في الـ2022: عدد قتلى حوادث السير تجاوز عدد ضحايا تفجير بيروت

سبتمبر 17, 2022

A-

A+

في لبنان تتراكم الأزمات منذ أواخر العام ٢٠١٨، في حين تدنّت السّلامة المروريّة على سُلّم اهتمامات المسؤولين، ناهيك عن عدم توافر الأموال المخصّصة للصيانة وتوابعها، لأنّ الدولة “مفلسة”.

إذ لا يكاد يمر يوم من دون تسجيل حوادث سير مميتة في بلد تتراجع مقوماته الاقتصادية والاجتماعية يومياً، بحيث تجتمع عوامل عدّة لتتحول إلى مأساة تحصد عدداً كبيراً من القتلى، معظمهم من الشباب.

يرى الخبراء أن الواقع هو أخطر مما تظهره الأرقام، ويؤكدون أن أسباب هذه المأساة المتنقلة على طرقات لبنان قديمة جديدة يضاف إليها في المرحلة الأخيرة، اهتراء الدولة ومؤسساتها واقتصادها الذي انعكس على حياة المواطنين بشكل مباشر وغير مباشر.

المشكلة الأساسية تكمن في إهمال الدولة لهذا الملف وعدم تطبيق قانون السير من قبل المسؤولين والوزارات المعنية، وأضيفت إليها اليوم عوامل جديدة منها إلغاء المعاينة الميكانيكية وعدم قدرة المواطنين على صيانة سياراتهم أو تبديلها بعد الارتفاع غير المسبوق لأسعارها وأسعار قطعه، فكانت النتيجة مزيداً من الحوادث والضحايا.

لم تعد تُخفى على أحد اليوم تداعيات الانهيار المالي والمعيشي في لبنان، إذ باتت تهدّد الأرواح. ويبدو أنّ المعنيين صمّوا آذانهم عنها، لأنّها قد تخدش ضمائرهم، إذ إنّها قد تفضح المستور وتكشف خفايا بعض الكارتيلات التي تتاجر بأرواح الناس، عبر ما يسمّى صيانة الطرق، التي لها حصّة وازنة من الإهمال والفساد، فيما أرقام الحوادث وعدّاد القتلى والجرحى اليوميّ خير مثال على ذلك. 

كالعادة، يقع الناس ضحيّة طرق الموت من الجنوب حتّى الشمال مروراً بالعاصمة، التي لا تزال تلمّ جراحها بعد انفجار الرابع من آب، حيث لا تزال الطرق مشقّقة، والحفريات على حالها.

وحذر ميشال مطران، مؤسس غرفة التحكم المروري في لبنان، من ازدياد عدد الصدامات المرورية، واصفاً إياها بالأعلى في العالم من حيث عدد الضحايا.

وقال مطران عبر “تويتر” إن “غرفة التحكم المروري تتحوّل إلى ورقة نعي، ووفاة 5 أشخاص يومياً في بلد يبلغ عدد سكانه 6 ملايين نسمة، يعني أننا نخسر 30 شخصاً لكل 100 ألف نسمة، مما يدل أننا نتصدر دول العالم في عدد قتلى الحوادث المرورية”.

وهذا الأمر يشير إليه الخبير في إدارة السلامة المرورية كامل إبراهيم، لافتاً إلى أن الأرقام الأولية تظهر سقوط أكثر من 210 قتلى منذ بداية عام 2022 حتى شهر آب أغسطس الماضي. وفيما يؤكد إبراهيم أن هذه الأعداد ليست إلا مؤشرات تعكس واقع السلامة المرورية في لبنان.

وكان وزير الأشغال العامة علي حميه أقر بأن كل طرقات لبنان تعاني من مشكلات، مشيراً إلى أن موازنة وزارته تبلغ 39 مليار ليرة، أي نحو مليون دولار فقط، وتعهد في الوقت عينه بأنه لن يقف مكتوف الأيدي أمام كل حوادث السير التي تقع في لبنان. وقال إن هناك ثلاثة أركان تكون عاملاً أساسياً في حادث السير، هي الطرقات ثم السائق ثم السيارة.

وفي السياق ذاته يتحدث الدكتور زياد عقل، رئيس جمعية يازا الدولية التي تعنى بالتوعية من حوادث السير في لبنان بالقول في حديثه لصحيفة الشرق الأوسط أنه مع نهاية شهر آب نعيش في لبنان مأساة كبيرة على طرقات لبنان، وأحد أبرز الأسباب التي أدت إلى زيادة عدد الحوادث وبالتالي عدد القتلى هو عدم القدرة المالية لدى الناس لصيانة سياراتهم وسوء إدارة الملف، كما عدم قيام وزارة الأشغال والبلديات بصيانة الطرقات إضافة لعدم تطبيق القانون. 

من هنا يختصر عقل الواقع بالقول “نحن اليوم نعيش مشكلة حوادث السيارات بكل أسبابها، لناحية عدم جودة الطرقات إضافة إلى نقص بالتوعية وعدم تطبيق نظام السير وإذا بقي الواقع كما هو فسنكون أمام ارتفاع إضافي للحوادث في المرحلة المقبلة”.

