التغطية الإعلامية ودخول مسرح الجريمة: المهنية أهم من الـ”سكوب الإعلامي”
مايو 6, 2024
A-
A+
لم تنسى الصحافية ضياء هايل مظفّر، يوم الرابع من آب عام 2020 بعد، وما زال تأثيره السلبي عليها حاضر إلى يومنا هذا، مشاهد الدمار والأشلاء المنتشرة في كل مكان لا زالت مطبوعة في ذاكرتها. وتروي مظفّر عن تجربة تواجدها في مكان تفجير مرفأ بيروت وقت حصوله حيث تابعت القضية عن قرب، قائلةً: “حتى اليوم لا أستطيع أن أُقفل الباب، ولا زلت أشعر بالخوف والقلق عند سماع صوت المفرقعات”. مؤكدةً أن تواجدها السريع في مسرح الجريمة جعلها ترتبط بالحدث، حيث رأت الأشلاء والضحايا وقصص الفقدان والحرائق والشعور بالخوف والرعب والحزن.
قصة مظفّر تمثل حال الكثير من الصحافيين/ات الذي يقومون بتغطية الأحداث الأمنية وقد يتعرضون للتواجد أو الدخول الى مسرح الجريمة، مع ما يحمله هذا الأمر من مخاطر عديدة، سواءً عليهم أو على المسرح نفسه والأدلة الموجودة فيه. ويُعتبر مسرح الجريمة (وهو المكان الذي ارتكبت فيه الجريمة) مكانًا دقيقًا جدًا، ويجب عدم دخوله بتاتًا من قبل أي شخص أو جهة غير مخوّلة، ومنها الصحافيين.
وتشرح مظفّر لمنصة “نقِد” عن الآثار النفسية التي لحقت بها جراء متابعتها لذلك اليوم المشؤوم، وكيف استطاعت أن تنتفض بالرغم من “الوجع والألم”، لتحويل هذه التجربة من مؤلمة إلى إيجابية نوعًا ما من خلال مشاركتها بعدّة مبادرات اجتماعية.
الحالة النفسية أهم من الـ”سكوب” الإعلامي
غالبًا ما يسعى الصحافي المحترف أثناء تغطيته للأحداث الى نقل الخبر والصورة بأسرع طريقة “دقيقة” ممكنة، مع التزام المعايير المهنية المطلوبة، ولكن يبقى للأحداث الأمنية الضخمة خصوصيتها التي يجب عليه أن يتعامل معها بحذر ودقة أكبر للمحافظة على نفسه وعلى المحيطين والمعنيين بالحدث.
وتوصي مظفّر الصحافيين/ات بضرورة مراعاة الحالة النفسية للمتضرر من الأحداث الناجمة عن الانفجارات أو أي حدث آخر، قبل الإسراع في نشر الأخبار للحصول على “سكوب اعلامي”، وبالحذر عند دخول أي مسرح جريمة حفاظًا على سلامتهم الجسدية والنفسية بالدرجة الأولى، ولحماية المسرح وتجنب العبث غير المقصود بالأدلة وما إلى هنالك من نتائج سلبية.
بدوره يشرح المتخصص في علم النفس العيادي الدكتور جورج أبو مرعي أن تواجد الصحافي في مسرح الجريمة يؤثر عليه بشكل مباشر، فهو يتعرض لمجموعة من المشاعر والتجارب العاطفية الصعبة و القاسية. مؤكدًا على أنّ المسرح مشحون بالتوتر والصور التي ستودي الى صدمة وخوف. كما أنها وبشكل غير مباشر ستعرّضه “للصدمة الثانوية” التي تتشكل من عدّة مشاهد ومشاعر قد عاشها الصحافي خلال تواجده في مواقع مشابهة سابقًا، ويقوم بالتالي عقله “في اللاوعي” باسترجاع ومقارنة المشاهد والصور التي عاشها من قبل ويتركه في إطار عاطفي ونفسي وجسدي مُنهِك”.
