القوة الإقليمية والدولية، وكيفية توزيع الأدوار بين الطوائف. أما التركيبة من جهة أخرى فهي تركيبة النظام السياسي التي تنظّم علاقة المواطنين بعضهم ببعض كما علاقتهم مع الدولة ومؤسساتها.
و في بلد تختلف فيه الهويات المجتمعية كإختلاف شكل أصابع اليد الواحدة، فمن الطبيعي جدًا إمتعاض الجماعات من نظام الدولة المركزية وتركيبتها. اليوم خصوصًا بظلّ الظروف القائمة في الشرق الأوسط، يخوّن ويدان بالعمالة كل من ينادي بإعادة النظر في التركيبة القائمة، كما يتم وصفه بالإنعزالي والتقسيمي.
فهل حقاً انعزالي وعميل كل من يطالب بإعادة النظر بالصيغة اللبنانية؟ ليس كل من أراد إعادة النظر في الصيغة والتركيبة يعني يريد التقسيم و رفع راية دولته المستقلة عن باقي الأراضي اللبنانية، بل العكس فمن ينادي بهذه المطالب يهدف إلى المحافظة وحماية الهويات المجتمعية داخل المجتمع اللبناني وتجنب عمليات الإنصهار المتفجرة التي تضرب التنوع في الهويات الثقافية داخل الدولة المركزية الواحدة، وبذلك نضرب المقوّم الأساسي لإبقاء لبنان الذي نعرفه وهي خصوصية كل جماعة في عملية العيش المشترك.
على عكس ما يسوّق له محاربو إعادة النظر بالتركيبة الذين قاموا بأنفسهم بضرب مقوماتها وإجبار الشريحة الأكبر من اللبنانيين بإعادة النظر بها، تحاول تلك الفئة التي يتم وصفها بالانعزالية، بالبحث عن نظام يلائم ويتلائم مع ميثاقية الوفاق الوطني وإرادة العيش المشترك مع مختلف مكونات الوطن من دون خطف قرارهم بوسائل شرعية وغير شرعية كما هو الحال منذ العام 1943، مرورًا بمرحلة الوصاية السورية ليصل بنا المطاف إلى ما نشهده ونعيشه اليوم.
فعندما يريد جمهور محور الممانعة تخوين اللبنانيين لمجرد محاولتهم إعادة النظر في تركيبة تخدم اللبنانيين كافة فعلى الممانعة تأمين أرضية صلبة غير متصدعة لتحمل اللبنانيين كافة ولا تقف فئة واحدة من اللبنانيين عليها بينما تتهاوى باقي الفئات في عواقبها و مساوئها.
و إذا كان محور الممانعة يريد لعب دور “الأب الحريص” على البيت و أفراده كما يصوره مناصروه فعلى ربّ المنزل الإنصاف و الإعدال بين جميع أبناء البيت ولا يتمايز أحد بسلطة مطلقة على سائر أفراد العائلة وإلا فلا يتوقّع سوى تفكك هذا البيت بينما أفراده يتسارعون للبحث عن “سقف جديد” يأويهم.
مما لا شك فيه اليوم هو إن ما قبل ٧ أكتوبر ليس كما بعده، فإن الصّراع الذي جرّنا إليه حزب لله و محوره قد وسع الشّرخ بين الفئات داخل المجتمع الواحد، ليس لأن اللبنانيين منقسمون بين مناصر للقضية الفليسطينية والمنهاض لها إذ إن اللبنانيين كافةً وبأكثريتهم يدينون العدوان الإسرائيلي المجرم على الشعب الفلسطيني إلا أننا لا نستطيع تحمل كل قضايا العالم بأسره ولبنان أصغر من أن يتسع لعبء قضايا الدول المجاورة وهذا ما لا يفهمه جمهور الممانعة، مما يؤدي إلى تفاقم الخلاف و الإصرار للبحث عن صيغة وتركيبة جديدة للبنان.
تتكاثر الأفكار حول الوجه الأنسب للبنان لجميع فئاته و تركيبته إلا أن اللبنانيين متفقون على نقطتَين أساسيتين، الأولى أن حزب لله لا يستطيع جرّ اللبنانيين بقرار إتخذته مجموعة صغيرة من إحدى فئات المجتمع اللبناني، واللبنانيون أجمعين هم أنفسهم صانعو قرارهم متحدين. أما النقطة الثانية أنه حان الوقت للتركيبة الجديدة بأن تحمي كل هوية مجتمعية، تحمي ثقافتها وخصوصيتها و إعطاؤها صلاحيات أنسب كي تدير أمورها كما يتناسب مع الدستور، المصلحة الوطنية و الميثاق الوطني.
الأكثر قراءة
- رقصة اولى حولها القدر الى الرقصة الاخيرة: نزيف الأقليّات مستمرّ فانيسا حبيب
- في خدمة الحريّة: مستمرون في مواجهة الهمجيين والبلطجيين والميليشيا محمد الغزاوي
- عن التروما التي تعشقنا وتحاول قتلنا كارل حدّاد
- مجموعة “بريكس” تتوسع: هل ينتهي عصر الدولار؟ رَهادة الصميدي