ويوضح الخبير كامل إبراهيم في حديثه لصحيفة الشرق الأوسط أن المشكلة الأهم تكمن في عدم إيلاء الدولة ومسؤوليها أهمية لحوادث السير التي تجاوز عدد ضحاياها في أقل من عام واحد عدد القتلى في انفجار مرفأ بيروت، وذلك عبر العمل على تطبيق قانون السير الذي نص على ضرورة إنشاء جهة قيادية تعمل على السلامة المرورية، في حين أن المجلس الوطني للسلامة المرورية لم يجتمع ولا مرة خلال ولاية كل من رئيسي الحكومة حسان دياب ونجيب ميقاتي، والأمر نفسه بالنسبة إلى اللجنة الوطنية للسلامة المرورية فهي أيضاً لم تجتمع منذ أكثر من سنة.

وفي وقت يشير فيه إبراهيم إلى أن غرفة التحكم المروري التي يفترض أنها تتابع حوادث السير سبق لها أن تهدّمت في انفجار بيروت من دون أن يتم إصلاحها حتى الآن، وعناصر الأمن يقومون بمهمتهم بأدنى المقومات الطلوبة، لافتًا إلى الأسباب المستجدة التي تسهم في زيادة عدد الحوادث والمتوقع أن تتضاعف في فصل الشتاء، وهي على سبيل المثال غياب محاضر ضبط السرعة، وإشارات المرور على الطرقات، كما تراجع عمليات صيانة الطرقات. ويتوقف إبراهيم عند قرار الدولة بوقف العمل بما يعرف بالمعاينة الميكانيكية السنوية التي كانت تتطلب مراقبة دورية للسيارة عبر المحافظة على معايير معنية، وهو ما أدى إلى زيادة المخاطر من وقوع حوادث السير. 

ويذكر أن حوادث السير في لبنان تأثرت بالأزمة الاقتصادية نتيجة انعدام الإنارة على الطرق في الشوارع الرئيسية، مع وجود محاولات بجهد خاص وفردي لإضاءة الشوارع بالطاقة الشمسية .

كما أن قانون السير لم يطرأ عليه أي تحديث منذ عشرات السنين والعقوبات المالية ضعيفة جداً وغير رادعة.

ولتفادي وقوع حوادث السير هناك بعد التوصيات ومنها، إعادة النظر في التشريعات المتعلقة بالسير وأنظمته وخصوصاً قانون العقوبات في ما يتعلق بمرتكبي حوادث السير، وتفعيل دور القضاء لإصدار أحكام رادعة بحقهم لأن جميع حالات الحبس تستبدل بغرامة، باستثناء مدة التوقيف الأولي قبل إجراء الصلح حتى تتناسب هذه التعديلات والردع المطلوب. واعتماد خطة وطنية شاملة للتوعية للحد من حوادث السير تشتمل على تحديد دور كل مؤسسة ودائرة، وحتى كل مواطن في مجال التوعية المرورية. إضافة إلى إجراء دراسة شاملة لموضوع نقل الركاب وتحديد الاحتياجات ووسائط النقل المناسبة والاهتمام بشركات النقل المنظم وتطويرها، ناهيك عن إجراء دراسة شاملة من قبل المختصين لموضوع تصميم الطرق وإنشائها ومن ثم تأثيثها بالشواخص والدهانات اللازمة، وما يتبعها من تنظيم للشوارع وترقيم لطرق وبرمجة للإشارات الصوتية، بحيث تتناسب وحركة السير مما يؤدي الى توفير عدد كبير من رقباء السير الذين ينظمون حركة السير على العديد من الإشارات الضوئية في المدن الرئيسية، لأنها لا تفي بمتطلبات انسياب حركة

أما من جهة المرور فعلى الدولة تخفيض الرسوم الجمركية على السيارات وقطعها وذلك للإسهام في استبدال السيارات القديمة التي لم تعد صالحة للسير على الطرق ولإصلاح السيارات الممكن إصلاحها بكلفة معقولة ومناسبة. وإنشاء معاهد للتدريب على القيادة تكون ذات مستوى فني وتقني يتناسب وكيفية التعامل مع الطريق والسيارة من قبل جميع سائقي المركبات. إضافة إلى إيجاد مجلس أعلى للسلامة على الطريق تكون لديه سلطات واسعة لتنسيق جميع جهود الدوائر والمؤسسات التي لها علاقة بالسلامة المرورية ومتابعتها لتنفيذ الواجبات المطلوبة منها، لأن ما يجري حالياً من تنسيق في تجميع هذه الجهود يجري بشكل فردي وبعلاقات شخصية ولا يفي بالغرض المطلوب. وأخيراً التأكيد على إجراء الفحوص الطبية الدورية اللازمة لسائقي المركبات العامـة ومرتكبي الحوادث المتكررة لغرض التأكد من الحالة المسلكية والنفسية لكل منهم.