ولتجنب التعرض للآثار النفسية يجب على الصحافي بحسب أبو مرعي أن يطرح على نفسه السؤال التالي “هل أستطيع أن أغطي وقائع مسرح جريمة؟ وإذا كانت إجابته لا، فلا يجب عليه الذهاب، لأن ذلك سينعكس عليه نفسيًا وجسديًا بشكل سلبي. واذا وجد نفسه حاضرًا لهذه المهمة فعليه الإعتناء بالتوازن العاطفي والبدني، وأن يحترم التغيرات التي قد تطرأ على مشاعره في حال كان مزاجه سيء يومها.
مسرح الجريمة وخطر دخول الصحافيين
يُعرف مسرح الجريمة بأنه المكان الذي ارتُكبت أو اكتُشفت فيه الجريمة، وهو ينقسم بحسب الخبيرة بعلم الجريمة باميلا حنينة الى ثلاثة أنواع: داخلي، خارجي، ومتنقّل.
وحول من يُسمح له دخول موقع الجريمة، تشرح حنينة أنه وبحسب المعايير العالمية، فهم الشرطة والدفاع المدني في حال حصول حريق، بالاضافة الى المحققين والتقنيين المتخصصين بالطب الشرعي لانتشال الأدلة (في حال وجود جثّة). هذا في العالم أما في لبنان فمن يحضر لمسرح الجريمة هم أقرب جهاز أمني، بالإضافة إلى الصحافيين ،القضاة، الجيران …
وتعتبر حنينة أن كل شخص يدخل الى مسرح الجريمة وهو غير معني قد يتسبب بالعبث بالأدلة، ما يؤثّر على مسار التحقيق ويصعّب عمل المحققين، وتضيف: “الأدلة هي الشاهد الصامت الذي يوضّح تفاصيل الجريمة و يستند عليها القضاة والمحاكم لإصدار تقاريرهم وأحكامهم”.
توضّح حنينة أن خطر دخول الصحافيين مسرح الجريمة لا يقتصر على العبث بالأدلة فقط ، بل أيضًا على الصحافي نفسه، خصوصًا في ظل عدم وجود ضوابط كافية في لبنان. ومن مظاهر الخطورة مثلاً إمكانية وجود مواد كيماوية أو مسمّمة، هذا بالإضافة إلى الأمراض البيولوجية مثل التقاط عدوى معينة كال(HIV) بسبب وجود الدماء، أو غيرها من الأمراض المعدية، هذا فضلًا عن القنابل غير المنفجرة، وعوامل بيئية مثل الحرارة وبرودة الطقس التي يمكن أن تؤثر على الحالة النفسية والجسدية للصحافي، كما ومخاطر الإشعاعات النووية والغازات السامة مثل ما حصل بانفجار 4 آب.
أمّا عن المبادئ الأخلاقية والإنسانية التي تحكم عمل الصحافي في حال وقوع حدث أمني، فتقول حنينة، “يُمنع تصوير الجثث خصوصًا إذا كانت مشوّهة، وكذلك الأشلاء في حال حصول انفجار، حتّى ولو كان الهدف مساعدة المحققين، كما أنه لا يجب ايذاء عين المشاهد بهذه اللقطات التي قد تؤدي الى الذعر والهلع المجتمعي مثلما حدث في انفجار مرفأ بيروت”. وتضيف “على الصحافي عدم طرح الأسئلة على الشهود المتواجدين في مسرح الجريمة وافساح المجال للمحققين للقيام بعملهم لأن ذِكر أي معلومة على وسائل الإعلام قد تغيّر مسار التحقيق بشكل كامل”.
