حجابي ارتديه في منطقة وأخلعه في أخرى.. أنا امرأة عاجزة عن تحرير ذاتها

أبريل 10, 2024

A-

A+

هذا المقال لم يصدر باسم شخص، والسبب يعود إلى أن الكاتبة فضّلت عدم الكشف عن اسمها خوفاً من مجتمعها.

“الطائرُ الذي يولد في القفص، يظنّ أنّ الحريّة جريمة”. ولكن لعلّ الطائر لا يُدرك أنّ بقاءه في القفص أخطر بكثير. بقاؤه يعني الرضوخ لسلطة سجّانه!

أنا طائرٌ ثائر، يومَ قرّر الخروج من قفصه، راح يرتعد في سماء الوجود بلا قيادة، يحاول البحث عن أرضيّة يستقر عليها، ولكنّه وجد نفسه يطير في دوّامة لا تنتهي. ما نفع الخروج من القفص إن كنت مكسورة الجناح؟

هكذا أنا، ضحيّة نفسي، تتلاطم في أعماقي الصراعات، وأفشل في التحرّر من قيودي. مشكلتي لم تكن بالقفص وحده، بل كانت بداخلي كذلك. أدركت حينها أنّني في خضم معركة، أبطالها مجتمعي، ذاتي.. وذواتي!

في حرب الهويّات، ما من رابح، الخسارة قدر مكتوب لا مفرّ منه، أو على الأقل هي كذلك بالنسبة إليّ.

 تائهة أنا في ذاتي، ضللت طريقي، فأصبحت يتيمة النفس. أمقت كلّ شخصيّة من شخصيّاتي. أكره كلّ قناع من أقنعتي. كرهت مجتمعي، فأكرهني نفسي.

إذًا من أنا؟ لا يهم.. فأنا موجودة داخل كلّ فتاة تحارب، تصارع، تسعى جاهدة من أجل إرضاء الجميع: المجتمع، العائلة، الدين، العادات.. ونفسها في وقت واحد! تساوم على قناعاتها وحياتها وحريّتها من أجل أن ترضي الجميع من دون أن تخسر نفسها، فتخسر نفسها والجميع في نهاية المطاف.

أنا كلّ امرأة تتحدّى، ولو في السر، ما يريده الآخرون لها ولا تريده لنفسها. أنا قويّة، خائفة، شجاعة، مكسورة. أنا عالم مفتوح من التناقضات، أرسم جراحي ثم أضمّدها، أتظاهر أنّني قويّة، أنكسر، أجمع فُتات ذاتي، ألصقها من جديد، أحاول، أتعب…

أنا ابنة مجتمعي مهما حاولت أن أخرج منه. بيني وبينه علاقة غريبة، علاقة طائر بقفصه. أكرهه لكن كلّما حاولت أن أبتعد، تخونني مشاعري وأعجز عن الرحيل.

ولكنّني أيضًا كلّ امرأة تحتقر نفسها، ولو عن غير قصد. تشعر أنّها منافقة، تدّعي القوّة فتنكسر أمام نسمة هواء. ترتدي حجابها في منطقة لتخلعه في أخرى، فتظنّ أنّ من حولها يلتهمها بنظراته، على الرغم من أنّهم لا يعرفونها حتّى! في الحقيقة، هي من تلتهم نفسها وهي من تحتقرها، لأنّها عاجزة عن تحرير ذاتها أمام من تريد.

أكذب على نفسي: ها أنت حرّة تفعلين ما تشائين. ولكن في الحقيقة، أنا لست حرّة ولن أصبح كذلك قبل أن أتحرّر من قيود ذاتي، قبل أن أتحرّر أمام مجتمعي وعاداته، داخل منطقتي أنا، لا مناطق الآخرين.

أنا “ريا” في “ع أمل”، ولو بظروف أقلّ قساوة، وكم تواسيني هذه الشخصيّة. أنا ضحيّة ذاتي العاجزة عن اتّخاذ خطوة الرحيل، على الرغم من كونها حلًّا ممكنًا.

تائهة أنا، عاجزة عن الاختيار، فإن اخترت نفسي، أخسر مجتمعي، وإن اخترت مجتمعي، أخسر ذاتي. حاولت أن أساوم بين الاثنين، فأصبحت أعيش أكثر من حياة، ولكنّني أعيشها جميعها بخوف وقلق. علقت بين حبلَين، أينما سقطت.. أنا خاسرة.

عندما تخبر أحدًا ما أنّك تريد أن تكون حرًّا، يفتح النار عليك: “التحرّر ليس باللّباس أو السهر أو الخروج عن الدين”. صحيح، هو ليس كذلك، أن تكون حرًّا يعني أن تستطيع أن تختار، مهما كان خيارك. وهنا أنا لا أقصد أنّ كلّ من يختار دينه وتقاليده وعاداته ليس حرًّا، بل على العكس، هو كذلك إن كانت اختياراته عن قناعة. أمّا أنا، فلست حرّة، لأنّني لم أختر يومًا ما أريده. وعندما اخترته منذ عدّة سنوات، اخترته في السر، بعيدًا عن أعين مجتمعي، إذًا أنا لست حرّة بعد.

مجتمعي يكرهني، يرفض قناعاتي ومعتقداتي وكلّ ما يجعلني “أنا”، وأنا أكرهه أيضًا.. ولكنّي في الحقيقة، وفي أعماق ذاتي، أحبّه وأرفض خلعه من داخلي، على أمل أن يتغيّر يومًا.

ولكن.. في حرب الهويّة، لا “حلّ وسط”.. إنّها مواجهة قاسية بيني وبين مجتمعي، واحد منّا فقط سينتصر.