مسرح الجريمة بعين المباحث الجنائية
يؤكد العميد المتقاعد في قوى الأمن الداخلي الدكتور حسين خشفه ما قالته باميلا حنينة سابقًا عن مسرح الجريمة، واصفًا إياه “بالمكان الذي يُنَفّذ فيه العمل الجُرمي وتظهر فيه الجريمة”. وقد يكون مسرح الجريمة مكانًا واضحًا وبأبعاد جغرافية محددة كجريمة قتل في منزل أو سرقة خزنة، وقد يكون عابرًا للحدود والجغرافيا، كالجرائم المُنظمة أو جرائم المعلوماتية.
ويقول العميد خشفه أن مسرح الجريمة يُعتبر المكان الأهم للانطلاق منه بالتحًقيق، لأنه ومن خلال إعادة تركيبه يمكن تصوّر سيناريو تنفيذ الجريمة، كما أن يحتوي على الأدلة الجنائية الأساسية التي يرتكز عليها التحقيق لكشف المجرم بالدليل القاطع .
يوضح العميد خشفه أن الدخول العبثي إلى مسرح الجريمة من قبل بعض الفضوليين سواء عن حسن نية أو سوء نية من شأنه أن يبعثر الادلة او يتلفها أو يضيعها، ويشرح خشفه ومن خلال خبرته في المباحث الجنائية أن الأسباب الرئيسية للفوضى في مسارح الجريمة في لبنان هي على الشكل الآتي:
- الفضولية الموجودة لدى بعض الشعب اللبناني في معرفة تفاصيل ما حصل.
- التدخل للمساعدة.
- السبق الصحافي أو أخذ الصور لمسرح الجريمة للتباهي بالمعرفة وتداول الخبر.
- تأخير وصول المُحقق إلى مسرح الجريمة.
هذه في الأسباب المتمثلة بحسن النية كما وصفها خشفه، أمّا الأسباب الحاصلة عن سوء نية فيلخّصها “بأنها تهدف الى طمس الادلة بغية عدم كشف الجاني الحقيقي أو لإلصاق التهمة بشخص أو جهة أخرى. وعن تأخر وصول المحقق إلى مسرح الجريمة يؤكد خشفه أنه قد يكون بسبب التأخّر في إبلاغه عن الجريمة، أو لانشغاله بجريمة أخرى وعدم وجود محقق آخر جراء النقص في العديد، ومن الممكن في حالات نادرة أن يكون التأخير ناتج عن “تقاعس”.
ويشرح العميد خشفه “الإجراءات المتبعة دوليًا لمنع هذه الفوضى في مسارح الجريمة والحفاظ على الأدلة الموجودة فيه وهي:
- وجود العديد من العناصر المتخصصة للقيام بالمهام المطلوبة.
- التوعية المدنية والاجتماعية على أهمية الحفاظ على مسرح الجريمة.
- التدريب المستمر للكادر العامل.
ومن جهة أخرى يشدد العميد على التقنيات والإجراءات المطلوبة للاجهزة الأمنية لتنظيم مسرح الجريمة، قائلاً “على أول الواصلين من الأجهزة الأمنية القيام بما يلي”:
- ضبط مسرح الجريمة ومنع الدخول إليه والخروج منه.
- عدم السماح بالدخول إلًا لأصحاب الاختصاص.
- عدم السماح لأيٍ كان العبث بالأدلة الموجودة.
يُنشر هذا التقرير في إطار التدريب حول “أسس ومبادئ التغطية الإعلامية لقضايا الأمن في لبنان” الذي نظمّته مؤسسة “مهارات” بدعم من مركز جنيف لحوكمة قطاع الأمن “DCAF”. هذا المحتوى لا يعكس بالضرورة آراء مركز جنيف لحوكمة قطاع الأمن.
الأكثر قراءة
- أنطون سعادة وحزبه بعد 75 عاماً فريق منصة نقِد
- مطار “الحزب” الجديد على أراضي الرهبنة: قضم أراضي الأوقاف المارونية فريق منصة نقِد
- “مات شعبي على الصليب”: 108 سنوات على مجزرة kafno و sayfo فريق منصة نقِد
- قصة “السلطان جبران” الذي أصبح مليارديراً خلدون جابر